عندما ظهر الراحل سليم البصري من على شاشة التلفزيون بقامته النحيلة وكتفيه الهزيلتين لم يكن يحلم أن يصبح النجم الأول، فقد كانت النجومية تعني خشونة في الصوت ووسامة وشباباً، لكنّ صاحبنا الذي جاء إلى التمثيل من كلية الآداب، كان أقرب إلى وجوه موظفي الحكومة، لا وسامة ولا فذلكات تراجيدية تجعل من”حقي الشبلي”يسعى إليه ليضمه إلى فرقته.
إلا أنّ الممثل الباسم أذهل المشاهد بتلقائيته التي كانت تخفي وراءها طاقة تمثيلية هائلة، فقد قرّر أن يكون سليم البصري لاغير. لا أقلّ قليلاً ولا أكثر كثيراً. وقرّر أيضا أن ينسينا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام التلفزيون، فأخذَنا لنجلس معه،يتحدث فننصت إليه، يحرك يده فتذهب أنظارنا باتجاهها، يضحك فتنطلق ضحكاتنا مجلجلة، ينهض فنستعدّ للذهاب معه.
تذكرتُ سحر سليم البصري وأنا أشاهد كمّاً هائلاً من السياسيين الذين يخوضون على الشاشة صراعاً مع”السذاجة”، يقودنا نحن المتفرجين في كل مرة إلى أن نضغط على زر الريمونت لنهرب بعيداً.
أنا ياسادة من الذين اعتقدوا أنّ ساستنا سيكونون بديلاً صالحاً في فن الصدق، لا في فنون الكذب. معتدلون وأكفاء، يضعون رؤوسهم على نبض الناس، ويصغون إلى آلامهم ويشاركونهم أفراحهم وأحزانهم.
في كلّ مرة أرى نفسي مضطراً للاعتذار عن جهلي في الكوميديا العراقية وحكمة السادة الوزراء والنواب.. إليكم ما لا أستطيع تفسيره وهضمه: النائبة جميلة العبيدي صاحبة الريادة في السذاجة مصرّة على أن تواصل فاصلاً مضحكاً عنوانه ” قانون تعدد الزوجات ” وقد أخبرتنا أمس أن عدم تنفيذ هذا القانون هو “غبن لحقوق المرأة”
من موقف كوميدي إلى فاصل أكثر ضحكاً، هذه المرة بطله رئيس مجلس النواب الذي يريد ان يستبدل مؤسسات الدولة بمجلس أعلى للعشائر.
أرجو ألا يظنّ أحد أنني أسخرُ من السادة المسؤولين، فما يجري تجاوزَ فــنّ السخرية بمراحل كبيرة، لكنني أحاول القول: أن لا شيء يحمي الشعوب من الدخول في جُبِّ السخرية سوى ساسة يؤمنون بما يقولونه، ويتحملون مسؤولياتهم.
لن أحيلكم جنابكم إلى مرة أخرى إلى حلقات ” تحت موس الحلاق ” ولكن أتمنى عليكم قراءة الخبر الآتي بإمعان:قبل أشهر أخبرنا السيد باقر بن جبر الزبيدي أنه تعرّض لمؤامرة دولية كان الهدف منها سرقة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات، وقبل أيام كشف سراً خطيراً فقد تبين أن روسيا استطاعت أن تتدخل في الانتخابات العراقية لعام 2014، وأنها تمكنت من حذف أكثر من 130 ألف صوت من الأصوات التي حصل عليها.
ولهذا أوصي نوابنا الأعزاء أن يتوقفوا عن الكوميديا، ففي النهاية سيشيح الناس بوجوههم عنهم،لأنهم يخوضون صراعاً يائساً مع غياب الموهبة.