ليست محاولة مني لجذب القراء بهذا العنوان، وإنما تسجيل حالة، شهدتها وتابعت تفاصيلها، مع أن بعض من حدثتهم بالموضوع أبدوا إستغرابهم من جهلي بهذا الأمر حتى أشعروني، بأنها لم تعد حالة، وإنما ظاهرة، لها مروجيها وتجارها.
وسواء كانت حالة، كما أعتقد، أو ظاهرة، كما قالوا، لكنه يبقى غريباً ، في أقل تقدير على القيم التي تربينا عليها، هذا إذا سلمنا بإباحة هذا النوع من التجارة، وإتساع سوقه بين الناس، الى حد يخضع الى قاعدة العرض والطلب مثل اية سلعة، لكنها هذه المرة من لحم ودم.
لاشك ، أن هناك جانب إنساني ينبغي أن لايهمل، في هذه القضية، بالنسبة للأسر التي حرمت الذرية، ولاسيما بعد مرور سنوات من الزواج من دون أن يثمر عن طفل، بسبب أو بدون سبب، بحسب الرأي الطبي، مايدفع الزوجين الى البحث عن طفل يملأ حياتهما، حتى وإن لم يكن من صلبيهما، ومن هنا تبدأ الحكاية.
وقبل أن نقصها عليكم ، لابد أن نؤصل لمشروعية ضم طفل الى أسرة جديدة غير أسرته التي جاء منها، حيث بإمكان أية أسرة محرومة من الإنجاب أن تكفل طفلاً، تربيه وترعاه، مع إحتفاظه بنسبه الى والديه الأصليين، حتى وإن عاش وترعرع في بيت آخر، أما التبني بمعنى الحاق النسب فلا يجوز في شريعة الإسلام.
القصة ليست هنا، وإنما فيمن يستغل، الحاجة الملحة الى الأمومة والأبوة، لزوجة عاقر ، أوزوج عقيم، ويتحول عنوان الطفولة الى بضاعة تباع وتشترى، وتخضع لمنطق السوق تنقي وتتعامل ، وبين البائع والشاري يفتح الله، على قول إخواننا المصريين.
وهذا ماحصل بالفعل، مع بطلي قصتنا، حيث إنقطعت بهما الأسباب البشرية في إنجاب طفل، وتحولت حياتهما الى جحيم، توتر دائم، مشاكل على أتفه الأشياء، وهي بالتأكيد إنعكاسات للوضع النفسي من عدم وجود طفل يسليهما ويملأ حياتهما بهجة وسروراً، فأخذا يفكران بالتبني، كخيار بديل، حاولا أولاً مع الأقارب، لكن طلبهما لم يلق إستجابة، حتى من الأسر التي تضج بيوتها بزعيق الأطفال، وتعاني شظف العيش، ثم إنتقلا الى ملاجيء الأيتام لعلهما يجدان فيهما ضالتهما، لكنهما واجها عائقاً يحول دون تحقيق حلمهما، والمتمثل بتسجيل نصف البيت الذي يسكناه بإسم المتبنى، كشرط لقبول التبني.
هنا ظهر طرف ثالث في القضية، وهو ” الجدة”، أو القابلة المأذونة، التي إستطاعت بخبرتها أن تلمس لهفة الزوجة، الى الطفل، لتضرب ضربتها، وحددت السعر مسبقاً، من دون مشاهدة ولا فحص، وهو ستة ملايين ونصف المليون دينار، وإتفقا على الصفقة، وبعد أسبوع من الإنتظار، جاءت الجدة تحمل طفلة ” إسبيعية”، أي أنها مولودة في الشهر السابع، وكانت وضعية الطفلة في أول نظرة، غير مشجعة ، ” ذبلانه ولاتبكي” كما تقول الأم المتبناة، فأرجعتها ، لكن اللافتة التي ترفعها الجدة ” أن المباع لايرجع”، حاولت الزوجة أن تذهب بها الى طبيب أطفال لفحصها والتأكد من سلامتها، وهذا الطلب من الزوجة رفضته الجدة أيضاً، لكنها وصلت معها الى إتفاق ترضية، يتضمن وضع الطفلة تحت رعاية الجدة لمدة شهر، وإعادتها الى الأسرة المتبناة ، وهي في وضع أفضل.
وبعد شهر، سلمت الجدة، الطفلة، وهي في كامل المواصفات، تتحرك وتبكي، و” منششة” على قولهم، لكن لم يسأل أحد من أين جاءت الجدة بها؟.
المهم، تمت الصفقة، وسجلت الطفلة بإسم الأسرة التي تبنتها، فيما لايستبعد أن يزور مكتب دلاليات الجدة أسر أخرى للحصول على أطفال حسب الطلب .
إذاً، لندق ناقوس الخطر، قبل أن نرى معارض لبيع الأطفال، من دون أن نعرف مصادر الإنتاج والتوزيع.