ثمانية اعوام عجاف بقيادة حزب الدعوة، لم تفح منها سوى رائحة القهر ،والدم،والاعتقالات،والتقارير الكيدية ،والاعدامات..هذا المسار المالكي المرعب، فيما لو قد حصل جزءا يسيرا منه في اية بقعة من العالم يتوفر فيها قدرا معقولا من العدالة لتم القبض على المسؤول الاول في هذه الحكومة وكل الذين وقفوا معه ونفذوا اوامره ،ليتم محاكمتهم امام القضاء،وليتم الكشف عن كل الغموض والتزييف والتظليل للرأي العام التي مارسته اجهزة الحكم،خاصة تلك التي تتعلق بجرائم الابادة الجماعية ،مثل جريمة الحويجة وبهرز والفلوجة والزركا،لكن ،هذه العدالة المرجوة لن يتحقق منها شيئا في عراق تغيب عنه العدالة والمواطنة وتحكمه عقلية الطائفة..ومع كل هذا ،جاء خطاب التنحي – صلفا- مليئا بعبارات الفخر والافتخار والتبجح بما حققه من انجازات اولها فك العزلة الدولية عن العراق !!! وهذا الانجاز هو اكثر مايدعو للضحك والسخرية،ذلك لانه تغافل وتجاهل حجم العزلة المحلية والدولية التي بات هو شخصيا عليها،قبل العزلة التي امسى عليها العراق،وليس أدل على ذلك سوى عبارات الكراهية التي وزعها- طائفيا – مختار العصر ،على الجميع،في المقدمة منهم، شركائه في العملية السياسية وخاصة من يمثلون الطائفة الأخرى، وليس آخرهم دول عربية اعتاد ان يرمي عليها عجزه وفشله في مواجهة قوى الارهاب،ولم يستثني أحدا من طعناته سوى حزبه..ومع كل الاكاذيب التي حفل بها بيان التنحي والتي كانت واحدة من الاسباب التي دفعت التحالف الشيعي – وفي مقدمتهم حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي – لأن يتخلي عن ترشيحه لصالح رفيقه في الحزب حيدرالعبادي،إلاأن الطاقم الدعوجي كان حريصا على التواجد بكثافة ساعة قراءة البيان -حتى من كان على خلاف شديد مع المالكي – والاحاطة به
وكأنهم يريدون بذلك ان يقولوا للآخرين :نحن معه،رغم خلافاتنا،ونقف صفا واحدا حول اي واحد منا،ندعمه ونصفق له ،حتى لو كان احمقا ،او كاذبا او حاقدا او مجرما ،حتى لو ارتكب الكثير من الخطايا بحق الوطن،حتى لو زرع الكراهية بين ابناء الشعب الواحد،او إختصر الدولة باولاده ونسبائه أو اطلق سراح الوزراء والمسؤوليين المتورطين بقضايا فساد واختلاسات أو تغاضى عن قادة خذلوا الوطن وهربوا من ساحة المعركة ماأن هجم الاعداء …الخ الخ ..من هنا ،ومن وحي ودلالة مشهد خطاب التنحي،الذي تم اخراجه بشكل واضح وبسيط لايقبل سوى التفسير الذي أشرنا إليه: لاغرابة أن بدأنا نسمع في نفس الليلة مفردة التسامح يرددها جميع الطاقم السياسي الذي يسبح بحمد المالكي .بينما كانت هذه المفردة تعد في قاموس المحرمات،عندما كان الامر يتعلق برجالات عهد صدام من المسؤولين والبعثيين،وتحديدا اولئك الذين لم يتورطوا بجرائم وانتهاكات ضد المجتمع – وهم كثيرون – ولم يسجل ضدهم في المحاكم اية دعاوى تثبت ادانتهم !! وهذا يعني،أن ترديد مفردة التسامح هذه الأيام ،ليس بريئا،ولايقصد منه السمو بالأنفس فوق الخلافات من اجل غاية نبيلة وطنية عليا -خاصة وأن نصف البلاد في عهد المالكي قد سقطت بيد قوى الارهاب الاسلاموي المتطرف – انما يهدف الى تمهيد الأرضية والأجواء لقطع الطريق امام اي جهة تتهيأ لأن ترفع شكوى ضد المالكي ..لكن الذي اخرج لنا مشهد التنحي على الشاشة،تناسى حقيقة المجتمع الدولي الذي يعرف جيدا متى يفتح ملفات الأدانة -مثلما يعرف متى يضعها في الأدراج -حتى ولو بعد سنين،وفقا لمصالحه وحساباته.