23 ديسمبر، 2024 9:10 ص

دكتاتورية بلباس الديمقراطية

دكتاتورية بلباس الديمقراطية

قدم مجلس النواب العراقي في دورته الحالية الكثير من الأنجازات˛ التي كان يحلم بها المواطن العراقي بل ربما أن بعضها حتى لم يراود مخيلته الخصبة˛ وكان أخرها القراءة الأولى مشروع قانون جرائم المعلوماتية. والذي يعد سابقة خطيرة ˛حيث صيغة بنود القانون بشكل مقتضب وفضفاض˛ وتصل العقوبات للحبس لمدة ثلاثين سنة. لكل من ينتقد مسؤول سياسي˛ تحت مسمى المساس بأمن البلد!!. أن هذا العذر يذكرنا بمقولة الأمام علي (ع) «كلمة حق يراد بها باطل».
وما أشبه اليوم بالأمس ففي عهد الطاغية كان الطاغية هو العراق˛ والأن في ظل الديمقراطية غير الناضجة أصبح أنتقاد مسؤول فاسدين وفاشلين في أدارة البلد مساس بأمن الوطن. أن دول المنطقة التي كان من المؤمل أن تقبس من التجربة الديمقراطية˛ التي جرت في العراق في بدايتها لم تشرع قانوناً مجحفاً مثل هذا القانون. وقد تباينت ردود الأفعال تجاه ذلك القانون˛ فقد وصفه مركز الأعلام الرقمي بأنه سوف يكون بمثابة سيف مسلط على رقاب أي رأي معارض. كما وصفت منظمة العفو الدولية هذا القانون بأنه أنتكاسة مفجعة لحرية التعبير في العراق.
أننا نعيش تحت رحمة مجلس نواب ينتخبون بالديمقراطية˛ ولا يلبثون أن يخلعوا الرداء الديمقراطي ويتوشحون بجلباب الأستبداد!! نعم الأستبداد حيث أن المتنفس الوحيد اليوم للتعبير عن الرأي الحر˛ هو وسائل التواصل الأجتماعي بعد ما أصبح المتظاهر طريدة سهلة لمرتزقة قادة الأحزاب الفاسدة فهم يسعون لتكميم الأفواه التي تضح فسادهم جرائمهم وعلى قول المفكر الكبير عبدالرحمن الكواكبي الذي يصف المستبد قائلاً: «المستبد عدو للحق˛ عدو للحرية وقاتلهما…»˛ كما يقول في موضع أخر:«المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزاً من حديد˛ فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما يقدم على الظلم…».
ولو نظرة إلى الموضوع من زاوية أخرى نجده غير عملي ولا يمكن تطبيقه فهناك الألاف من الصفحات التي تحمل أسماء مستعارة وبالتالي سوف ينهك هذا القانون رجال الشرطة في البحث في عالم الأنترنيت الواسع عن أشخاص مجهولين˛ مما يربك أعمالهم الأساسية في حفظ الأمن. وبعد كل ميحل بشباب العراق من البطالة والفقر والمستقبل المظلم وبعدها حضر لعبة (البوبجي) والتي أفسر أنتشارها هو حالة الضياع لدى شبابنا والأن نكمم أفواههم ونتسأل بكل سذاجة لماذا ينتحر شباب العراق!!! وأني لأخشى اليوم الذي أجد فيه شبابنا يفجر نفسه منتحراً على أبواب فرساي العراق (الخضراء).
كما أن قانون جرائم المعلوماتية يشكل بداية النهاية للديمقراطية في العراق على مساوئها فهي أفضل من حكم الفرد المطلق بل أنه المسمار الأول في نعشها فمتى ما بدأ التضييق على حرية الرأي فأن الديمقراطية أصبحت في خطر وهذا ما ذكر أحد أهم المؤرخين والفلاسفة في القرن العشرين وهو غستاف لوبون حيث وصف التقييد التدريجي على الحريات الفردية بأنه أحد الخطرين الذين يهددان الديمقراطية والأن أما نستعد لوأد الديمقراطية أو ننتفض لنصرتها.