23 ديسمبر، 2024 11:38 ص

دكتاتورية بغداد وديمقراطية امريكا

دكتاتورية بغداد وديمقراطية امريكا

في التاسع من شهر نيسان عام 2003 دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الى العراق بحجة القضاء على الدكتاتورية وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق حسب ما يدعون وتحويل العراق الى نظام ديمقراطي نموذجي في الشرق الأوسط يحلم به أبناء تلك المنطقة ….وعاش اغلب العراقيين تلك الفرحة ولكنهم حولو كل ذلك إلى خراب وليس اعمار فقامو بنهب وسلب كل ممتلكات الدوائر الحكومية والوزارات والبنوك وقام المحتل بتعيين بول بريمر حاكم مدني في العراق والذي قام بقراره سيء الصيت حل الجيش العراقي الباسل..كان العراقيون يعيشون بدوامة ونشوة لم يفكروا في عواقبها ..لان المحتل وعدهم بتوزيع العائدات من بيع الثروات الى كل أبناء الشعب وبصورة متساوية..فقام مؤيدي الاحتلال بتحسين صورة المحتل من خلال الإعلان عن توزيع أكثر من عشرين مادة غذائية في البطاقة التموينية على الشعب العراقي .وان القادم افضل ..
لقد نام العراقيين قبلها بليلة وهم مقسومون على أنفسهم قسم مؤيد وقسم منهم يحلم بالنصر على جيوش الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ..اشرقت شمس الصباح في يوم نيساني ربيعي على اخبار سقوط عاصمتهم بغداد في يوم التاسع من نيسان .
سقطت بغداد وسقط معها الزمن الجميل وذهبت كل القيم والمفاهيم الإنسانية .سقطت الإنسانية فسقط معها الإنسان ظل الله في الارض .سقطت حرية الأديان السماوية ومخافة الله وصعد فوقها حرية العم سام والخوف من المخلوق فقط.سقطت بغداد بيد الاستعمار الحديث ومازالت دماء العراقيين تسيل بدون ان نعرف السبب .تارة بأسم الطائفية وتارة تعصب قومي وآخرها بسبب فساد السلطة …دماء تجري لجروح تنزف بلا ذنب …
لم نكن نعرف غايات واحقاد الغرب الا بعد وصول ديمقراطيتهم الهزيلة الينا فظهر لنا حقدهم الأسود من خلال دعمهم لسياسة الفوضى والدمار التي عمت العراق على مدى أكثر من خمسة عشر سنة …سياسة التخبط والقتل الممنهج في بلاد الرافدين… وسياسة فرق تسد ….
لقد كنا نحلم بالديمقراطية وحقوق الإنسان وفق مفاهيمهم التي كنا نسمع بها ولانعرفها .كنا نعيش على احلامنا البسيطة المتواضعة في عالم يسوده الفقر ولكننا نملك غنى النفس ولم نعرف السرقة لأنها كانت شيء معيب للشخص السارق وعائلته ..
لم يكن الفساد ظاهريا ً والرشوة علنية ولم نعرف عن المخدرات من شيء …
حتى العاب طفولتنا كانت ألعاب بسيطة على قدر احلامنا واذكر منها ((الختيلة )) في القرى والحارات الشعبية في المدن ثم تطورت في التسعينات الى العاب الكترونيه بسيطة كألعاب ألأتاري والسيگا…ولم نعرف لعبة البوبجي والادمان عليها ليلا ونهارا …ولم تعرف امهاتنا الا الطبخات القديمة كالتشريب واليابسة وشوربة العدس والاكلات الشعبية الأخرى ولم تكن تتابع مطبخ الشيف اسامه أطيب أومطبخ منال العالم ولم ننام وعيننا ساهرة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك .كانت التعليلة سيدة الموقف في المحلة والقرية ..
الآن الرواتب جيدة جداً بالنسبة للماضي ومقارنة أو قياساً على العملة الأجنبية فكلنا يملك في جيبه الدولار الأمريكي ولكن أموالنا أصبحت بدون بركة لأنها لاتطعم المسكين وتحض على مال اليتيم .كل شيء متوفر في الاسواق إلا أننا نرى الفقراء أصبحوا أكثر من الماضي…كل شيء اختلف في بلادنا حتى اسماء اولادنا واحفادنا وأصبح من يسمي ابنه على اسم أبيه اوجده يستحي من القوم بعد أن كان يتفاخر بها واختفت كل اسماء آباؤنا وأمهاتنا وأصبحت اسم خديجة وفاطمة وصبحة وخليف ومحيسن مفقودة تماماً وظهرت بدلها أماني ولندا وماردينا وساهر وأرنادو ….كل هذا يسمى تطور في مفهومنا الجديد …ولكن الحقيقة لم نطور لأنفسنا شيء حسب مانزعم إنما اصبحنا مقلدين لحضارة زائفة فقط …
كل هذا والعراقيون مقسمون على أنفسهم قسم يطالب بالاحتفال بهذا اليوم واعتباره يوم تحرير وطن بينما يرى القسم الآخر إعتباره يوم نكبة كبيرة سجلها التاريخ….
ولله في خلقه شؤون !!!!!!!