22 ديسمبر، 2024 9:13 م

دكتاتورية الاستفتاء.. تفتح باب جهنم

دكتاتورية الاستفتاء.. تفتح باب جهنم

الحلم شيء جميل، يأخذ صاحبهُ الى الباحة الخارجية للعقل البشري، حيث الخيال والتصور وسحر المكان، تقسم الاحلام الى اضغاث احلام، واحلام اليقظة، وأحلام حقيقية، الاخيرة ترتبط بالواقع، وتتطلب قراءة تشخيصية لتوريد الحلم مداخل الحقيقة المنهزمة من بين نسائم العقول.

الحلم بدولة وانت رئيسها وسلطانها وربها الاعلى، الذي لم يتخلى عن شبه كرسي ذهب مغشوش، تريده ان يتركها عندما اصبح الحلم حقيقة، مسكين من يتصور أن الدولة المزمع انشاؤها في شمال العراق، سيحكمها نظام جديد؟! بل ستكون مرتع للعساكر الايرانية والتركية والإسرائيلية، تديرها أمريكا من الخلف، بأزرار شفافة، غايتها تقسيم العراق على المنظور البعيد.

الكرد يعيشون بحكم ذاتي منذ ثلاثة عقود، ويتمتعون بشبه دولة، ذات علم ونشيد وكل ماهو خاص بها، من برلمان تشريعي وحكومة تنفيذية وقضاء وشرطة وجيش خاص بالاقليم، فلماذا انطلقت صرخات الاستقلال؟ وهي بالاصل تعيشه بكل تفاصيله.

لم يخضع العراق الى التقسيم، رغم الخرائط التي رسمت خارج الحدود، وحاول تطبيقها بكل انواع الضغوط، حتى داعش كانت إحدى هذه الأدوات، للشروع بتقسيم هذا البلد الى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائفية وعرقية، لن تكون ذا قوة تهدد اسرائيل مستقبلا، لكن.. بفضل الباري وفتوى المرجعية العليا، تحطمت احلام التقسيم وتفتت على وقع سيف ذو الفقار، حشد شعبي بموج بشري هدم سفينة احلامهم.

اسرائيل كانت الداعم الأكبر لاستقلال كردستان، و صرحت بموقفها اعلاميا، ووفرت الدعم الكامل سريا، نعلم ان تكاليف عالية تتطلبها عملية الاستفتاء، في حين يعيش الاقليم ازمة مالية خانقة، ومعظم الموظفين لم يستلموا رواتب، والحكومة المركزية لم تمولهم حسب الاتفاق المبرم مع الاقليم في النفط مقابل ال17%.

الاستفتاء سيفشل، لاسباب عديدة اهمها:

-زعزعة استقرار المنطقة، من خلال تحفيز اكراد ايران واكراد تركيا وسوريا، على الانفصال، وستقاتل دول المذكورة لإفشال هذا الاستفتاء، بشتى الوسائل لانه لا يخدم أمنها القومي.

-الرفض الرسمي الدولي والاقليمي للاستفتاء، جعل منه تجربة شكلية فاشلة قبل تطبيقها.

-ادخال المناطق المتنازع عليها ضمن حلقة الانفصال، شوه شكل هذا الاستفتاء، وأزال منه اخر شعرة من المصداقية.

-تحولت من حلم دولة، إلى استعمار واستغلال وطمع بنفط كركوك، التي يسكنها خليط عربي تركماني وكردي وفرض إرادة البارزاني بالقوة.

-عدم امتلاك موارد مالية حقيقية، لرفد ميزانية الاقليم، التي تصاعد العجز فيها بحدود ال60% .

-لا يوجد جيش حقيقي في الاقليم، فهي لا تملك أدنى تسليح يمكن أن تواجه بها جيوش الدول التي تجاورها، فلا طائرات حربية و لا طائرات مروحية، وعدد محدود من الدبابات والمدافع التي تفتقر الى الذخيرة، فكيف سيحمي دولة بدون جيش؟!

-الخلافات الداخلية بين السليمانية وأربيل، دخلت مرحلة خطيرة من الانقسام حتى وصل الحديث إلى إنشاء إقليمين منفصلين، جاء مشروع الاستفتاء ليقلل من هذا الاحتقان المناطقي بينهم.

-عدم دستورية الاستفتاء، سيدخل كردستان في نفق مظلم، لانهم صوتوا على الدستور وشاركوا في كتابته، وهذا يلزمهم بعدم مخالفة تلك بنود، لأي سبب كان.

العراق يعيش مرحلة انتقالية من الهزيمة إلى النصر و تحرير آخر شبر من ارض الوطن العزيز، وبدأ يتعافى تدريجيا من أزمة التقشف، والفساد الإداري والمالي، نلمسه من خلال أوامر القضاء، التي صدرت بحق مسؤولين ومدراء دوائر ووكلاء وزارات، ومحافظين القوا بالسجون، تستدعي أن نقف جميعا مع القانون ضد الفاسدين والسارقين.

اربع عشر سنة من التجاذبات السياسية، والتدخلات الخارجية، والتآمر الذي حصل بادخال الدواعش الى العراق، أخذت من عمر الديمقراطية الجديدة، وجعلتها عرجاء ومتعثرة، تخللها كثير من هفوات تسببت بهدر المال العام، وتشتيت الجهود الرامية لبناء دولة مؤسسات، يحكمها القانون والدستور.
القادم نحو الافضل بمشيئة السماء و وعي العراقيين، باختيار ودعم المشاريع الوطنية، من خلال صناديق الاقتراع التي ستكون الفاصلة بين الحاضر والمستقبل.