مع كل دورة انتخابية ، تزدهر تجارة الدكاكين الانتخابية التي تقدم معروضاتها للزبائن من وعود مغلفة بالسيلوفان وبضائع مغرية لعراق جديد تتحقق فيه الأمنيات بلمسة سحرية ..وتستقطب هذه الدكاكين أياد عاملة تروج للمرشحين وماان تنتهي الحملات الانتخابية حتى تنفجر فقاعتها الضخمة وتتناثر هذه الأيدي دون ان تحصل على مقابل مادي أو تنفيذ للوعود الجميلة من فرص تعيين وسواها ..
الى جانب هذه الدكاكين التي تعلن عن بضاعتها بشكل صريح ، هناك دكاكين أخرى تتخذ من الثقافة بضاعة لها فتعلن عن كونها مؤسسات ثقافية وتحاول أن تستقطب بعض الشخصيات المعروفة في عالم الثقافة والاعلام وتلتقط صورا لتعلن عنها عبر صفحات التواصل الاجتماعي فيراها متابعو تلك الصفحات ويتصورون انهم امام مؤسسات ثقافية حقيقية بينما هي في حقيقتها تضم من لايفقه في الثقافة شيئا ولايعرف ماذا يعني الأعلام ، ومن يدخل في دهاليزها اكثر فأكثر قد يكتشف سوقا خفية للسمسرة في كل شيء بدءا بالذمم والضمائر وليس انتهاءا بالبشر ..
في بداية التسعينات وخلال فترة الحصار الاقتصادي ، شاهدت خلال أحد استقصاءاتي الصحفية عطارا عجوزا يلف التوابل باكياس ورقية كان يقتطعها من مجلات ثقافية متخصصة ورصينة ..ازعجني ذلك فسألته عن السبب وان بامكانه ان يستخدم اكياسا عادية عوضا عنها فاشتكى من الحصار وشحة الورق وكان البديل الايسر لديه هو شراء المجلات الثقافية المرتجعة للمكتبات باثمان زهيدة ليحولها الى أكياس ورقية تفوح بعطر قصائد وقصص شعرائنا وأدبائنا قبل ان تضم ( الهيل ) و( القرنفل ) في جوفها ، وعندما لاحظ انزعاجي قال :” عمي ماادري هاي الاوراق غالية عليكم”…نعم ..لم يكن يدري وهو صادق في ذلك ..لكن المصيبة الأعظم في من يدري ويدري انه يدري ويصر على استهجان الثقافة والفكر وكل شيء جميل وراقي في الحياة ليحوله الى بضاعة عند الطلب ، سواءا كان ذلك بهدف خدمة المرشحين للانتخابات أو لترويج بضاعة فاسدة للمسؤولين ..يمكن أيضا ان نشهد تكريما او اكثر لأصحاب تلك الدكاكين الثقافية في مهرجانات أعدت لهذا الغرض وغالبا مايجري تلميع واجهتها بأسماء براقة ومعروفة في الأوساط الادبية والاعلامية لكن من يتم تكريمه حقا هم مدعي الثقافة والمتمرغين في ترابها من اجل أهداف أبعد …
في حربه ضد الفساد ، قال رئيس الوزراء العبادي ان الحرب ضد الفساد أصعب من الحرب ضد داعش ..فاذا كان رأس الحكومة يخشى مقارعة الفساد لصعوبة التعامل مع الفاسدين والمفسدين ، كيف سنحلم اذن بمقارعة فساد الفكر وتشويه الثقافة ونحن نعيش في سوق مفتوحة لبيع بضائع فاسدة في دكاكين معدة لهذا الغرض ..