24 نوفمبر، 2024 6:16 ص
Search
Close this search box.

دق ورقص وطرب وهز وسط… مرحبا بك في المودرن عاشوراء

دق ورقص وطرب وهز وسط… مرحبا بك في المودرن عاشوراء

لاأتحدث هنا عن ملاهي وبارات اوروبا ولا مهرجانات الفرح والاحتفال في الغرب او حتى في العالم العربي, وانما عن اضافة جديدة نشهدها مؤخرا على الشعائر والطقوس واللطميات والمواكب الدينية والحسينيات في كربلاء والنجف وعلى كل طرق المشاة المليونية المؤدية لهما, وفي عز لحظات الحزن والعزاء والجدية والعبرة المفترضة في ذكرى استشهاد وفاجعة الحسين بن علي.

الموديل الجديد الذي برز فجأة على الساحة العراقية ولم يستورد هذه المرة من دول الجوار الاكثر تخلفا منا او يصدر لنا ضمن مؤامرة طائفية, وانما هو من صميم ابداعنا العراقي الوطني المميز للتعبير عن الحزن والفاجعة في الذكرى الاليمة, باغان شبابية طربية تبثها الميكروفونات باعلى الاصوات وتعرضها على الزائرين بنفس الوقت على شاشات تلفزيونية او كمبيوترية. وترى تجمعات الشباب ’المؤمن الحزين’ بالمناسبة حولها وهم يهزون اجسادهم تفاعلا ورقصا او بزغا معها.

فهي تقليعة عاشورائية جديدة تكتسح كل المواكب تقوم على تقليد احدث صيحات الحان الاغاني الراقصة الغربية والشرقية والراب وحتى العراقية الحديثة المشهورة لكبار الفنانين التي رقص عليها معظمنا سابقا او اطربتهم هنا او هناك, ولكن هذه المرة مع اناشيد دينية هابطة بكلمات جوفاء تمجد الذكرى او تدعو للتطبير او ضرب الزنجيل او غيرهما من الشعائر والطقوس المتخلفة, وتصور شبابا يهتزون عليها ممتشقين سكاكينا او سيوفا والدماء تسيل في كل مكان.

الكثير ممن يمتعضون من هذه المهزلة ولا يجدون لها سابقة في التراث العاشورائي الحزائني الذي تعارفنا عليه, يحبس انفاس الغيض والانتقاد لمجرد ان هذه الزمبليطة يرد فيها ذكر كلمات الحسين او عاشوراء او زينب او الزهراء او العباس, فيجدون حرجا كبيرا في نقدها او وضع حد لها كي لايتهموا بالزندقة او محاربة الشعائر.

بنفس الوقت لاننكر ان كل اللطميات التي توارثناها ورددناها في العقود السابقة هي كانت ايضا على وزن الحان طربية تلتزم حرفيا بنوطة المقام الغنائي العراقي والجالغي ويرددها نفس قراء المقام او المبتدئين منهم, مع عمائم ودشاديش سوداء, قبل ان يتحولوا لاحقا الى الصعيد الفني الاستعراضي التجاري الاكثر شهرة وجاذبية.

موجة اغاني اللطميات الراقصة الهابطة الجديدة تاتي ضمن اعصار من البدع والسخافات التي تجتاح موسمي محرم وصفر ولم نعرفها سابقا في العراق, كتطيين الراس والجسم والمشي على النار وغرز اسياخ الحديد في الاجساد والزحف على البطن او على الاربع كالحيوانات وما شابه ذلك. ومع سكوت المرجعيات والمؤسسة الدينية على هذه الافعال المشينة لانها مستفيدة منها فعلى العقلاء فضحها وادانتها.

ليس هدفي هو حرمان الشباب الجديد من الاستمتاع باوقاتهم بالشكل الذي يروه مناسبا وفق عصرهم ولا محاربة التجديد في الغناء والطرب او اللطميات ولا التقليل من اهمية وجود مهرجان عراقي كبير للاختلاط والتواصل والاحتفال ولا حتى المحافظة على قدسية ما تورثناه من طقوس كنا نراها اكثر لياقة واحتراما للمناسبة, وانما وقف هذا الاسفاف التافه الذي يعكس تراجعا في الوعي والتفكير ويبعدنا اكثر عن الجادة المستقيمة المعروفة للتطور العالمي ويقربنا الى قيم وبداءة وسطحية داعش التي ابدعت بدلا من ذلك في وحشيتها.

بالتاكيد هي ظاهرة اجتماعية عراقية جديدة يجب دراستها وتحليلها بتفصيل اكثر ومحاولة معرفة العوامل والظروف التي قادت لها وساعدت على انتشارها ولكن بلاشك ساصنفها كظاهرة نقص او تعويضية سلبية لخواء روحي وثقافي املا بايجاد الحلول والعلاجات البديلة لها وليس تشجيعها.

أحدث المقالات

أحدث المقالات