23 ديسمبر، 2024 6:31 م

دفعوا الناس للقتل والقتال وهم بعيدون عن هذه النار…

دفعوا الناس للقتل والقتال وهم بعيدون عن هذه النار…

القيادة أو الزعامة في منظور الإسلام هي ليست عملية تسامي وترفُّع واستعلاء على الناس والجلوس في بروج عاجية بعيدا عن واقع الجماهير ومعاناتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم ، وهي ليست استحواذ وتلاعب بمقدرات ومصير وطن وشعب ، ولا تعني استعباد امة والاستخفاف بها ومصادرة حرياتها وخنق أصواتها ، ولا تمنح امتيازات خاصة لمن يشغل هذا الموقع تميزه عن غيره وترفعه فوقه ، وإنما هي مسؤولية خطيرة ومهمة شاقة هدفها هداية الأمة إلى الصلاح والأخذ بها نحو بر الأمان في الدنيا والآخرة .
لقد جسد النبي الأمين وأئمة أهل البيت القيادة الإسلامية أفضل تجسيد وطرحوا نموذجا نادرا وفريدا للقيادة الرسالية الواعية الحركية المتفاعلة الحاضرة مع الناس والمتحسسة لآلامهم ومعاناتهم وضربوا لنا أروع صور التأسي والتطبيق الفعلي لكل صفات القيادة الإلهية فهم كانوا مع الجماهير في السراء والضراء ، في السلم والحرب ، ولقد أفصح عن هذا المنهج المقدس ربيب سيد الكائنات الإمام علي بمقولته ودستوره في القيادة بقوله : «…ولكن هيهات ان يَغلبني هَوايَ، ويَقودني جَشَعي الى تخيُّرِ الاطعمةِ _ ولعلَّ بالحِجازِ أو اليَمامَةِ من لا طمعَ لهُ في القُرصِ (أي الرغيف) ولا عهدَ لهُ بالشبَعِ _ أو أبيتَ مِبطاناً وحولي بُطونٌ غرثى وأكبادٌ حرَّى، أو أكونَ كما قالَ القائلُ:
وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ ببطنةٍ وحولَكَ اكبادٌ تحِنُّ الى القِددِّ
أأقنَعُ بأن يُقال لي: هذا أميرُ المؤمنين، ولا أُشاركُهُم في مكارِهِ الدهرِ، أو أكونَ أُسوةً لهُم في جُشوبَةِ العَيشِ» وكان “عليه السلام” لا يأمر الرعية بشيء إلا وكان هو السبّاق إليه حتى في المعارك والحروب التي خاضها سواء في أيام خلافته أو قبلها فكان الحاضر الكرار في كل ميادين القتال يضرب بسيفه ويقاتل في سبيل الله والإنسانية ، فأين الرموز الدينية والسياسية التي تقمصت موقع القيادة والزعامة وتسلقت إلى العرش باسم أمير المؤمنين ومذهبه ؟!!!،أين هم عن سيرة الإمام علي وقيادته ؟!!!، كيف رضوا أن يقال لهم زعماء وقادة ومراجع وفي العراق بُطونٌ غرثى وأكبادٌ حرَّى، ودماء تُسفك وأرواح تُزهق وأعراض تُنتهك ومقدسات تُدنس وعوئل تُهجر ، أما سمعوا كلام الإمام عليه السلام : «أأقنَعُ بأن يُقال لي: هذا أميرُ المؤمنين، ولا أُشاركُهُم…. »، ؟!!!،، والآن وبناءا على ما يعتقد به الرموز الدينية والسياسية وما صوروه للناس من ان فتوى الجهاد الكفائي هي من اجل الدين والمذهب والوطن والمقدسات وان من يقتل فهو شهيد نقول : أين هم من الحضور والمشاركة في ساحات القتل والقتال التي زجوا ودفعوا وأقحموا الناس فيها دفعا نفعيا انتهازيا طائفيا مقيتا ؟!!!،لماذا لا يتأسوا بعلي “عليه السلام” الذي كان يتقدم جنوده في القتال ؟!!!،، إذا كان شخص القائد أو الزعيم أو المرجع أو الوزير أو الخطيب وبقائه ووجوده أهم من حضوره في ساحات الوغى كما تُسَوِّقه الرموز الدينية والسياسية وإعلامها ، فلماذا كان علي “عليه السلام” يتقدم جنوده في المعارك فهل هم اعلم وأكثر فهما منه ؟!!!،وهل انه “عليه السلام” قد غفل أو جهل ( حاشاه طبعا) هذه المنهج والتبرير؟!!!، ، وإذا كان الإسلام والمذهب يتوقف على حياة شخص كما يتذرع به من ألِف منهج الصمت والسكوت والتقاعس عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتخلف عن ساحات القتال فلماذا قبض الله روح النبي والأئمة ؟!!!،فهل أولئك الرموز احرص من الله تبارك وتعالى على دينه ؟!!!،أليس الجهاد والقتل في سبيل الله والدين والوطن شهادة وجنات الخلد “وهم قد صوروا جهادهم وتحشيدهم الطائفي بأنه مقدس من اجل الوطن والمقدسات” فلماذا لا يتسابقون إليه ، هل من الدين والمذهب أن يأمرون الناس بالقتال والتقاتل الطائفي الذي صوروه جهادا مقدسا وينسون أنفسهم قال الله تبارك وتعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (44) البقرة .
من لم يشارك الناس في جشوبة العيش والحرمان الذي حلَّ بهم بسبب السياسات الفاشلة والمواقف والقرارات الخاطئة التي تبنتها تلك الرموز لا يتوقع ، بل لا يحتمل منه ، ولا يخطر في البال أن يشاركهم في ساحات القتل والقتال الطائفي المقيت التي زجوهم بها لأن الجهاد الذي أطلقوه واجب على الناس الذين غَرَّروا بهم ، وحرام وممنوع على الزعيم والقائد والمرجع وابن المرجع ووكيل المرجع وخطيب المرجع وحاشية المرجع. فإلى متى يبقى العراقيون حطب نار الصراعات النفعية والسياسيات الطائفية ، والى متى تبقى دمائهم وأرواحهم بضائعة وتجارة بيد الانتهازيين من الرموز الدينية والسياسية ؟!!!.
لقد شخص المرجع الصرخي هذه الازدواجية وأشار إلى خطورة القتال والتقاتل الطائفي الذي دعت إليه الرموز الدينية والسياسية ودفعت الناس نحوه وهم بعيدون عنه ، حيث قال سماحته :
((.والآن تداعيات الأمور، وانهزامية الناس ، وفشل الحشد والتحشيد ، لأن الإنسان الآن من أجل أي شيء يقاتل؟!، ما هو المبرر للقتال والتقاتل؟!، لا يوجد مبرر للإنسان ، سواء كان الإنسان من المحافظات الوسطى والغربية أو من المحافظات الجنوبية ، لا يوجد مبرر لأن يقتل الإنسان أخاه الإنسان ، يقتل المواطن أخاه المواطن ، يقتل العراقي أخاه العراقي ، فحشدوا الناس دفعوا الناس للقتل والقتال وهم بعيدون عن هذه النار، بعيدون عن هذا القتال والآن حصل الانكسار…))