12 أبريل، 2024 3:26 م
Search
Close this search box.

دفاع عن فتى الصدر

Facebook
Twitter
LinkedIn

مضت عشرون عاماً على استشهاد الشهيد الصدر الثاني، وبدا كأنه قد غاب أو غاب أثره عن المشهد ودخل في غياهب النسيان، ولكن المفارقة في الأمر أن ممن يبعث في قضيته الحياة كارهوه فضلاً عن أنصاره ومريديه، بالرغم من أن الدنيا قد أناخت برحلها في فناء قتلته، واصبحوا ملوكاً بعد أن كانوا حفاة في هذه الدولة أو تلك، وباعوا بلدهم لقاء ثمن زهيد، ولكنه لا زال ينغص عليهم طيب ملذاتهم، ليس هذا فحسب بل هو يطاردهم الواحد تلو الآخر، كما فعل حجر بن عدي الكندي بمعاوية الذي كان يستيقظ مرعوباً آخر الليل وهو يصيح مالي ولحجر، قتلني حجر. ثم يقول : إن يومي من ابن الأدبر لطويل. فهاهم من حشدوا لحربه يسقطون بالأفراد والجماعات، ليس هذا فحسب وإنما حتى من كان على رأس القوم في معاداته والتشنيع عليه صار يلوذ به وبولده، وحتى الدول التي تواطأت على تصفيته لم تجد غير أنصاره لتحتمي بهم، ولكن حساباتهم الوضيعة أن يضربوا عصفورين بحجر كما يقال، إذ يحققون بهم مكاسب وغنائم، وفي نفس الوقت يتخلصون منهم في أتون حروب ومنازعات هنا وهناك. ولكن ضلَّت حساباتهم، ويمكرون ويمكر الله، ويوماً بعد يوم تزداد جماهير الصدر حتى أصبحت لهم الكلمة العليا اليوم، ولكن المؤسف أن الناس سريعاً ما تنسى وتتأثر بقول أو إثارات ودسائس كلها كلمة حق يراد بها أباطيل، بل أجدها كلمة باطل يراد بها باطل، ولكن تزويق الكلام وتهويله وصرفه عن حقيقته يجد الكثير ممن يصغون، لأننا وبكل صراحة أمة لا تحترم تأريخها ولاتنتفع بماضيها، بل لا تجد ما تعتبر به مما مضى.

أنظروا إلى حكمة الله فجملة ممن شنوا حرباً لا هوادة فيها ضد الصدر الأب، كانت لهم الجرأة على الله أن يأتوا إلى موضع صلاته في حرم أمير المؤمنين (عليه الصلوات والسلام) واستغلوا الموضع لأغراضهم، فأين هم الآن؟؟!. ليس الأمر تشفياً بقدر ماهو التعجب من حكمة الله وقدرته، فكما تجرأوا على هتك حرمته جرتهم الأقدار إلى موضع سجدته وهناك لقوا ما لقوا.

ولكن ورثتهم لا يملون ولا يكلون، كما هو شأن أهل الباطل في كل وقت، فبعد أن سقطوا وهاهم على وشك أن يخسروا كل شيء واستخدموا كل ما في أيديهم من أسلحة ذهبوا يبحثون في الماضي لعلهم يجدون ما يبتزون به السيد مقتدى الصدر أو يرهبونه به ليتنازل، وطلعوا علينا اليوم بقضية مقتل السيد عبد المجيد الخوئي، وإنها موضوعة على طاولة فالح الفياض ولم تغلق.

وقبل الخوض في تفاصيل أحداث مقتل السيد الخوئي، هناك أكثر من استفهام أو ملحوظة :

ــ إن طرح القضية من قبل صادق الموسوي في تغريدته، ونفيها من قبل كتلة عطاء التابعة للفياض، تلاعب ليس بالجديد، فالمهم هو التلويح بهذه العصا، وهذا أسلوب ليس بجديد علينا، كما هو الحال في صفحة (دعم عزت الشابندر) التي ينفي عزت الشابندر أية صلة له بها وهو كاذب قطعاً. ونفس الأمر بخصوص سليم الحسني الذي يرمي الإتهامات هنا وهناك ولكن بشكل مدروس وممنهج، ومطلوب من قبل مسؤوليه. مع أننا لو تأملنا في كل إشكالاته لوجدنا أن الجهة غير المعلنة التي توجهه، تواجه مشاكل عصية على التخريجات، ولكنه لم ولن يتعرض لها لأن المهم أن يؤدي واجبه ويقبض الثمن.

فالمهم هو طرح الملفات القذرة أو التلويح والتهديد بها مرحلياً. ومن المهم أن لا نتردد في مواجهة هذه الأساليب حتى لا يعتقد الطرف الأخر أنه تمكن منا. فإذا كانت عندنا ثغرة فعندهم مئات.

ــ نلاحظ أن جملة من القضايا تثار في وقت واحد من أكثر من جهة متباينة ومتباعدة حسب الظاهر إلا أنها متفقة ومتواطئة في الحقيقة، فنفس القضية تثار من لندن ومن داخل العراق ومن أماكن أخرى ومن أشخاص نظن لأول وهلة أن الصدفة جمعت بينهم وهذا جهل فاضح، كما هو الحال مع فريق النعيق (صادق الموسوي وسليم الحسني وعزت الشابندر) الذين نظن أنهم غير متواطئين وأنهم غير مكلفين من الجنرال بمهام محددة دقيقة.

ولنعد الآن لقضية مقتل السيد الخوئي، وعلينا أن نستشهد بالشاهد الأساسي في القضية والذي هو رفيق السيد الخوئي أي الصحفي معد الفياض، الذي كتب لنا تفاصيل الحادثة، فبعد دخول السيد الخوئي للنجف الأشرف مباشرة بعد سقوط صدام قام بزيارات لجملة من الشخصيات، لم يكن من ضمنها تناول الجبن على الفطور مع السيد السيستاني، الذي لم يؤكد مكتبه هذه الوجبة الخفيفة. وقام بالتجوال في المدينة، فكان من ضمن جولته تلك زيارته للسيد حيدر الكليدار الذي كان جليس الدار خوفاً من النجفيين لسجله مع النظام السابق، إلا أن السيد الخوئي طمأنه أنه لن يمس بسوء مادام بصحبته وهوَّن عليه من الأمر، فاستصحبه إلى الصحن العلوي الشريف، وهناك استقر بهما المقام في ديوان الحرم الشريف بوجود معد الفياض طبعا. وبعد فترة من الزمن تجمع عدد من الناس قرب الديوان لاستغرابهم من ظهور الكليدار بهذه الجرأة تم تناقل الخبر بسرعة، فحصل حشد من العامة وبعض منهم من طلبة الحوزة بعضهم من مقلدي الشهيد الصدر الثاني، فعلت الأصوات بخروج الكليدار من الديوان، فخرج السيد عبد المجيد لتهدأتهم، فلم يكفوا عن المطالبة، فتطور الأمر وحاولوا اقتحام الديوان فأخرج السيد الخوئي مسدساً كان بحوزته وأخذ يطلق النار، ولكن توقف بعدها إما لنفاذ الرصاص من سلاحه أو لقرار اتخذه بعد الاستمرار بالاطلاق، وعندها كانت الحشود المتواجدة قد ثارت ثائرتها فاقتحموا الديوان (ولم يكن من المقتحمين أي واحد من طلبة الحوزة وإنما كانوا متواجدين متفرجين)، فأخرج السيد الخوئي والكليدار من الديوان، واجتمع عليهم أفراد من الحشد وبيدهم سكاكين وانتهى الأمر بمقتل الرجلين بتلك الصورة البشعة التي ذكرها معد الفياض.

هذا مختصر للحادثة، وعلينا أن نبحث عن أية صلة للسيد مقتدى الصدر أو لأحد مريديه بها.

نلاحظ :

ــ أن السيد عبد المجيد الخوئي لم يكن مستهدفاً بأية صورة في الحادث، ولو كان هناك استهداف له عن سبق ترصد، لتم ذلك في مكان آخر وهو مما لا يصعب على من يريد ذلك، لأن التعرض لشخصية بأهمية السيد الخوئي وفي حرم أمير المؤمنين حماقة لا يقدم عليها أحد. بل أن معد الفياض يؤكد وبما لا يقبل اللبس أن لا أحد من المحتشدين كان يقصده بسوء، لأن تواجده في الحرم ليس أول مرة، وإنما كل ما كان يريده المحتشدون هو الكليدار.

ــ نعرف جميعاً أن تلك الفترة كانت فترة الفوضى الأمنية، فكانت فرصة للإنتقام من أي شخص كانت له صلة بالنظام السابق، وقد تمت تصفية الكثيرين في عموم أنحاء العراق، وهذا حدث طبيعي، ولم يكن من يقوم بذلك منظمات سياسية أو مسلحة فحسب بل حتى أفراداً تضرروا من صدام وأزلامه، وقد حصلت حوادث ليست بالقليلة في النجف الأشرف حيث تمت تصفية عدد من البعثيين ورجال الأمن وغيرهم ممن تسببوا بأذى لا يخفى على أحد. وبما أن السلطة منعدمة تلك الفترة فلا شك أن الفوضى ستعم.

ــ لم يكن السيد مقتدى الصدر قد وجه أحداً لتصفية آخر لا في تلك الفترة ولا في غيرها، فلو كانت له يد في الأمر لكان قد وجه أتباعه بالتوجه إلى الكليدار في داره التي كان جليساً فيها حتى أخرجه منها السيد الخوئي.

ــ ان اتهام السيد مقتدى الصدر بهذه الجريمة اتهام غبي، واستهانة بذكاءه، فلو أن له غاية سيئة أو تخطيط مسبق فهل كان سيوجه بتنفيذ الأمر بوجود عدد من طلبة الحوزة المحسوبين عليه علناً؟، وهل كان ليتواجد حينها في مكتب أبيه قرب الحرم الشريف؟. إن اقل الناس ذكاء كان ليخطط للأمر بحيث لا يترك أثراً ظاهراً يدل عليه وهذا متعارف حتى في الجرائم التي يقوم بها بسطاء الناس. وهنا قد يأتي تساؤل : ما الذي كان يفعله جملة من أتباع الصدر في الحرم تلك اللحظة ما داموا ليست لهم صلة الحدث؟. وهذا التساؤل يصدر ممن لا يعرف أن مكتب الشهيد الصدر لا يبعد سوى أمتار من الحرم الشريف وكان المكتب حينها يضج بالزائرين ومنهم دون شك الكثير من طلبة الحوزة من النجف وخارجها كمبعوثين من محافظاتهم أو وكلاء سابقين للشيهد الصدر، وقد زرت السيد مقتدى الصدر في هذا المكتب عند ذهابي للنجف بعد أيام من هذه الحادثة وهذا طبيعي جداً ومما يفترض أن يحصل، فأنا لست الوحيد الذي كان خارج العراق بعد طلب النظام لي، فمن المؤكد أن أول أمر اقوم به هو زيارة السيد مقتدى الصدر ليس لكوني وكيلا لأبيه وإمام جمعة سابق بل لروابط تاريخية وشخصية تربطني به، وقد وجدت حشوداً ليست بالقليلة هناك ولم يتسع الوقت للحديث أكثر من دقائق معه، وبعدها خرجت مباشرة لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهكذا الكثيرون من الفضلاء، ولمن لا يعرف فإن هذا الوقت هو الموعد الصباحي لافتتاح المكتب عند الساعة العاشرة صباحاً، وهو نفس الوقت تقريباً الذي حصلت فيه حادثة السيد الخوئي والكليدار.

ــ ذكر معد الفياض ولجان التحقيق عدداً من الأشخاص الذي اتهموا بالمباشرة بقتل الرجلين، وكل الأسماء التي ذكرت تعود لأسر نجفية معروفة، وهذا دليل آخر على براءة السيد مقتدى الصدر من الأمر، لأن الأسر النجفية عموماً لم تكن من مريدي ومقلدي ومحبي الشهيد الصدر الثاني، ولو كان هناك أي تخطيط من قبل السيد مقتدى للأمر لكن كلَّف به أشخاصاً من خارج المحافظة وهو ممن لا تعوزه الأنصار بمئات الآلاف في كافة المحافظات ممن يطيعونه طاعة عمياء.

ــ نتسائل : من المستفيد من مقتل الخوئي؟، بداية علينا أن نعرف هل كان مجيئه للنجف زيارة اعتيادية أم أنه كان يحمل مشروعاً معيناً؟. وهل كان مشروعه هذا متعارضاً مع مشاريع أخرى إقليمية أو دولية ربما؟. ومن الذي كان له علم بمشروعه هذا بحيث يجده خطراً على مخططاته؟.

شاءت الأقدار أن أكون في مدينة قم المقدسة عند زيارة السيد عبد المجيد الخوئي لها قبل سقوط نظام صدام بأشهر قليلة، وكنت ممن حضر مع رفيق الغربة قيس الدايني عندما سمعت أن السيد عبد المجيد عنده كلمة للعراقيين هناك وسمعته بأذني يعتذر مما بدر منه تجاه الشهيد الصدر الثاني لعدم وضوح الرؤية لديه حينها، وكان من ضمن حديثه الذي دار في الحسينية الكربلائية في (الكزر خان) وهو سوق شعبي يتواجد فيه العراقيون بكثرة، انه يحمل مشروعاً مشرقاً للعراق في المستقبل بعد تحريره من النظام، ولكن بعض الأشخاص قاموا بمقاطعة حديثه ومنعه من الاستمرار ونعرف أن هؤلاء كانوا تابعين لجهات معروفة.

وهذا يضع عدة استفهامات بل شكوكاً حول الأمر خاصة إذا عرفنا أن السيد مقتدى الصدر لم يكن على اطلاع على مشروع السيد الخوئي، وحتى لو علم به لما شكل له أي فارق لأن الواضح أن السيد عبد المجيد الخوئي لم يكن ليشكل أي خطر يذكر على السيد الصدر، لأنه باختصار كان متوهماً إذ تصور أن الأرض ستفرش له بالورود أن الجماهير ستلتف حوله بالملايين اكراماً لأبيه المرجع الكبير الراحل.

كما أني احب أنوّه إلى خصلة يتصف بها آل الصدر عموماً وهي عدم ميلهم للإنتقام الشخصي، ولو كان هناك مثل هذا الميل لكان الأولى الإنتقام من أسماء كبيرة ومعروفة في النجف وغيرها ممن شنوا حرباً لا هوادة فيها ضد الشهيد الصدر، وكانوا جميعاً في متناول يد السيد مقتدى الصدر، والحقيقة أنه إضافة لذلك كان في تلك الفترة في شغل شاغل عن هذا التفكير، وهو تنظيم شؤون أتباع أبيه ممن قصدوا إليه وهم بالملايين كما هو واضح.

كما أن التيار الصدري لم يكن تلك الأيام جهة مسلحة تنوي الدخول في مواجهة عسكرية مع أي طرف، ولم تحصل المواجهة المسلحة إلا بعد أن أصر قتلة أبيه عليها، ودفعوا بالأمريكان الحمقى للإعتداء على التيار، وهو حديث طويل يأتي في محله باذن الله تعالى. والله من وراء قصد.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب