11 أبريل، 2024 11:14 ص
Search
Close this search box.

دفاتر المصحة :  1983 -1996  / 2

Facebook
Twitter
LinkedIn

الفاقدون

(كنت أكثر من إنسان وأقل معنى
… من السؤال عن الإنسان أصلا)
أسبٌح مثل معتوه في صومعته يرى الرحمن في نزعه الأخير، يتلمس الفراغ سليل الطبيعة،ينشد اللغة البكماء الناطقة بملح شفتيه،وأراني مغشياً علىّ  يأكلني الموت بكل ما لدية من حشراتٍ دءوبة،
الموتُ ماكينة بشرية
الموتُ فجرٌ جديدٌ
من هذا التشفي أطلق الغلمان للتنزه خارجاً
وأُعيدُ ترتيبَ الحُلم: هنا شجرة وشعرها من الحروف المطروقة بالمطرقة والسندان،سيدة بلا أثداء تفتح ساقيها للثور السومريّ المجنح ،فتيات صغيرات يخطفن الرمّان من حديقة السلطان التركي، أراهن من خرم إبرة يوسعها الماء وأنا غاطس أتنفس تحت القصب البريء الآسن،تنطلي على ساقيّ أفعى،وتذهب فارة من طعمي المسموم ،أراملٌ يقطعن الطريق باتجاه مدرسة مهجورة تحولت إلى ثكنة عسكرية،وأخريات يسكبن الماء على بعضهن ويكشفنَ عن سيقانٍ بلورية يلثُمهنَ البياضُ والعسل، مصفحة عسكرية تقودها فتاة أمريكية يخرج شعرها خلفها ملفوفا مثل ذيل حصان ، نظاراتها مدرعة واسعة الإطارات،أخرج وأنا محروق ومسُود مثل عمود من خشب، تدفعني ريح شرقية فامتعض من الضوء الكثير الذي انكشفت عليه وأصير فُتاتا وشتاتاً وشواشاً لا قرار له .
الفاطسون أمثالي ينتظرون بهاء العصور السرمدية الأولى
تيجان ملوك بالين
والإحاطة عِلماً بأقوامِ العجم
رأيت فاطساً آخر يدفع عربة باقلاء يعتمر على رأسه كوفية عربية قذرة وممزقة،إنسبت خلفه مثل ماء يُحسن جريانه ،مثل خروفٍ أعزل حتى من قرنيه، مثل قوّاد ضبطوه متاجراً بالسلاح الذي لا يلزمه،كنت أتحسس مؤخرة الوطن وأرى ثقوبا لا ترونها
عصي محزومة
وأخماس مسدسات
وخرائط للجوع والعطش
رأيتُ حُلمي وهو يتنازل عن حلمه،
 يسقُطُ منه مني خفيف، وفتيات بلون الماء، يتناومن تحت فارس ملثم بيده سيفٌ طويلٌ من خشبٍ أو من سعفٍ يُهفهف،كما لو كنت مودعاً في كهفٍ ،أرغبُ بتجديدِ جُنوني،في كفي سوط ذليل وبقايا أمنية،في جهتي الجنوب ودوني سمائي،أنا أتطلع إلى الزمان المتحرر من أنفاسي ،
في مرماي الموت والذباب الأزرق
الفاطسون يتزينون بالنياشين المعدنية ببقايا أشلاء القصيدة ،المُدنسة بالأرضيّين المتواضعين ألآكلي لحوم العجل والبقر وجيف الفاكهة
الفاطسون يتحلقون على ماعون الصدقات الكاذبة والرشوة الربانية والقيمر المسروق من قيامة الحلزون
أنا في المدينة الأخيرة للنار والعّرافين الجدد
أنا في الوطن المزدان باللطم الممنهج والذبح المقدس ولي إدمان لا مهرب منه على المآتم كلها،هل رأيت فاطسا قائما بنفسه يتساقط الدود متعفنا من طيات لحمه المنقوعة بالدم والصديد؟مثل هذا رأيته بكل حواسي ،تشربت به وصرت أربيه في مسامات رئتي ،مشبوباً في أوتارِ هذا العدم المتيبس المتشقق الخبيث ،الصامت الملون ..الخ…الخ ..طبعا.
_____________________________________________
*الفاقدون :هي  التسمية الشائعة للنزلاء المزمنين في المصحات العقلية وهم المرضى الذين لا أمل في شفائهم.

                                   خيانة وتر

                   (الذين ماتوا من شدة الحياة فيهم كانوا أكثر سعادة من
 الموت حتما أو أكثر موتا من الحياة التي صدقوها)      

 

المطرُ لم يعُد يُبللُ شعرَ رؤوسِنا،ولا يُكرمشُ ياقةَ القميصِ أو يعيثُ فساداً بالبذلة المصقولة بالكي المزمن  ،المطرُ يطرقُ الرؤوسَ بالفولاذِ المُتشظي وسوائلٍ من نقيعِ البراكينِ الهائجة ،يصبُ غضباً فوقنا ويغسلُ أحلامَنا بماءٍ رعديدٍ يتهافت المطرُ ينسى سمائهُ الصافية خلف غيومٍ مازحة تحملُ الخيرَ للقمح ،وهكذا رأينا غداً جديداً،حين صرخَ بنا جحيمٌ وتداعت جبالٌ من الهمومِ فوق طفولتنا الشريدة ،خارجون على الحياة
مثلنا لا يعرفون ضرب الدفوف، حيارى من الجُبن المُحقق الذي لم يعد كافياً للعيشِ ،الجُبنِ المصفوفِ في طوابيرٍ طويلة تنقرهُ طيورٌ من أبابيل ،حين صارت الخيولُ واهية والنسوةُ مفقئات العيون داخل وليمة التفتُت الأعمى، دزينة من العمالقة البدائيين وبضع زهراتٍ تحملُ الثمرات المعدودة نجنيها لخاطراتنا من الشعرِ المموسق الغني باللغةِ الحبلى بالاعتباط ألقصدي،الذي مازال يتكرر متثائبا وشبه مغشيا عليه
ما من مساراتٍ لطائرِ الشؤم، سوانا،
 نحنُ الذين نُهدد،يأكلنا أصلَنا البدوي ويشدنا جوعٌ جنسيٌ يخرّب سرت الأنثى ويقسمها قسمين،أنا في هذا الوطن المشنوق لأكثر من مرة
في هذا الجفاف المحبب البهيّ
في تلك الأماسي الطر زانية ،في سبعينات ربوعنا، يوم كان الرغيف ينضج على هدوء أعصابنا وبغفلةٍ من الفقرِ المُبارك،كانت لنا أُعجوبةٌ اسمُها القراءة والكتابة كانت لنا وردةٌ تطلُ برأسها الصغير صوبَ التابوتِِ الحقير الذي لا يتأفف
تطلُ مثلَ فراشةٍ يسرقُها الطفل من جيوبِ الطبيعة
مثل حنان فتاة صبية تصدق أن عينيها ما يريده الحبيب يوم يجلبها إلى السرير والظلام والنوافذ المغلقة والرعشة والحب والخبز والبصل…
يفرُ خلفي مساءٌ جديد لم أعُد فيه أروي غليلي من الماء والمطر والليل الشاخص بعينيه, أيتها الأيقونات ،يا سرابًا من عبث
يا مريلات نساء المرضى والمجانين والعاجزين عن تصديق ثغاء الحقيقة هل لي بمزيد من الشراب؟
وتنبعث موسيقى ،من شرفة قصر مصبوغ بالأزرق ،البوق يصدح ببحة طويلة
قنطار من العنب الفسفوري تقدح وتشع بهجة فسفورية غالية الثمن،غواني من راقصات الملوك المذيلات من الأسفل، تتقافز نهودهن مثل كرات من الثلج المجروش،إلا أنني أصغي للوتر الحزين الفارد لسانه هناك بين يدي الأمير المفجوع بأمارته المسلوبة قريباً ،يشرب طاس من النبيذِ البورغونيّ المعفن منذ زمنٍ سحيقٍ، ويتلو غنائه الماضوي ويسكبه في روحي.
مرة اثر أخرى.

خيانة وتر
إنني أتلو براهيني على زوالي كل يوم
*
ما من قديسين هنا،النعمة الإلهية المتعففة تباح للبصاق الإنكليزي،الوجدان الشرقي حافي القدمين ،ما من أعجوبة تدع الزمان آمنا، نساءٌ مخطوفات غاليات الأخلاق  هن اليوم وليمة، مسحوق غسيل النفط، تزدردهن أموالٌ شائكةٌ وتفترش لهن ثكناتٌ عسكريةٌ مطرزة بالورد المقوى ،أهبط من عليائي أنزع عني ريش الفلسفة المناسبة للكسل:
الفكرة المطلقة
السببية العمياء
الجمال والخير والحق
ولكنها هذيانات أخرى تقض مضجعي غالبا،رؤوساً من الأفكارِ الثُعبانية تطيرُ وجلبابها يتقاعس
مفتوناً بالذهبِ والدولارات وغواني من عسل مغشوش
نزوعاتٌ أصلها رغباتٌ مشروخةٌ
أصلُها يتبددُ مثلَ دُخانٍ منفوثٍ على احتراقه الفرديّ في خانة الردهة الذائعة الصيت المشئومة…
من قال هذا؟
 
عما قريب

(الجثة تتسلى في وحدتها
بفكرة الموت للجميع)

 

عما قريب
 سيكونُ لي درباً لن أرى فيه سواي
دربٌ خالي من السوقة الموردين بالذات النشيطة العظمى
عما قريب
سأترك العالم مُشوشاً بما يكفي لإيواء جنوني ،محروماً من الاستنارة الكبرى والإجابة الشافية وكشف المضنون وكل هذا الرعيل من الهراء المحبب لسواي
عما قريب
سأسمي الوردة شفة وأدلق السؤال على أعصابي
سأرتبُ “الماء بعد الطبيعة”, والكونُ مرآةٌ صغيرة تقلبُها فتاةٌ مراهقة أجبروها على الحرمان وما كان لها غير المرآة عيوناً
عما قريب
سأنشُد مثلَ القبائلِ الأُولى حظي من الإشارات الهادية لحافاتها البعيدة، والمعنى المنفلت مثل جملٍ يتحصل جماعه، مثل أنثى اغتالها الضعف وحطها تحتهُ، مثلي تماماً
عما قريب
سيكون المعنى مبغى
والإشارة قيثارة
والرغيفُ كتابُ الجوعِ في سطورِ الوجودِ المؤملِ الكاذبِ
هذا هو دربُ الجنوحِ إلى البعيدِ محولاً عن مجراه ومسكوباً بالعبارة والمنارة وفن الجمالِ المؤبد

عما قريب
يأكل الموت نفسه مثل موسيقى لا يفهمها أحد ولكنها تهزهُ هزاً،مثل استرداد نارٍ في رماد
المرأة تعتذر عن وليدها تحنو عليها خارطة ترسم بفعل شهوة الشهب وقباب الأبراج السماوية المطلية بالمساحيق التجارية الباذخة المسلية
عما قريب
سأكونُ قطباً في كونٍ وليدٍ مُداعباً أنفي وكرشي يمشط فخذيي
مثل خروف واعد يتضخم لحمه ليؤكل ميتاً
وتتطرق النساء لأسمي مثل نبيّ هارب من القراءة والكتابة
أو نجم لا يرى إلا بعين واحدةٍ
صياد للجثث كما أرى، لا يرى في موتهم غير دفنهم لا يرى في عيونهم المغلقة غير ذبابتين ساكنتين, مع أن الذبابة تراه ذبابة أخرى فتطنُ عليه
عما قريب
سأرطن ضد معناي
سأفككُ الكلامَ في كلامهِ وسطوعه اللامتناهي وعزة نفسه وإدمانه على الفيض الاعتباطي
سأريه بلل ريقي في الكلام المستحيل وأحرق أوراقي قبل احتراقي
سأروي له موتي القديم المستعاد
عما قريب
سأكونُ عُرساً في المساءِ الغريبِ الذي لطالما تجسس علىّ وهرّب أحلامي إلى القطيع
سأكون مني أخيراً واعداً في المجئ وغير موعود كفاية
عما قريب
سأرى الجنون بعدي ذابلاً مثل رغيف البارحة
وسيخصني موتي بالسلام أخيراً
منسياً كما كنت، قليل الشأن مثل كفن مسروقٍ من جثته
موعوداً بالدودِ الرحيم الذي يعرف طريقه
غير مبال بالصداقات الشحيحة وقلة الماء المخلوط بالدم
مثلي لا يعرف لحياته معنى
الكراهية وحدها تساعد أشلائي على التنفس
عما قريب
سأريك سر عبوري على القفا المتروك للجهات المتناظرة واعوجاج دربي الذي لا صواب يحتمله
وشكل موتي قبل الحياة هل كان مني ومن معناي
ونوع الموسيقى التي تعرفني حقاً
ولا تعرفني
ذاك أن الله ساعدني على غموض لا يتمهل
في ملعب اللغة الموضوعة جيداً حتى من دون معناها
وتسرق نقودها من جيوبي عادةً
أنا الذي كنت رأيت ما تبقى
و أخيراً
عما قريب
سأرى ما نسيت في النسيان حتى ولو كنتُ بلا ذاكرةٍ
سأرى الثعلب في مصيدة الحقيقة التابعة لأكاذيبي
الجمال ونصفه من طين قديم
ورجال من العاج العتيق
وفطنةٌ نرجسيةٌ لا تريدُ من الأنا إلا صمودها المعتاد وعبث شوقها إلى الأبدية
سأرى ما لم أكن منه ولن أكون سواه
سوى هباءه المنثور على الأحوط
عما قريب
سأكون مثلي لا يشبه عواءه أحد
كما لو أن موتي نصفي التائه الذي عليّ استرداده
عما قريب
ستكون أعراسي تذكرة ربانية
أنا الفاقد الوحيد لمعناي الذي ما زال يعنيني
أنا هو دائما نوعي، حياتي لن تتكاثر، لن يجلس على حافاتها وليد ،لن أرى أجمل من الناي  في السؤال وهو لم يكن جواباً؟ الجمر تحت اللسان ،أصله حياة من قبل حياتي وما فوقه الرق والناي والطور الحزين…
أيها الموتُ خذ بيديّ كي أكون مثلي ميتاً عندك وميتاً مثلك لكي نتساوى في العدم مرةً أخرى ونصبح طينةً سكرى
ومرةً يترك الرحم أنسابه مثل ميتٍ جديدٍ
مثلَ ميتٍ جديدٍ كان
مثلي أو أنني ،كنت
مثلك ،
أيها الميت ،

أيها
الحيّ كما لو لم تكُ من قبل
فليكن
كن
وتمكن؟!!

كأس آخر لسعدي يوسف
(الأسماك لا تأكل الصيادوتترك شباكه مجففة)

أكل عين تراها هي تاريخ آخر لمنفاك؟
هل هو السؤال شبه إجابة لشبه حياة محتملة ،حيث العشب الرخيم يرعى دوده وهذه الأرصفة لا تؤدي إلى قمر، كما أسلفت لنا أشعارنا، و تطاولت علينا سفينة العودة ،وكنا مازلنا نرعى قبيل الفناء الأخير خارجين على اللغة والفكر المناهز لكبره وشيخوخة الطين فيه
السعادة تجلبها الخمرة المعصورة بوجع الرغيف
أتدرب على القياس الأرسطيّ،الحظ هو المقياس الأمثل للمجاهيل المركزية المخاطية اللون في واقع الحال ،أنا أيضاً مجرد اعتباط كان
محض انفلاق خصيتين محمولتين بين ساقي رجلٍ تعرفت عليه صدفة
لا يمتلك الوقت الكافي/هل لي بمرارة مضاعفة لإشباع المجاهيل في حواسيّ؟ الأباطيل تذوقت حلاوتها وصرت مجرداً من الرماد الذي كنته ،الرماد أو الجرب المشرشف لسرير العائلة .
سوف تأخذني غفوة لابد منها ،طوق نجاة يرقص ويتسحب على أرجوحة الماء الناعس المنزعج من خصلاته الواهية ،يوم صار الزمان مغشوشاً وبلاؤه لا يعد ولا يحصى ،يوم ما كنت أمنية

(**)
المصحة ،وهي تسحب تصريحها ،الاستراحات المتقطعة
والإيغال في تفقد الأرصفة السيئة الإضاءة
بغدادُ فرنٌ كبيرٌ ، أراها من عيون الممرات الضيقة مثلاً
أو من بين أصابع لص يهرول هرباً من وجهه
أنا الفأر الفار في جوفها، ساعات من الإيواء في معاطف الأشجار
لون العشب الحامل الشرعي للبول المراق
مصطبات خشبية تحتج على نهبها اليومي من قبل عجيزات كبار السن لا يتحكمون بثقوبهم المكرمشة الذليلة
من دواعي السعادة أن قنينة البعشيقة المصنوعة من البلاستك الكريه
بدرهمين
بدرهم واحد هو كرع طاسة من العرق الرئاسيّ في حانة (المفلس)
بينما بسرعة يكون اللكم والضرب على المؤخرات المنكسة
الظهيرة الخمرية تطلي وجنتيها بالذباب
بينما التصريح الورقيّ يذوي ويتساقط كلامه

(**)
الكناسون يتأففون كثيراً /المكانسُ سيوفٌ مشذبة
جادة (الصابونية) تفوح منها رائحة العجائز نراهن متحذلقات على قدور الباقلاء
ليل آخر أنسفهُ نسفاً
آه ..إنها السادسة صباحا من عمر الجامعة ،الحادية عشر بتوقيت الكون
(الصابونية) لا تدعني أصطاد هواء آخر
والنعاس يشد مهمازيّ
الحاوية العتيقة الملطخة بالليل هي آخر جدارٍ أرتقيته

 (**)
البلبل السعيد بطران
وكذلك شجرة الياكولبتوس المزينة ببقايا زينة تموز الدامي
ولن أستثني صوت طرطشة الماء في مرحاض النساء
والممرضات الحانيات على المذياع
ولون الإسفلت الملطخ بالحساء في رواق الردهة الطبية
ولا بأس بأن أرى الشمس
هي الأخرى
بطرانهّ ولا براءة فيها
كما أن القطة الدائمة هنا (زينة )هي الأخرى تطلق مواء شامتاً
وحذائي الوضيع هو الآخر حين أبحثُ عنهُ أكثر مما يستحق
فلا أحد يعرف بأنني ذاهب بعد خمس دقائق وعشرين ثانية
إلى غرفة الكي الكهربائي

(يتبع )

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب