23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

دعونا نعيش دعونا نعيش

دعونا نعيش دعونا نعيش

لم أفكر يوماً بالهجرة، كما لم أسع للعمل خارج الوطن، ولعل بعض أصدقائي المغتربين يحاولون أن يستفزوني خلال التواصل معهم عبر مواقع الانترنت : ” عاحبتك الأوضاع”، ” خاف عينك على منصب سيادي”، ثم يضحكون ” ههههههه”، لكني كما يبدو ” لم ترتجف لحمتي بعد”، ولم أزل أقنع نفسي بعد 12 سنة أن مايجري مجرد سحابة صيف وتعدي، برغم تفاقم المأساة، والأدهى من ذلك أنني أبشر أولئك الذين فارقوا العراق بالخير الآتي، وأدعوهم الى العودة .
وهكذا ظل السجال بيني وبينهم، فيما يجدوا الموقف لصالحهم كلما إضطربت الأوضاع، وإختل الأمن، لكني أحاول أن أخفف من وطأة الأحداث، وأسعى لإثارة العاطفة من خلال الموروث الشعبي :
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة *** وأهلي وإن عزوا عليّ كرام
غير أني لاأكتمكم خبراً، أن التحصينات التي أحتمي بها في حب الوطن، أخذت تتهاوى، ولاسيما  بعد أن أخذ ينتابني شعور بالغربة، والإحساس المخيف أن الوطن لم يعد يتسع للجميع.
مشكلة عويصة تبلغ مداها عندما تصبح غريباً في وطنك، ليس لشيء، الا لأنك لم تحسب على ذاك الإتجاه ” حزب، أو كتلة، أو كيان، أو طائفة، أو عشيرة، أو منطقة، أو موقع جغرافي”، والأخطر أن تصبح مطلوباً لجهة ما بسبب الإسم، أو اللقب، وقد تقع في دائرة الريبة بسبب شكل ” الصلاة”، والهيئة العامة.
وبرغم كل المعاناة التي يعيشها العراقي، سواء الأزمات التي لم تفرج أول تحل، وظات مادة دعائية دسمة للسادة المسؤولين، دام ظلهم، يستخدمونها كل إنتخابات لجني الأصوات، أو الخوف الذي بات مخيماً على البلاد والعباد، مفرزاً ملايين الضحايا قتلاً وتهجيراً ونزوحاً وتشريداً وإختطافاً على يد جهات متعددة، وعناوين مختلفة، فيما يبرز الشكل القانوني للإعتقالات ليكمل دائرة الخوف التي تستهدف الأبرياء أكثر من الجناة.
واقع يدعو الى الخوف، عندما تتلاشى الخيارات أمام خيار وحيد تمثله الأمم المتحدة ، للحصول على ملاذ آمن، بكل أشكاله : الأمنية والسياسية والإقتصادية، ويهولك أن تسمع وترى برامج الشباب وتطلعاتهم للهجرة واللجوء، فيما تتوالد الميليشيات وتقوى في الداخل فارضة صوت الرصاص والقتل خارج إطار القانون وسلطة الدولة.         
ما أريد أن أثيره هنا، أن العراقي تحمل ويتحمل الكثير من الويلات، بدءاً من لحظة خروجه  الى الشارع، وإحترامه المتناهي لكل سيطرة ونقطة تفتيش يمر بها، وكل دورية تمرق ضاربة قواعد وأنظمة المرور في عرض الحائط أو في وجه رجل المرور الذي لايسعه الا القاء التحية والسلام، مروراً بعقد الزحام، ومخاطر الطريق، وفقدان شروط العيش والأمان في أي مكان، وصولاً الى ترتيب واقعه المعيشي بما يستلزم من متطلبات الحياة الطبيعية، من خلال بدائل يشقى لتدبيرها وتوفيرها، وهو ، كما يبدو، قانعاً، قهراً أو يأساً، للعيش في وطنه، لكن دعونا ياسادة ياكرام نعيش، وخذوا الكراسي والمناصب وكل ماثقل حمله، واتركوا لنا الخفايف !!.