دعوة للإصلاح
الكثير يتسائل عن الحال الذي نعيشه من فرقة وإختلاف وتشتت وهوان وشحناء وبغضاء واقتتال ويستغرب ويستنكر ويتمنى ويدعو الله أن يصلح أمرنا ويؤلف بين قلوبنا كما ألف بين قلوب الأولين ويتسائل كيف السبيل لذلك، وهل فعلا يوجد سبيل وحالنا يقول “كل حزب بما لديهم فرحون”؛ كل فريق يقول أنا هو الناجي لاغير، أنا على الحق وأسفي على غيري في ضلال. وياليت لهذا الحد؛ بعضنا يكفر البعض ويفتي بردته ويحلل قتله وبعضهم يخطط ويعمل على مسخ ومسح الآخر ولا حول ولا قوة الا بالله.
فإن كنت ممن يريد وجه الله سبحانه وتعالى ويبحث عن الحل فتعال معي نسعى لكلمة سواء بيننا، عسى الله أن يهدينا بها سواء الصراط. تعال معي لنغير ما نحن عليه بتحري الصحيح مما ورثنا من حمل ثقيل لنمنع ما يريده أعدائنا الذين ركزوا في خططهم على إثارة الفتن بين الشعوب وبين الناس في الشعب الواحد مركزين بذلك على الطائفية ونحن من ينفذ مخططاتهم.
إن ما نسعى اليه لن يكلفنا شيء؛ لن يكلفنا تغيير إلهنا فهو الله سبحانه ولن يكلفنا تغيير نبينا فهو محمد سيد المرسلين، ولن يكلفنا تغيير كتابنا فهو القرآن الكريم. إنه لن يكلفنا تغيير ديننا فهو الاسلام العظيم، انما يكلفنا فقط تغيير مفاهيمنا لنزيح منه الشوائب، فما فرقنا لا يتعدى الاختلاف في التأويل وفهم ما حصل بين الأولين وما أدخله علينا أعداء الدين. فدعنا نسعى للتصحيح نبتغي وجه الله ومرضاته، فان لم نكن من العاملين فلنكن على الأقل من الداعين الى وقف الشحناء والبغضاء والقتل أو على أضعف الإيمان من المنكرين لهذه الفتنة. ليكن هدفنا الاصلاح ما استطعنا عملا بقوله تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك2
{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} النساء114
وقبل أن نبتدء لابد من أمور نتفق عليها كي تكون الدعوة على أساس منطقي صحيح ليس فيه لف ولا دوران وكي يكون الأمر سهلا ويسيرا بأذن الله وهذه الأمور هي كما يلي:
1. أن نبتعد عن السب والشتيمة والتجريح فهي لغة المفلسين الجاهلين، وندفع بالتي هي أحسن في الحوار والجدال وأن نعتمد الحجة والبرهان في صغير الامور وكبيرها، ولنلتمس العذر لبعضنا البعض فما ورثناه حمل ثقيل ويغالبنا إتباع ما كان عليه ابائنا وبعضنا يستميت في الدفاع عما هو عليه دون تدبر وتفكير. دعنا نتبع الحسنى ونعمل بما أمرنا الله عز وجل:
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت34
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}النحل125
2. أن نتجرد مم ورثناه كي نكون محايدين في النظر الى الأمور ولكي نكون منصفين في الوصول الى الحق، بأذن الله، بحرية دونما قيود وتأثير لما تعلمناه. أن التجرد سيجعلنا ممن يقف على الشاطئ؛ فالذي يقف يراقب من بعيد ما يدور ليس كمن يسبح لايرى أمامه إلا القليل. الفرقاء يسبحون في بحر هائج من التناقضات والفتنة والفرقة وإذا كنا نسبح معهم في العمق سوف لانرى إلا أمتار بسيطة أمامنا ولا ندري ما يدور حولنا. نريد أن نكون على الشاطئ نراقب ما يقوم به كل سباح حتى نرى ايهم أحسن قولا وعملا. أما اذا جعلنا هوانا مع أحد الاطراف متعصبين لرأي محدد فاننا سوف لن ننظر ولن نسمع ولن نقراء ولن نقبل إلا ما يوافق مذهبنا وتعصبنا وهوانا وما يدافع عن ما كان عليه آبائنا.
3. أن نتبع أحسن مايقال عملا بقوله جل وعلى:
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر18.
إن أحد اسباب الخلاف والفرقة هو قلة الاطلاع والمعرفة وقلة العلم والدراية وقلة التدبر في آيات الكتاب الحكيم وسيرة الاولين، كذلك عدم الاهتمام بما يقوله الآخرين حتى لو كان حسنا. لنأخذ بالعفو والمعذرة على المؤاخذة والعتب وإن كان حقنا، ولنأخذ بالصواب والقول الحسن الذي يقوله أي منا ونترك كل قول لا يدل على رشاد ولا يهدي الى سداد.
4. أختلفنا في كل شيء؛ في سيرة الرسول الكريم وفي سنته والأحاديث وفي الائمة والعلماء وفي آل البيت وأهله. كل يروي رواياته وقصصه ويدلو بتأويله ودلوه ولا ندري أيهم حق سوى أننا نعرف أن رواياتنا وقصصنا وأحاديثنا هي المقدسة التي لا تقبل التشكيك؛ هي الحق وكل ما يخالف إعتقادنا باطل، وعليه لابد من مرجع يحتج به بعضنا على بعض. مرجع ليس مصدره البشر المخلوق الناقص وانما مصدره الخالق ذو العزة والكمال، مرجع ليس فيه شك يمثل الكمال من رب الكمال وهو كلام الله سبحانه وتعالى. نتفق من أن يكون القرآن؛ الكتاب الذي لا ريب فيه والذي تعهد الله سبحانه بحفظه, لا بد أن يكون هو المرجع للفصل في كل شيء. أما كلام البشر، عدا وحي الله لرسوله، وما تم نقله عن سيرة الاولين فهو كلام فيه أخذ ورد ويحتمله الشك ولا يوجد من يضمنه وبحاجة الى حجة وبرهان لإثباته.
إن الله سبحانه وتعالى جعل الرسول حجة علينا ولم يذكر حجة للناس على الله غير الرسل:
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء/165
كذلك فإن الله تعالى جعل الحجة عند التنازع في شيء بين المؤمنين بالعودة اليه سبحانه والى رسوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59
والذي يؤكد هذه الحجج في الآيات أعلاه هو أن الدين الذي جاء به الرسول الكريم كامل بفرائضه وشرائعه ولم نسمع أن فرائض أو شرائع كانت ناقصة وأضيفت من بعده. وعلى هذا الاساس جعل الله سبحانه الرسول الكريم خاتم النبيين وقطع نسله من الذكور ولم يكن له أخوة لحكمة يريدها وليجعل إنتهاء النبوة أمر عمليا فإنك لاتجد مثال عن توريث النبوة في القرآن الكريم إلا للاولاد أو الاخوة. أما حجة الرسول علينا فهي القرآن الذي أنزل عليه وهديه وسيرته وسنته لكننا اختلفنا في الهدي والسيرة والسنة فلم يتبقى حجة بيننا إلا القرآن الكريم.
5. كذلك فقد أختلفنا في تفسير وتأويل آيات الكتاب المبين؛ كل يفسر بطريقته لتحقق مبتغاه وإثبات الفهم الذي تبناه. صحيح إن التفسير والتأويل لكشف ما خفي من أسرار القرآن هو من معجزات الكتاب المبين وأمر قائم الى يوم الدين لكن بعضنا جعل التأويل والفهم الذي يريده ويوافق معتقده هو الأساس والغاية وكل الآيات تُطوع وتُصرف لاثبات ذلك الفهم. إن المصدر الكبير للاختلاف في التأويل والتفسير هو المعنى الباطن والذي يحتمل الكثير وليس له من حدود؛ كل يؤول ويفسر على طريقته ولهدفه، وعليه لابد من الرجوع الى المعنى والمدلول الظاهر والعقلي للآيات والتي يفسر بعضها البعض ونعتبره هو الأساس الذي نحتكم اليه وبغير ذلك سيكون أي حوار وجدال عقيم لافائدة ولا نفع فيه.
6. نتفق أن التدبر في آيات القرآن الكريم في معانيها الظاهرة والعقلية هو تكليف وأمر من الله سبحانه لكل مسلم عاقل:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}النساء82
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد24
أن سماع القرآن الكريم بمعناه الظاهر العقلي هو السبيل لدعوة الكافرين الى الاسلام وأن سماع أياته كان وما زال له أثر السحر في النفوس، فالإسلوب القرآني وبلاغته ومعانيه الظاهره والعقلية هو أحد معجزات القرآن التي جاءت لتتحدى وتعجز عقول قوم صنعتهم اللغة والفصاحة والبلاغة والشعر والنثر حتى قالوا لمن يسمع القرآن ويسلم بعدها.. والله لقد سحرك محمد بكلامه.
{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} التوبة6
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فصلت26
فهل كان الذي يسمع كلام الله يتدبر ويفكر في المعنى الظاهر أم الباطن، ومن يدله عليه وهو من إختصاص الراسخون في العلم ومنه ما هو في علم الله وحده مثل الاحرف المقطعة والروح وعلم الساعه وماذا تكسب ومتى وأين تموت كل نفس وغيرها. إن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن يسيرا يخاطب به العقول، يقول للناس أجمعين إسمعوا، أنظروا، إفقهوا، تدبروا وتفكروا عساكم أن تهتدوا وتؤمنوا وتصلحوا. أنظر وتفكر وتدبر ماذا قال الله سبحانه وتعالى لمن لا يريد السماع والتدبر، اللهم لا تجعلنا منهم:
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} الجاثية
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }لقمان7
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} الفرقان44
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }الإسراء89
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179
7. كذلك لابد من الإتفاق على أن الحكم على الحق والصواب وأي شيء آخر لايمكن أن يؤخذ من مقال يحتمل التأويل بأكثر من مدلول ومعنى لان الحكم سيكون مبني على الظن والافتراض وفيه شك وريبة وليس مبنيا على اليقين. فهل يمكن أن نحكم على متهم الا بالبينة والدليل القاطع أو أن نثبت الحق لمطالب إلا إذا كان هناك برهان قاطع لا يقبل أن يطعن عليه أحد. فإذا كنا نبحث على الدليل في أمور الدين والدنيا الاعتيادية فكيف بأصول الدين؛ هل يجوز أن تؤخذ عن غير برهان ودليل محكم ومعنا قاطع. لابد للحكم في الحق والصواب وخصوصا في أمور العقيدة وأصول الدين أن يبنى على المحكم من الآيات ذات المعنى القاطع والتي لاتقبل التأويل إلا بمدلول واحد لا يختلف عليه اثنان. إن الله سبحانه وتعالى بيَن ذلك في الكتاب المبين الذي أنزله بآيات محكمات وهي القول الثابت الذي لا يقبل التأويل الى معنا آخر وآيات اخرى متشابهه جعلها الله فتنة لنا فتجاهلنا المحكمات وأمسكنا بالمتشابهات. وعلى هذا الاساس جاءت الآيات المحكمات القاطعة المدلول والمعنى في كل ما يخص العبادة الخالصة لله وحده وفي والفرائض والتشريعات:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } الإخلاص1،
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } الأنبياء25،
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56،
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان13،
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء116،
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} المائدة72.،
{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } النمل65
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً(27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً(28) } الجن
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85،
{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} لقمان34……….. وغيرها كثير
أما المتشابه من الآيات أو الآيات التي أخلتف فيها أو أريد لها أن تكون من المتشابهات بسبب إختلاف الفهم والهدف، فأنك لا تجد مدلولا واحدا قاطعا بل تحتمل أن تصرف لاكثر من معنى وعلى سبيل المثال لنتدبر الآية الكريمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}النساء59
فإن قال أحدهم إن “الَّذِينَ آمَنُواْ” و “َأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ” هم أهل البيت فقط فسيطعن عليه الآخر ليقول ليس لديك دليل قاطع؛ لا بل هم آل البيت من آل محمد وآل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وكل من حرم الصدقة من آل محمد عليه وآله الصلاة والسلام وليس فقط من أهل البيت، ويأتي ثالث أيضا ليطعن على كليهما ويقول ليس لديكما دليل قاطع على ما تأولون فالمعنى واضح “َأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ” معطوفة على ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ” في بداية الآية، والذين أمنوا تشمل كافة المؤمنين؛ من صلح من أهل البيت وآله ومن الصحابة والتابعين الى يوم الدين، وسيقول أيضا أنكم نسيتم أن الآية تقول أنه في حالة الاختلاف فالرجوع فقط لله وللرسول الذي جعله الله حجة على الجميع فلا يهم من يكون من أولي الامر ثم أيضا أن الآية تصلح لكل زمان ومكان فإذا كانت تخص أهل البيت فقط أو آل البيت فقط وهم موجودون في ذلك الزمان فكيف بنا في زماننا هذا فمن يتولى أمرنا ويحكمنا ولم يبقى من أهل البيت وآل البيت أحد الا المدعين، لا بل إن واقع الحال يقول ان من يحكمنا الآن اناس عاديون يبررون ما يقومون به باسم الدين. فكيف يمكننا الآن أن نحتكم ونحتج بهذه الآية لتكون دليلا قاطعا على ما نقول أو دليلا قاطعا على حكم يصدره الاول أو الثاني على المخالف لهم بالكفر والعياذ بالله.
ونفس الشيء ينطبق على الآية الكريمة:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة67
فالذي يقول إن هذه الآيات نزلت في الوصية لعلي كرم الله وجهه بأنه الخليفة وولي الأمر من بعد الرسول الكريم سيطعن عليه آخر بأن النص ليس قطعيا وإن ما أنزل الى الرسول الكريم كثير وهو حكم الله في كل شيء وإقامة الدين وهو ما تتحدث عنه الآيات السابقة لها وما تقول هو مجرد إفتراض وليس هناك برهان قاطع لتقيم الحجة به على الآخرين. وعليه ترى أن الآية ليس لها مدلول واحد قاطع لكي يمكن أن يبنى عليه حكم لا يقبل الطعن.
إن ما وصلنا اليه اليوم من حال هو نتيجة ما حصل في الماضي والذي لايتعدى الإختلاف في التأويل وإختلاف في النظر في الأمور وفهم المقصود من المقال وفهم ما جرى من أحداث مضافا اليه تدليس أعداء الدين وخوض الخائضين والمنتفعين وإعلامهم الذين إختلقوا وهولوا الكثير من القصص والروايات وقلبوا الأمور ليشعلوا ويديموا الفتنة والفرقة والطعن في الدين.
إن توفر وسائل المعرفة اليوم وسهوله الحصول على المعلومة سيتيح لنا النظر في تأويل وحجج كل طرف في فهم ما جرى من أحداث في ذلك الزمان ولكن يشترط منا الوقوف على الشاطي والتخلي عن التعصب. والآن بناء على مبادئ الحوار دعنا ندقق ونتمعن في الأحداث التي جرت ولنستعين بالمعاني الظاهرة والعقلية للآيات الخاصة بأهم الأمور التي أختلفنا عليها لكي نرى من من الأطراف يتوافق فهمه مع التنزيل ووعد الله ورسوله للمؤمنين ويتوافق مع البراهين الإلهية والشواهد التاريخية التي حصلت في ذلك الزمان.
أ- ما حصل في السقيفة: هناك روايتان؛ تقول الأولى أن ما حصل كان مؤامرة أغتصبت من خلالها الخلافة وتمت من قبل صحابة ارتدوا وكفروا بعد وفاة الرسول الكريم وتعامل معهم صاحب الحق كمنافقين حفاظا على وحدة المسلمين. والروايه الثانية تقول أن ما حصل كان عفويا وتصالح الصحابة بعدها وسارت الأمور طبيعية تحقق خلالها وعد الله لرسوله وللمؤمنين. الآن كيف نحكم أي الروايتين صحيح وليس منا شهود على ما حصل وحتى شهود ذلك الزمان والذين نقلوا لنا القصص كيف لهم أن يدخلوا الى قلوب أصحاب الرسول ليعلموا كيف كانوا يفكرون وما هي نية كل واحد منهم؛ إذا اعتمدنا على ذلك سيكون الدليل افتراضي وظني لا يقودنا الى تحديد الحق والصواب، وعليه لابد من العودة الى آيات الكتاب الحكيم والى البراهين الإلهية والشواهد التأريخية لكي نعرف أي الروايتين هي الصواب.
لنبدء من البراهين الإلهية الخاصة بوعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة54
فهذه الآية تدلل على وعد الله فيمن يرتد بعد إيمانه. فما حصل بعد وفاة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام أنه إرتد الكثر ممن آمنوا وعلا أمر الكذابين من أمثال مسيلمة وسجاح فهل يعني أن الله سبحانه أتى بمرتدي السقيفة ليردوا على المرتدين! حاشى لله سبحانه أن يخلف وعده وأن يناقض قوله فيأتي بقوم كما وصفهم “يحبهم ويحبونه” ليكونوا هم صحابة الرسول المتآمرين…إنه أمر لا يستقيم. وثمة أمر آخر؛ إن الله سبحانه وتعالى حجب نصره عن المؤمنين في معركة أحد لسبب بسيط وهو طمع بعضهم بفتات الدنيا ومخالفتهم لأمر الرسول الكريم بعدم ترك مواقعهم في الجبل فكيف بالله عليك يتحقق وعد الله لرسوله وللمؤمنين في الآية المشار لها حين إرتدت اقوام كثيرة عن الاسلام وبينهم من يدعي النبوة. كيف يتحقق نصر الله على ايدي أثنين من المغتصبين الذين إرتدوا أيضا، كما تقول الرواية، عن أمر الله ووصية رسوله وكفروا بالتنزيل، فوالله الذي لا إله إلا هو لايجتمع الحق مع الباطل ولا يجتمع نصر الله مع العصيان والكفر والنفاق وهو على رأس الامر. إننا لو تأملنا في التخطيط والمواقف وسير المعارك التي جرت في قتال المرتدين, والاعداد الكبيرة من خيار الصحابة الذين قتلوا في سبيل الله، وكذلك البطولة التي ألهمها الله سبحانه للبراء بن مالك حين قال لاخوانه ألقوني من السور ليفتح باب الحصن الذي دخل فيه الكذاب مسيلمة وأعوانه لأدركنا وصف القوم الذين جاء بهم الله في وعده “يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ”. فكيف لهؤلاء ان يكونوا مرتدين يقاتلون مرتدين ويحبهم الله وينصرهم سبحانه. والله إنه التناقض والتشكيك في وعد الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين، فأيهم أصوب أن نشك بأنفسنا وما نقول وما نقل الينا أم بخالقنا الذي وهبنا العقول!!!
صحيح أننا أتفقنا على إستثناء الرويات التاريخية ولكن دعنا ننظر في بعض الوقائع التي لا أختلاف عليها، فقد نقل عن الرسول الكريم أنه بلغ وعد الله سبحانه وتعالى لسراقة بسواري كسرى وكذلك بلغ المؤمنين بوعد الله في معركة الخندق عندما كسر باسم الله الصخرة التي عصت على المؤمنين. كسرها الرسول الكريم بثلاث ضربات وقال لهم في الأولى أعطيت مفاتيح الشام وفي الثانية أعطيت مفاتيح فارس وفي الثالثة أعطيت مفاتيح اليمن ولم يحدد متى سيحصل وكيف يتحقق ذلك. إن وعد الله لرسوله والذي بلغه النبي للمؤمنين في امتلاك مفاتيح الشام وفارس واليمن تحقق في زمن الخليفتين الاول والثاني. والآن كيف للانسان العاقل أن يتصور أن وعد الرسول عن ربه للمؤمنين يتحقق في خلافة المرتدين ولتهزم على أيديهم أكبر إمبراطوريتين! وليأتي الخليفة الثاني بالسوارين ليعطيها لسراقة لتكون شاهدا تأريخيا وبرهانا إلهيا لتحقق وعد الله ورسوله. إننا لو تأملنا في أعداد المسلمين وعدتهم مقابل أعداد الكفار وعدتهم في أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان لما اختلف اثنان في ترجيح كفة الاعداء ولكنه نصر الله المبين الذي وعده لرسوله ولعباده المؤمنين.
وبناء على البراهين الآلهية في تحقق وعد الله ورسوله والشواهد التاريخية في حب الله ورضاه ونصره للقوم الذين خلفوا الرسول الكريم، فليس هناك شك في أن الرواية الثانية هي الصحيحة وأن ما حصل في السقيفة لم يكن مدبرا وحصل عفويا بدون تخطيط لان من ابتدأه هم الانصار وعندما وصل الخبر الى المهاجرين أسرعوا لتسوية الأمر ولما ذكروهم بفضل المهاجرين تراجع الانصار وقالوا إذن منكم أمير ومنا أمير وخلصوا بعدها لمبايعة الصديق لمنزلته من الرسول ولكبر سنه فوق سن الحكمة الاربعين ووسط هذا المخاض أنساهم الشيطان ذكر علي كرم الله وجهه ليدعوه ويشاركهم في الأمر. ورغم ذلك فقد تصالح المؤمنون بعدها وسارت الأمور بشكل أرضى الله سبحانه بدليل تحقق وعده لنبيه وللمؤمنين.
ب- الولاية وما حصل في الغدير:
هناك فريق يقول أن الولي تعني الخليفة وولي الأمر وهي ما أوصى به الرسول الكريم عليا في الغدير أما الفريق الآخر فيقول أن الولي معناها الحليف والمحب وغيرها مما تترتب عليه النصرة والمودة والحميمية. ولنبدء أولا بتدبر الآية التي ورد فيها كلمة الولي وجمعها الأولياء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ{52} وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ{53} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54} إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} المائدة
سبحان الله فقد وردت آية الولي مباشرة بعد وعد الله في المرتدين! والآن إن قال أحدهم أن كلمة “وليكم” تعني “خليفتكم” وأن الآية نزلت في علي عليه السلام لانه هو من خلع خاتمه وتصدق به وهو راكع فإن الآخر سيقول نعم إن الله وليي والرسول وليي وعلي وليي وجميع المؤمنيين أوليائي أودهم وأحبهم وأسر لهم وأحب من يحبهم وابغض من يبغضهم ولا أوالي غيرهم ولكن ليس لديك دليل قاطع بأن الولي تعني الخليفة وإنما لها معاني كثيرة وفق ورودها في المقال، وهنا وردت لوحدها دون إضافة ولم تأتي مثلا كـ “ولي أمركم” وبهذا فهي تعني الحليف والمعين والآية نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول كأمر من الله سبحانه بعدم مولاتم للكفار من اليهود والنصارى وإنما على الجميع مولاة الله ورسوله وجميع المؤمنين وهذا هو ما تتحدث عنه الآيات بمجموعها: ابتدءت بعدم موالاة الكفار ثم سبب مسارعة بعضهم في موالاتهم ثم وعد الله بشأن من يرتد بتركة الاسلام وذهابه للكافرين ثم جواب لمن يكون الولاء ومن هم الأولياء. وللخروج من هذا الجدال لابد من النظر في جميع الآيات الاخرى التي ورد فيها ذكر الولي والأولياء عسى أن نصل الى الصواب.
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت34
{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} النساء123
{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} آل عمران28
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } الأنفال72
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} التوبة23
{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ }الشورى46
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } الممتحنة1
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة71
أن المتدبر في المعنى الظاهر لكلمة “الولي” وجمعها “أولياء” والتي وردت في الآيات أعلاه يرى أنها ترادفت مع النصرة والحميمية والمودة ويجد معنى يؤكد على التحالف واللجوء الى قوم دون قوم. وتحث الآيات المؤمنين على مناصرة ومحبة ومودة بعضهم البعض وعدم مولاة الكافرين دون الله والمؤمنين حتى لو كانوا آبائهم أو اخوانهم. وبهذا المعنى الواسع لمعنى الولي والأولياء فإنك لاتجد دليل صريحا قاطعا في المقام الذي وردت فيه على انها تعني ولي الأمر.
ولنرى الآن ما يترتب على الرواية التي تستند على معنى “الخليفة”. إن هذا المعنى يترتب عليه أمور كثيرة أولها كفر الصحابة بالتنزبل (وحاشاهم) لانهم لم يعملوا بما أمرهم الله سبحانه وأغتصبوا الخلافة من علي وهذا يتناقض مع محبة الله لهم ونصره كما تبين سابقا. إن الله عز وجل وعد بالخزي في الدنيا للذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض: {…أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} البقرة85
فبدل أن يحبهم الله سبحانه وتعالى وينصرهم على المرتدين وأكبر إمبراطورتين، فإنه سوف يخزيهم وهذا لا يستقيم مع البراهين الآلهية والشواهد التأريخية والتي تم ذكرها. أما القول انهم منافقون وتعامل معهم علي لحق دماء المسلمين كما كان الرسول الكريم يتعامل مع المنافقين في زمانه فوالله لاتجتمع محبة الله ونصره مع النفاق وهو من يحكم المسلمين، كما ان ذلك يبعث على التناقض إذ كيف يحسبهم علي منافقين ولديه حجة عليهم بمخالفة التنزيل وأوامر الرسول الكريم في الغدير، وفق ذلك هم كفرة مرتدين وليسوا منافقين، كفروا كفرا بواحا بحجة دامغة وسكت عنهم فهو شيطان اخرس (حاشاه) سكت عن الحق وهذا لايستقيم.
كما أن تلك الرواية تفرض أمر أسوء بكثير من الذي ذكر وهو كفر علي عليه السلام وحاشاه من ذلك، فكيف يعرف أنه من أنزل فيه قرآن وفيه أمر له من الله بأن يكون هو الخليفة ويؤكد عليه الرسول الكريم بالغدير ولا ينفذ! اليس ذلك عدم طاعة لله ورسوله وكفر في التنزيل. لو كان الامر كذلك لكان إستشهاده، كما فعل ولده سيد شباب الجنة الحسين عليه السلام برفض الظلم وعدم الإستكانة للظالمين، أفضل له من سكوته، كيف يركن ويقبل بالظلم لا بل يرضى ويبايع وهو يعلم قول الله عز وجل في العاقبة:
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} هود113
فهل يجوز لنا ان نضع انفسنا مكان علي عليه السلام ونحكم ونقدر كيف كان يفهم الامور وهل ياترى كان فهمه للولي خطأ وفهمنا بأنها “الخليفة” هو الصحيح أم العكس، حاشاه وهو باب مدينة العلم كما وصفه الرسول عليه وآله الصلاة والسلام. ثم إذا كان الامر قد فات علي كرم الله وجهه في الأولى فلماذا تركه في الثانية عندما حضرت الصديق الوفاة؛ لقد قال لهم الصديق إختاروا من بينكم أحد واشيروا علي ولم يكن أحد منهم يريدها ومنهم علي كرم الله وجهه لثقل الامانة فردوها عليه وقالوا إختر انت لنا فأنت أخبر بالرجال وأختار لهم الفاروق ودار جدال على غلظتة ورغم ذلك وافقوا عليه وبايعه الجميع ولم يتأخر منهم أحد ومنهم علي، ونفس المبدء تم في الخلافة الثالثة فلماذا تفوته هذه المرة أيضا وقد مات من سلبوها، أو أنه في كل مرة رضي حفاظا على وحدة المسلمين مقابل ماذا؟ مقابل معصية الله ورسوله … أمر لا يستقيم!!! إننا بذلك نفكر مكانه ونسيء الظن به. بالتأكيد إن ترضيه على الصحابة ومبايعته لهم وتوليه أمر القضاء يدلل على قبوله بالفهم الآخر للولي والذي يبعث على الطمأنينة ليس لموقف الصحابة رضوان الله عليهم بل لموقفه هو كرم الله وجهه، أما العكس فيبعث في النفس القلق والشكوك والتناقض مع كل الشواهد الالهيه والتاريخية.
لذلك ترى ان معنى الولي بالخليفة يحمل على تناقضات كثيرة أهمها التناقض مع البراهين الإلهية التي اثبتت حب الله سبحانه وتعالى ونصره للقوم الذين خلفوا الرسول الكريم؛ القوم الذين قال فيهم الله عز وجل “يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ” والتناقض الثاني في الاهمية هو كيف نبرر نحن لعلي كرم الله وجهه مخالفته للتنزيل وعدم طاعته وتنفيذه لامر الله ورسوله والذي يتناقض مع ما قام به من القبول والمبايعة والمولاة للصحابة الكرام.
وبناء عليه فأن أصح ما قيل في فهم المقال من حديث الغدير هو المولاة لعلي عليه السلام أي بنفس معنى الآيات السابقة وهو المحالفة والنصرة والمودة والمحبة له كرم الله وجهه وعدم معاداته وأن ما حصل هو أن عليا عند عودته من اليمن ومعه وفد الغنائم وأموال الزكاة، أظهر بعضهم العداوة والبغضاء لاميرهم فقد كان ضمن تلك الغنائم جمال وسبية وخلال الرحلة رآى بعضهم عليا مغتسل في الصباح فأتهموه بأنه دخل بها وحازها لنفسه وطلبوا منه أن يعطيهم من الابل ليستعملوها في حاجتهم ولكنه رفض لانه لايملك منها شيء فهي لبيت مال المسلمين وبعدها سبقهم الى للحج بعرفات مع الرسول وقد تأخر وصل الوفد والتقوا مع الرسول الكريم في الغدير بعد إنتهاء الحج: والحديث “اللهم والي من والاه وعادي من عاداه” يشير الى تلك العداوة بشكل جلي وواضح، ولو كان ما حصل من إجتماع لامر الخلافة لاخذ المقال شكلا آخر واضح جلي فصيح كي لا يشك فيه قوم صنعتهم اللغه والبلاغة والفصاحة وما أيسر ذلك على الرسول الكريم فهو من مَن الله عليه بجوامع الكلم، فبدل استخدام إصطلاح المولاه لقال “خليفتكم من بعدي أو ولي أمركم من بعدي هو علي” قاطعة لاتقبل التأويل ولو كان قد جمع الناس لذلك البلاغ ويسكت عنه علي حاشاه من ذلك، فستكون حجة عليه قبل غيره ولكان قد كفر مرات ومرات؛ كفر في خلافة أبو بكر وفي خلافة عمر وفي خلافة عثمان وكفر في عدم ابلاغ ولده الحسن ليحفظ الامانة التي كلفوا بها. ولكان أهون عليه وعلى الحسن الاستشهاد على أن يركنوا ويستكينوا ويبايعوا ويصالحوا، وحاشاهم فقد فهموا الحق وعملوا به.
أن المسألة هي ليست للدفاع أو التعصب لأحد ولكن للدفاع عن ديننا دين الرحمة ورد الشبهات عنه وللتحري عن الحق والصدق فيما جرى ولمنع مايحصل اليوم من تكفير وقتل بما لم ينزل الله به من سلطان وبما لم يعمل به في ذلك الزمان فكم تمنينا لو أن عليا سمع كلام عمه العباس عندما دعاه للبيعة وسمع كلام أبوسفيان عندما قال له أجمع لك الخيل والرجال وياليته فعل ليثبت لنا تأويل التنزيل بالخلافة ويثبت لنا وصية الغدير، وياليته أقام الدنيا ولم يقعدها بعد وفاة ابو بكر وبعد وفاة عمر ولكن رضاه وبيعته لم تكن كما يقال لمنع إستغلال إبي سفيان للامر وللحفاظ على وحدة المسلمين، لا بل كانت لامر يحتمله التنزيل، ولا يؤدي الى غضب الله رب العالمين ولو كان ما فعل مخالف للتنزيل لطعن ليس فقط بالراشدين بل بالقاضي الذي كان يحكم بالدين: فالأولى أن يحكم على نفسه قبل أن يحكم على الآخرين. سبحان الله هي حكمته وفتنته ليبلوانا، هم فتنوا واصطلحوا لانهم فهموا التنزيل بالشكل الصحيح فهم أهل البلاغة والفصاحة وأهل العلم ومعلمهم رسول خلقه عظيم فكانوا على سيرته وفهموا أن الدين ليس سلطة نلهث ورائها ولكنه تكليف للتنافس في “أيكم احسن عملا” أما نحن فندعي أننا أبلغ منهم وأعلم فلا زلنا نتصارع على إثبات حق أفتراضي لم يثبته صاحبه ولم يكترث له.
ت- أهل البيت وآل الرسول:
إذا طبقنا نفس المبدأ بشأن معنى ” أَهْلَ الْبَيْتِ” الذي ورد في آية التطهير:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
فإننا سنرى أن الطرف الذي يحصر معناها في الخمسة (الرسول الكريم وعلي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله رضوانه عليهم) يطعن عليه الآخر في فهم آخر للآية وعدم وجود دليل قاطع وتعبير فصيح وصريح لا يقبل اللبس والتشكيك ولا يقبل التأويل الى معنا آخر وعليه يصعب الحكم بالتخصيص. وإذا نظرنا في الأدلة من الرويات فترى أن أحدهم يحتج بفهمه لحديث الكساء والثقلين في التخصيص ويرد عليه الآخر في فهم آخر للحديثين وهكذا لن تستطيع أن تجد مخرجا إلا بالعودة الى معنى الأهل في الآيات الآخرى من الكتاب المبين:
وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ {71} قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ{72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73} هود – المعنى الظاهر لاهل البيت في الآية واضح يخص إمرأة ابراهيم عليه السلام وتخص ابراهيم ايضا وزوجه وذريتهم التي ستكون ولهذا جاء الضمير أيضا “عَلَيْكُمْ” بالجمع.
{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } هود81- الوضوح جلي أن امرأة لوط من أهله لكنها استثنيت لكفرها
{وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يوسف25- وليس هناك أكثر وضوحا من قول امرأة العزيز بأنها أهل العزيز.
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ{45} قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} هود- تدل هذه الآية ان الأبناء هم من أهل البيت.
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } القصص29 – ليست بحاجة الى تعليق، فلم يكن مع موسى عليه السلام سوى زوجته والله أعلم.
إن المعنى الواضح للأهل في الآيات الكريمة، لا يدع مجال للشك في أن الزوجات هن ركن طبيعي من أهل البيت ولا إستثناء في معناها لأحد من الرسل أو من الناس وهذا المعنى لايدع مجال للتشكيك ويدلل على ترابط معنى آية التطهير التي ابتدأت بالحديث عن نساء النبي رضوان الله عليهم ثم وعد الله لهم ولجميع أهل البيت برفع الرجس والتطهير المشروط بالطاعة والعبادة الخالصة لله سبحانه. أما إستخدام ضمير الميم في “لِيُذْهِبَ عَنكُمُ”وليس نون النسوة فإنه دلالة أخرى على بديع إتقان الله سبحانه في كلمات القرآن لان أهل البيت تشمل الجميع: الرسول عليه وآله أفضل الصلاة والسلام وجميع أزواجه وذريته ومن شملهم الرسول بدعائه.
إن القبول بهذا المعنى لأهل البيت لا يؤدي الى التشكيك، والعياذ بالله، بقدرة الله سبحانه وتعالى على حفظ كتابه، كما يقول بعضهم إن الآية ليست في مكانها الصحيح ({قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }إبراهيم10). إن الانسان ليشك في نفسه مليون مرة وهو المخلوق الضعيف وفي ما تعلمه وورثة لأهون عليه من أن يشك في خالقه سبحانه الذي وهب له كل شيء وبيده مقاليد كل شيء والقادر على سلب كل شيء ({مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } الحج74)،
(أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{114} وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{115} وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{116} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{117} ) الأنعام،
وبناء على هذا المعنى سيكون حديث الكساء هو حرص من النبي الكريم في شمول خاصته من غير أزواجه وذريته بوعد الله بإرادة التطهير المشروطة بالطاعة والإستقامة والتقوى. وبناء على ذلك يكون حديث الثقلين شامل لجميع أهل البيت والذين هم أزواج النبي وذريته ومن دعا لهم في الكساء ومن شملهم أيضا مثل سلمان الفارسي في معركة الخندق. ويكون أحسن ما قيل في معنى التمسك بأهل البيت في حديث الثقلين هو الإتباع والمحبة والمودة والطاعة لهم فيما يرضي الله وهذا ما يتفق مع قول الله عز وجل:
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23
وخير دليل على التمسك الصحيح بأهل البيت هو تمسك أهل البيت بأهل البيت من خلال الصورة المشرقة والمشرفة التي رسمها ولينا علي عليه السلام مع أم المؤمنين عائشة وكذلك مودة وحب الفاروق لعلي حيث كان يردد دائما “لولا علي لهلك عمر” وهي حجة لعمر في التعبير عن ولائه ومحبته ومودته وتقديره ومعزته لأهل بيت الرسول، أما الخلاف الذي نشأ على الميراث فأنه يدلل على أن المحبة والمودة والطاعة لهم لا تكون إلا في ما يرضي الله ورسوله ولم يكن لاسباب شخصية أو مصلحة وإنما هو إجتهاد في تطبيق الحديث الذي سمعوه عن نبي الهدى. أما المشهد البغيظ لعدم التمسك في آل البيت فهو العداوة والكراهية وعدم الطاعة لخليفة المسلمين علي عليه السلام والتي أدت لمقتله والعداوة للحسين وأهل بيته ورفض حكم الله والعدل الذي نادى به حتى وصل بهم الحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، الى الفتك به وعدم الرأفة بأهل بيته وكأن الرسول الكريم كان يبلغ عن ربه ما سيحل بأهل بيته ويوصي المسلمين بهم خيرا ورغم ذلك فقد فعلوا ما فعلوا أخزى الله كل من بايعه وخذله وكل من سعى لقتله.
أما عن ذهاب الرجس والتطهير الذي ورد في الآية فيحتمل أيضا معاني كثيرة ولا يوجد أي دليل قاطع على أنه يعني “العصمة” فلو كان كذلك لكانت نساء النبي أولى بالعصمة كونهن من أوائل من ذكر من أهل البيت بعد الرسول الكريم وكذلك لكان كل المؤمنين معصومين وفق الآيات التي ورد فيها التطهير {…وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } الأنفال11
أما آل النبي الكريم فتحتمل أيضا أكثر من معنى. فقيل إن آل محمد إنما هم أهل البيت وقيل انهم كل من حرم الصدقة من آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس (وكانت تلك حجة العباسيين في دعوتهم بالخلافة). وذهب بعضهم أيضا الى أن آل النبي هم كل من آمن به وتبعه وهي شاملة لجميع المؤمنين من أهله وصحبه ومن تبعهم وأخلصوا دينهم الى يوم الدين. ولو تدبرنا بعض الآيات التي ورد فيها كلمة الآل لوجدنا ذلك المعنى:
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} آل عمران11- هل يمكن ان نحصر الكذب بآيات الله فقط بأهل فرعون أو آل بيته (أقاربه) أم جميع من تبع فرعون وأمن به هو من المكذبين،
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف130 – فهل يعقل أن يأخذ الله سبحانه وتعالى أهل فرعون فقط بل بالتأكيد كل من كفر بالله وتبع فرعون وكانوا جيشا عظيما أغرقهم الله سبحانه أجمعين
والمعنى الشامل للآل حسن لاننا بصلاتنا على الرسول الكريم وقولنا صلى الله وعليه وآله وسلم سوف ندعو الله بالرحمة لانفسنا أيضا وجميع من سبقنا بالايمان وليس في ذلك تناقض فرحمة الله وسعت كل شيء وهو يصلي وملائكته علينا:
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }الأحزاب43
ما أرى أن أعداء الدين استطاعوا تهويل الحوادث التي كانت بين المؤمنين والتأليف عليها واستغلالها للطعن في الدين ولزرع الشكوك والفتن بين المسلمين، شككونا في الله رب العالمين وفي قدرته على حفظ كتابه الكريم بمقولة التحريف من قبل المرتدين، وأبعدونا عن تدبر القرآن الكريم بدعوى انه لايمكن فهمه وتدبره إلا من أناس مخولين من الأئمة الطاهرين، وبرروا الفهم للاحداث من خلال تصريف وتطويع معاني الآيات لتثبت ما أختلقوه من قصص واستغلوا عواطف الناس ونسبوا ذلك الى أهل البيت كي يدعموا ويديموا الفتنة وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبعد هذا كله ألم يحن الوقت لندقق في ماضينا كي نصلح حالنا، ألم يحن الوقت لنفكر كيف نرضي ربنا قبل أن نرضي أنفسنا، ألم يحن الوقت لنترك التنافس على الدنيا والمناصب والسلطة ونفكر ونعمل للآخرة:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}القصص83
ألم يحن الوقت لنلتقي على كلمة سواء لنفوت الفرصة على أعدائنا في تحقيق ما يحلمون به من تفتيتنا. إن أعدائنا قد استفادوا من خلافاتنا ويعملون ليل نهار لادامة تفرقنا، يدعموا هذا الطرف وذاك الطرف ويوقدوا النار للحرب ويشعلوها بمخبارتهم وعملائهم واذا ضعف احدهم دعموه ليديموا الصراع ويحتوونا. أما آن الآوان لنتوحد وندعو للحق ونعمل لربنا كما نردد في توجهنا لكل صلاة ” {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الأنعام162″. إن الصراع الذي بيننا دفع الكثير للنفور من الدين بسبب أفعال المتعصبين منا وأن يرى طريق الغرب هو الصواب ويرى في العلمانية الحل الأمثل للصراع الديني والطائفي والاقوال والافعال التي ما انزل الله بها من سلطان.
اللهم أجعلنا ممن يحبونك بإتباع هديك وهدي نبيك وهدي آله وأعنا على العمل الصالح وجنبنا الجدال والنجوى فيما لا يرضيك. اللهم أجعل هذا العمل لمرضاتك وخالصا لوجهك فما كان منه من صواب فمن فضلك وما ورد فيه من خطأ فهو مني ومن الشيطان.