23 ديسمبر، 2024 6:26 ص

دعوة لعتق العقل من أسر الدين 1/2

دعوة لعتق العقل من أسر الدين 1/2

مقالة نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
العقل هو الطاقة الخلاقة المبدعة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، أو أودعته الطبيعة حسب اللاإلهيين، ليتمثل خالقية وإبداع الخالق المبدع تقدست محامده.

والتفكير هو أرقى أنواع النشاط الإنساني، لأنه عروج إلى آفاق المعرفة، واكتشاف متجدد للمعارف، لتكون كل معرفة كاشفة عن معرفة أخرى، وليركّب الإنسان بعقله، أداةِ إبداعه، من المعارف منظومة معرفية تتحرك أبدا باتجاهين؛ بالاتجاه الأفقي سعة، وبالاتجاه العمودي عمقا، مُستفَزّا أبدا من نداء الحقيقة المنطلقة من لدن نفس العقل الإنساني: أن يا أيها الإنسان مهما بلغت سعة وعمقا في معارفك، فإنك ما أوتيت من المعرفة إلا قليلا، وهنا أتفق مع القرآن في قوله: «وَما أوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا»، لتكون هذه الصرخة الاستفزازية باعثة أبدا إلى شوق متجدد متنام نحو معرفة جديدة، وتأكيدا لنسبية المعارف الإنسانية، فهي تبقى مهما بلغت قليلة نسبة إلى المطلق.

وواحد من أرقى الأنشطة المعرفية للعقل الإنساني كان ذلك البحث عما وراء المحسوس، محاولا أن يخرق حجب المحسوسات إلى عالم الغيب الكامن وراءها، ليستجلي الحقيقة المطلقة والمعرفة الكاملة، المتمثلة في العلة الأولى للوجود، لخالق الإنسان والعقل والمعرفة. ومن هناك جاءت الدعوات إلى الارتباط بذلك المطلق، كي لا يتحول عالم المحسوسات إلى ثمة أغلال تحول دون حركة العقل باتجاه الاكتشاف المتجدد والمتنامي والعارج إلى آفاق الحقيقة الكاملة، دون الإغفال عن حقيقة أن عالم المحسوسات نفسه عالم يبعث على قلق البحث استزادة من ينبوع العلم الذي لا ينضب، بل بالإقرار بأن معظم معارف الإنسان هي تلك التي استمدها من التجربة، والتي هي الأخرى لا تستغني عن معارف أولية عقلية ضرورية، سواء كانت بديهية أو نظرية.

لكن الذي حصل أن كثيرا من الدعاة إلى استكشاف عالم الغيب والارتباط به قد خلط بين الغيب العقلي والغيب الخرافي، واستغرق في الغيبيات الوهمية والخرافية المُهَلوَسة، ومن جراء ذلك نشأت وتشكلت الأديان داعية إلى الله من وجه، وصادّة عن سبيله من وجه الآخر، ذلك عندما استحالت فيها المعرفة خرافة، والإيمان دجلا، والدين سجنا سُجن فيه العقل طاقة الإبداع الإنساني، فحال ذلك دون عروجه عروجا وكدحا تكامليا باتجاه المبدع المطلق. وصيغت منظومة من مقولات دينية، نشأ عنها مركَّب لخرافات وشرائع وطقوس ووثنيات، امتزجت بها بعض حقائق الجمال والكمال الإلهيين، لتضفي على منظومة الخرافات والوثنيات والعصبيات تلك بعض مساحيق جمال الحقيقة التي جعلت المتدينين يظنونها حقيقة، وما كانت إلا قشر الحقيقة التي لم يدركوا جمال جوهرها وحقيقة كنهها. وهكذا تحوّل الدين إلى إله يُعبَد من دون الله، وإلى وثن يُسجَد له العقل، فتُهان طاقة الإبداع أعظم نعم الله على الإنسان. ولا تتوقف القضية عند تخريف العقل، بل تتعداها إلى إفساد الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، وإلى تعكير صفو الروح التي نفخها بارئها فيه من روحه سبحان وتعالى، فكان أمامنا إنسان جهول قد خُرِّف عقله، وظلوم قد أُفسِدَت فطرته، فأفسد بدوره إما جهلا وإما ظلما باسم الدين، وبالتالي باسم الله افتراءً عليه؛ أفسد في الأرض التي استُخلِف عليها، وعلى ما فيها، وما حولها من الآفاق، بدل إصلاحها كخليفة لله مؤتمَن عليها، وسفك الدماء، وملأ الحياة ظلما وجورا، وتعسفا وقمعا، وكراهة وعداوات، كلما اختلف مع الآخر المغاير صرّح أن قد بدت البغضاء والعداوة بيننا وبينكم إلى يوم القيامة، كل ذلك الذي جعل الدين أداة أساسية له.