تقدر منظمة الصحة العالمية تعرض ما يصل إلى مليار طفل، العام الماضي، للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي.
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان العمرية، وفيها يكتسب الطفل المهارات والأساسيات الضرورية لإكمال حياته بشكل طبيعي وليستطيع تحقيق أهداف يرسمها في مراحل حياته اللاحقة، ولذلك لا بد أن تكون هذه المرحلة مرحلة سعيدة، ويجب أن يحصل الطفل على كامل حقوقه، ولكن في كثير من الأحيان يتعرض الطفل لإنتهاك كثير من حقوقه، وفي رأينا أن أهم مظاهر هذه الانتهاكات هو العنف ضد الأطفال في مدارس العراق، والإبتدائية منها على وجه الخصوص كون هذه المرحلة هي أهم مرحلة على الإطلاق في تكوين نفسية الطفل خارج إطار منزله والتي ستؤثر مستقبلا على تكوينه كرجل له مسؤوليات ومهام في الحياة.
كشفت منظمة الصحة العالمية مؤخراً النقاب عن خطة طموحة لوضع حد للعنف ضد الأطفال، قائلة إن هناك حاجة إلى نهج عالمي جديد لأن العنف يؤثر على نحو مليار طفل سنويا، حيث تتكون هذه الخطة من سبع إستراتيجيات مترابطة، تقول المنظمة إنها قد أظهرت جميعها نتائج ملموسة أينما طبقت. وبالرغم من أن القانون الدولي يضمن بالفعل حماية الأطفال من العنف، بالإضافة إلى إتفاقيات حقوق الطفل، إلاّ أن دراسة حديثة، إستشهدت بها المنظمة، قدرت أن ما يصل إلى مليار طفل قد تعرضوا للعنف العام الماضي، ومنها العنف الجسدي والجنسي والنفسي؛ أي طفل من كل إثنين عالمياً.
وفي العراق، هناك إنتهاكات كبيرة يتعرض لها الطفل العراقي بدءاً من الأسرة، إلى المدرسة، ثم إلى فقدانه أبسط حقوقه في حياة كريمة وتعليم يرتقي به.
ينص الدستور العراقي على ان “الدولة تكفل للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم”، لكن من كتب الدستور هو ذاته الذي يسيطر ويتواجد في مفاصل السلطة التشريعية التي لم تقر حتى الآن قانوناً يحمي الطفل العراقي من سلب حقوقه وإستغلاله والحد من العنف ضده، حتى وصل الحال ليكون جزءاً من الأعمال الإرهابية.
وللأسف، رغم إنضمام العراق لإتفاقية حقوق الطفل، والقوانين والاعلانات الدولية التي تنص جميعها على ضرورة أن تكون للطفل بيئة مناسبة للعيش والتعليم، فإن مشروع قانون الطفل العراقي ما زال مركوناً في رفوف مجلس النواب الذي يفتقد أعضاءه إلى ثقافة حماية الطفل.
في زمن يتربص العنف بمعظم معالم الحياة ووجوهها ليتحول فعله بحد ذاته إلى أمر طبيعي، فإما أن ينتقل هذا الفعل ليمارَس بحق أطفال في البيوت والشوارع أو ليصل إلى صروح تعليمية مؤتمنة على تنمية شخصية التلميذ النفسية والفكرية حيث يكرّس كمفهوم تربوي، فهذا أمر خارج عن القوانين والأعراف.
العنف ضد الأطفال في المدارس
إن المدارس لها دور كبير وهام في حماية الطفل من العنف، لكن كثير من البيئات التعليمية كالمدارس تعرض الأطفال للعنف كممارسة العقاب الفردي أو الجماعي مثل الضرب والشتم اللفظي وغيرها من أشكال العقاب التي تلحق الأذى بالطفل جسدياً ونفسياً وسلوكياً وإجتماعياً، ورغم أن 102 من الدول، ومن ضمنها العراق، قد وقعت على إتفاقية دولية تحظر العنف ضد الأطفال في المدارس، إلا أن الكثير من مدارس العراق لا تلتزم بالقوانين التي ترعى الطفل وتسعى إلى حمايته من العنف للنمو في بيئة سليمة، وكثيراً ما يعود العنف للتمييز المرتبط بالبيئة الخاصة بالطفل كعائلة فقيرة أو مهمشة، أو يعود لخصائص شخصية مثل الإعاقة الجسدية أو الذهنية.
لا يبدو الحديث عن مثل هذه المسائل غريباً في زمن المناهج الحديثة التي حملت التلميذ من موقع المتلقي إلى المشارك في العملية التعليمية، ولكنه ربما ليس بالغريب في مدارس العراق حيث لا زال التعليم يعتمد على التلقين، والتلقين فقط، إلا أن الواقع الذي تسجله الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الأطفال يكشف عن إرتفاع في نسبة العنف الذي ما زالت الكثير المدارس تعتمده وسيلة للتأديب من الجسدي إلى اللفظي أو المعنوي، في ظل غياب الوعي التام للكثير من الأهل الذين يعتبرون أن ما يقوم به المعلم هو حق من حقوقه كونه الأعلم بمصلحة التلميذ وصلاحه.
رغم عدم التركيز عليها من قبل وزارة التربية في العراق، إلا أن العنف في المدارس يعيق قابلية المدرسة لتحقيق أهدافها وغاياتها، ألا وهي تربية الأطفال وتأهيلهم لتنمية قدراتهم وتطوير إمكانياتهم في بيئة سليمة آمنة.
وربما يسأل سائل عن ماهية أشكال العنف المدرسي الممارس من المعلم على التلميذ؟ وما هي الأسباب التي تؤدي بالأستاذ أو المعلمة إلى ممارسة العنف ضد التلاميذ؟
هناك ثلاثة أنواع معروفة في مجتمعنا الشرقي بالنسبة لأشكال العنف الممارس ضد الأطفال في المدارس، وهي:
العنف الجسدي، كالضرب، الصفع، شد الشعر، الدفع، القرص؛
العنف النفسي أو المعنوي مثل الإهانة، الإذلال، السخرية من التلميذ أمام أقرانه، نعته بصفات مؤذية، إحتجازه في الصف، القساوة في التخاطب معه، إنتقاده باستمرار، التمييز بين طفل وآخر، البرودة العاطفية في التعاطي معه، عدم إحترامه، عدم تقدير جهوده؛
العنف الجنسي، ويتدرج من إستعمال كلمات ذات دلالة جنسية، إلى الملامسة الشاذة لبعض أجزاء أو أعضاء جسم التلميذ وصولاً إلى التحرش.
ولا تقتصر مظاهر العنف المدرسي على ما سبق ذكره فقط، بل إنها تشمل حتى ظاهرة الأبنية غير الملائمة والملاعب والصفوف التي لا تتمتع بالمواصفات المناسبة، وطريقة إجراء الإمتحانات، والوسائل التعليمية، والخدمات المدرسية، ووزن الحقيبة المدرسية، كأفضل أمثلة على ذلك.
أما عن الأسباب التي تدفع بالمعلم إلى ممارسة العنف فهي بالتأكيد ترجع إلى عدم معرفته بقواعد النمو السليم وبحاجات التلاميذ وإمكاناتهم، أو وجود إدراك خاطئ لديه عن قدرات طلابه وإمكاناتهم ما يجعله يفسر معارضتهم لأوامره على أنها إشارة نبذ، يردّ عليها بالعدوان. يضاف إلى ذلك وجود الإحباط في سيرة المعلم أو تعرّضه في طفولته إلى شكل من أشكال العنف أو إلى مشاهدة العنف في أجوائه الأسرية.
القانون والعنف ضد الأطفال في المدارس
يتخذ العنف ضد الأطفال وفقاً للقانون أشكالاً مختلفة تؤدي جميعها إلى الإساءة للطفل والأذى الدائم ما يلحق به الضرر الجسدي، والمادي، والعاطفي، والنفسي والمعنوي. وتحث الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل في المادة 19 منها الدول الأطراف على إتخاذ “جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من أشكال العنف والضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية”.
الجدير بالذكر هنا هو عدم وجود نصوص قانونية في العراق تردع بشكل صريح ظاهرة العنف ضد التلاميذ في المدارس والنصوص الموجودة في قانون العقوبات هي قوانين رادعة للأذى الذي يلحقه أي شخص بآخر من دون أية إشارة إلى العنف على الأطفال بما فيه العنف المدرسي.
ولهذا نرى أن أبرز الإجراءات التي يجب إتخاذها لحماية الطفل من العنف المدرسي هي:
إعداد مسح شامل لظاهرة العنف المدرسي لتحديد حجمه.
صياغة فلسفة تربوية جديدة تلغي العقاب المدرسي الجسدي.
التعرف على الحاجات النفسية والإجتماعية الأساسية للطلاب وإشباعها بالأساليب والبرامج التربوية المناسبة.
تأهيل المعلمين وتفعيل تدريبهم.
الإهتمام بالأنشطة اللاصفية وإشراك الطالب في إعدادها وتنفيذها.
إلغاء قوانين واستحداث أخرى جديدة رادعة للعنف المدرسي.
تشديد الدولة على آلية تنفيذ هذه القوانين.
إنشاء محاكم مختصة في قضايا الأطفال.
إنشاء هيئة وطنية للشكاوى وخط ساخن لمكافحة العنف على الأطفال.
مراقبة الدولة لتطبيق إتفاقية حقوق الطفل ومراقبة آلية تنفيذها.
إلزام وزارة التربية أن تلحق بالمدارس إختصاصيين إجتماعيين مؤهلين لتقصي العنف ومختلف المشاكل التي يتعرّض لها التلاميذ والمشاركة بإيجاد حلول لها.
وسائل الحد من العنف ضد الأطفال في المدارس
البحث على السبب الحقيقي وراء عنف الطفل الذي يمارس العنف أو المعنّف ومحاولة الوصول إلى السبب ومعالجته.
تفعيل دور المرشد الاجتماعي في المدارس للحد من ممارسات العنف.
تفعيل القوانين التي تعمل على حماية الطفل ضمن إتفاقيات حقوق الإنسان والطفل الدولية.
مراقبة تلك الممارسات والعمل على المسألة القانونية لأي عملية عنف ضد الطفل.
تفعيل دور الأهل بأهمية الإهتمام بالطفل وتوفير بيئة سليمة له وتنشئته دون أي فعل يضر بسلوكياته أو نفسيته.
العمل على زيادة الوعي نحو تنشئة الطفل في بيئة سليمة وطريقة الحفاظ عليه من أي معلومة أو وسيلة إعلام أو رسوم متحرّكة ترسخ العنف في ذهن الطفل.
توعية الطفل على ضرورة معرفة حقوقه ومعرفة أعضائه الجنسية وكيفية حماية نفسه من الإستغلال.
وختاماً فإنه من الضروري جداً تفعيل دور المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والمعلمين والمعلمات في التعريف بمخاطر العنف ضد الأطفال، وتوجيه الآباء لأساليب التربية الصحيحة، من خلال برامج توعوية، بالإستعانة بالمختصين في مجالات التربيـة وطـب الأطفال والطب النفسي، لحماية المستقبل الذي يشكل الأطفال دعامته الرئيسية.