12 أبريل، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

دعوة الى اعادة كتابة القران الكريم من جديد

Facebook
Twitter
LinkedIn

الانتشار السريع لوباء فايروس كورونا فرض الكثير من الاجراءات الصحية والاقتصادية والامنية الجديدة التي لم تألفها البشرية من قبل، وكذلك جرى العديد من التحولات الاجتماعية والشحصية على نطاق الافراد والمجتمعات وعلى نطاق الشعوب والأمم والدول، وكذلك أحدث الكثير من التغييرات على الطقوس والشعائر والممارسات الدينية على نطاق الافراد والجماعات، وفي كافة الاديان التي يدين بها سكان العالم بمجموعاته المتدينة وغير المتدينة وبمجموعاته التي لها دين سماوي او غير سماوي والتي ليس لها دين.
والديانتان الاسلامية والمسيحية من أكثر الأديان التي تعرضت الى حالة غير مألوفة تاريخيا وايمانيا وهي وقف ممارسة الشعائر الجماعية في المساجد والكنائس، وكذلك وقف اداء الصلاة بالصفوف المتراصة، اضافة الى وقف الشعائر الدينية في الاماكن المقدسة الاسلامية في مكة الشريفة والمدينة المنورة، وفي الاماكن المقدسة المسيحية في بيت اللحم والفاتيكان وغيرها.
ولا شك فإن ضرورات حياتية وقفت وراء التحولات والتغييرات التي حصلت في شعائر وممارسات المؤمنين بالديانات السماوية وغير السماوية، واهم ضرورة كانت حماية الانسان او المؤمن من الاصابة بالوباء الفتاك لفايروس كورونا التي احدثت اصابات بالملايين في اغلب دول وقارات العالم.
والسعودية حملت ريادة القيادة في حماية الأماكن المقدسة لدى المسلمين من مرض الكورونا، وذلك من خلال الاجراءات الصحية والامنية الحمائية التي اتخذتها لابعاد مكة الشريفة والمدينة المنورة وتجمعات المسلمين من آثار المرض الفتاك المنتشر في أرجاء العالم، وكذلك الفاتيكان كانت سباقة بتوجيهاتها وتعاليمها في حماية المسيحيين في ارجاء الدنيا.
ومن اهم التغييرات التي حصلت من خلال الكورونا في المحور الايماني الاسلامي، هي ابعاد الصلاة عن الصفوف المتراصة المألوفة شرعيا وفقهيا، ولكن لضرورات حياتية ابيحت اداء الصلاة من قبل المصلين بعيدا عن بعض، رغم انها مخالف للنصوص، وكذلك منعت الصلاة الجماعية في المساجد، ومنعت ايضا اقامة صلاة الجمعة وصلاة العيد، وذلك تجنبا لمنع نقل العدوى والاصابة بوباء كورونا بين المصلين وحمايتهم، وهذا الأمر ايضا مخالفة كبيرة للنصوص الشرعية، ولكن لضروراتها الحياتية ابيحت وحسب لها الف حساب.
المهم في الأمر، ان مساحة من المرونة الفقهية والسماح الشرعي برزت وفرضت نفسها في واقعنا الاسلامي الراهن، وهي تحدث لأول مرة في التاريخ منذ خلافة الراشدين، وهذه المرونة سمحت باحداث تغييرات نوعية في اداء الشعائر والممارسات، وحتى في العبادات، وذلك فقط من أجل حماية الانسان، والقاعدة الذهبية القرانية ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، تبرر من باب المنطق والعقل ما جرى من تغييرات وتحولات، ولو انها نادرة ولم تحصل إلا في واقعنا المعاصر، ولكنها بادرة مشجعة جدا لاعادة النظر في النصوص الاسلامية، وفي العبادات والممارسات، وذلك وفقا لغايات ورؤى حديثة تخدم الاسلام والمسلمين في عالمنا المعاصر، وتخدم الانسان والانسانية التي يسعى كل الأديان من أجل تحقيقها.
وكبادرة أولية، ونتيجة للتغييرات التي حدثت والتي لاحقت الوقائع التي افرزتها وباء كورونا عالميا واقليميا ومحليا في مجال الاديان وعلى صعيد المؤمنين بها، وخاصة في الشعائر والطقوس والعبادات الاسلامية، فاننا ندعو كافة المراجع الاسلامية الى اعادة النظر في الاصول الشرعية والفقهية التي تخص الاسلام، وذلك وفقا للمرونات والتغييرات التي حصلت في العبادات بسبب الكورونا، وذلك بالاستنادا الى رؤية معاصرة تخدم المسلمين كافة وتنفع الانسانية كلها.
واولى المسائل التي ندعو لها هي اعادة النظر في كتابة القران الكريم، لان الرسم العثماني المكتوب به لا يصلح لأمة الاسلام في عالم واقعنا المعاصر، وخاصة للمسلمين من غير العرب، بسبب الاحراج الملحوظ في لفظ الكلمات المرسومة بشكلها الخاطيء عن الرسم الاملائي الصحيح، ورغم دفاع اهل االسنة والجماعة على قدسية الرسم العثماني في المصحف الشريف، الا ان السند لهذه القدسية غير منطقي ولا عقلاني، لأن لا يعقل فرض قدسية إلهية على شيء من صنع البشر، والكتابة صناعة بشرية، ثم ان كتابة وجمع ايات المصحف لم تحصل في عهد النبي (ص)، وانما وقعت بسنوات بعد وفاة الرسول، حيث جمع في عهد ابوبكر وتمت كتابة المصحف في عهد عثمان بن عفان للاعتماد عليه كمصحف واحد من قبل جميع المسلمين، فتم نسخه وتوزيعه على الولايات الاسلامية، ولكن رسم الكتابة المعروف بالعثماني احتوى على فروقات واخطاء كثيرة في لفظ وقراءة كلمات الآيات، وظل الرسم على حاله الى يومنا هذا بجميع اخطائه وعيوبه، رغم التحولات والتطورات النوعية التي حصلت للغة العربية في كتابتها وقرائتها ولفظها خلال الف واربعمائة سنة المنصرمة، ولكن رغم التطورات بقي الرسم العثماني للقران المليء بالاخطاء على شكله الأول.
وبصدد أخطاء الرسم العثماني يقول الكاتب السعودي أحمد هاشم في مقال له بعنوان “تصحيح القران” ان (الرسم الحالي والذي شمل العديد من الأخطاء الإملائية والإعرابية والنحوية قدرت بـ2500 خطأ، إنما كان من فعل الكُتَّاب، واللجنة التي تكونت لجمع كتاب الله).
ويضيف ان (تلك الأخطاء والتي شملت زيادة في أحرف بعض الكلمات، أو نقصانها، وتبديل حرف بآخر كما في الآيات الكريمة التالية: بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ «القلم –6»، فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًا وَزُورًا «الفرقان–4»، وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ «القصص–9»، حيث كتبت بأييكم وليس بأيكم، وحذفت واو الجماعة في جاؤا مع تغيير بنية الكلمة في الآية الثانية، وتم تدوين كلمة امرأت بدلًا من امرأة).
ويضيف (كما كتبت على سبيل الحصر كلمة «إبراهيم» بذات الرسم في 54 مرة إلا في سورة البقرة وبعدد 15 مرة بدون حرف الياء «إبراهم»، أما سماوات فكتبت هكذا مرة واحدة و189 أخرى بدون حرف الألف «سموات» وهو ما ينطبق على «الرحمن» و«قرآن» حيث كتبت 68 مرة «قرءان» ومرتين «قرءن» بدون حرف الألف)، وغيرها من الأخطاء الكثيرة المدونة.
والكاتب يأتي بالدليل الشرعي، ان كتاب النبي (ص) قد اخطأوا في كتابة آيات القران الكريم، مؤكدا (وهنا تعقب عائشة (رض) عندما سألت عن: قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ «طه–63»، بدلا من «إن هذين لساحران» وهي الأصح إعرابًا، فَقَالَتْ: هَذَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب).
ومن الأمثلة الاخرى على الاحتلافات الكتابية بين الرسم العثماني والاملائي، الأمثلة على الألف المحذوقة ملك مالك، الكتب الكتاب، ءاتن أتاني، العلمين العالمين. ومن الأمثلة على الياء المحذوفة إءلفهم إيلافهم، النبين النبيين، يحي يحيي. ومن الأمثلة على النون المحذوفة نجي ننجي. ومن الأمثلة على اللام المحذوفة أليل ألليل. وغيرها من الاحتلافات الكثيرة المسجلة على الكتابة العثمانية.
والخطأ الجسيم الكبير الجاري منذ 1441 سنة قراءة مكة ببكة في الاية الكريمة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)”آل عمران-96″، والخطأ الآخر الجسيم يوم عقيم في الآية الكريمة (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)”الحج-55″ فهو يوم عظيم، وقد حور الظاء الى القاف نتيجة خطأ النسخ والكتابة، ولم يتجرأ اي مرجع موثوق منذ 14 قرنا تقريبا للدعوة الى تصحيح بكة بمكة.
لهذا، ولكل هذه المبررات، ولغرض تقديم النصوص بشكها الصحيح البعيد عن الأخطاء والاشكالات والالتباسات والغموض، فان ضرورات علمية ومنطقية وعقلية وفقهية ولغوية تستدعي اعادة النظر في الرسم العثماني للقران الكريم، واعادة كتابته وفق الرسم الإملائي الصحيح، وذلك لتصحيح كل الاخطاء اللغوية الواردة في المصحف الشريف، وابعاده عن اي شبهة للخطأ.
ولاشك فان عاتق هذه المهمة تقع على المملكة السعودية بملكها وولي عهدها، خاصة وانهما يتبنيان خططا وبرامج عمل لتحديث المملكة من جميع اوجهها الاقتصادية والاجتماعية والثقافبة والسياحية الدينية، ولهذا نرى ان الظروف مؤاتية لتبني اعادة طبع القران المجيد برسم جديد بعيدا عن الاخطاء والمقاصد غير المفهومة للكمات التي كتبت بشكل خاطيء منذ اكثر من الفية واربعمائة سنة.
وكذلك يمكن لاقليم كردستان العراق تبني طبعة خاصة لايات القران الكريم خاصة بالمسلمين من غير العرب، وذلك لتجنب الاشكالات اللفظية التي يقعون فيها بسبب عدم الالمام باللغة العربية، ويمكن لرئيس الاقليم رعاية وتبني هذا المشروع لاهميته المعنوية والفكرية والدينية للعالم الاسلامي، وهذا الكتاب معد وجاهز من قبل العبد الفقير في حالة تبنيه لطبعه ونشره، وهو ملائم للمسلمين من غير العرب ومن غير الملمين باللغة العربية.
وبالختام، نؤكد ان الزمن قد حان للتعامل على اساس المنطق والعقل مع النصوص الدينية الاسلامية والمسيحية واليهودية، وحان الوقت للعقل الانساني ان يكون سيد الاحكام، وان يخرج من عالم الغيبيات ومن العوالم اللامنطقية واللاعقلية، وان يغربل من الاخطاء النصية والفكرية التي وقع فيه النصوص الدينية بفعل اخطاء بشرية وممارسات آدمية، وبسبب عدم تطور الكتابة قبل الف والفين سنة.
ونشهد ان وباء كورونا قد فتحت الباب على مصراعيها لتحولات وتغييرات جديدة في كل نطاق، حاصة في مجال الطقوس والشعائر والممارسات الدينية، حيث كانت من المستحيل ومن سابع المستجيلات القيام بها من قبل، لهذا ولكل هذه الأسباب حان للدين الاسلامي ان يدخل باب الحداثة، وخير سند شرعي ومنطقي وعقلاني الآية الكريمة “وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” البقرة44، والله من وراء القصد.

توضيح:
المقال نشر في “ايلاف” العام الماضي وسبب ضجة اعلامية في السعودية والخليج ومصر، وشهد اقبالا للقراءة بعشرات الالوف، ولكن بعد نشره بيومين تم سحبه بسبب الضغوط التي تعرضت لها هيئة تحرير الجريدة الالكترونية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب