تعالت في الأيام الأخيرة دعوات الانفتاح على داعش والتشديد على المصالحة مع العراقيين ممن انخرطوا في هذا التنظيم, وهذه التصريحات أطلقت من قبل قيادات ورموز سياسية ودينية, فمرجعية النجف وأثناء لقاءها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته في العراق نيكولاي ميلادينوف يوم الثلاثاء 3 /3 / 2015م, دعت للمصالحة وأكدت عليها, وسبقها في ذلك وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري, الذي دعا إلى الانفتاح على داعش, وبالأمس صرح السيد عمار الحكيم بضرورة المصالحة مع العراقيين ممن انخرط في تنظيم داعش والذين يشكلون نسبة 90 % من التنظيم حسب قوله.
وهنا نتساءل عن السبب والدافع الذي يقف خلف إطلاق هذه الدعوات, وما هي الغاية المرتجات منها ؟ هل هي لحقن الدماء العراقية ؟ أم إنها لأغراض سياسية بحته ؟ أم أن هذه الشخصيات والرموز اصطدمت بحقيقة قوة شراسة هذا التنظيم بحيث وجدت إن الخيار الوحيد هو المصالحة معه ؟!.
وأيضا نتساءل لماذا الآن صدرت هذه الدعوات وفي هذا الوقت ؟! لماذا لم يصرح بها سابقا عندما كانت الناس قد التزمت جانب التظاهرات والوقفات الاحتجاجية السلمية؟ لماذا لم تتخذ هكذا دعوات على محمل الجد في الأوقات التي كان العراق بأمس الحاجة إلى مثل هكذا دعوات ؟! لماذا لم نسمع بهكذا دعوات عندما كانت الحواضن لتنظيم داعش قليلة جدا ومحصورة جدا؟ لماذا لم تكن هناك دعوات مصالحة عندما لم يصل سفك الدماء والتهجير إلى ما هو عليه اليوم؟!.
لماذا من كان يدعو للمصالحة والحوار والنقاش وفي بداية الأزمة اتهم بالإرهاب وأصبح من المحكوم عليهم بالموت؟! كما جرى مع مرجعية السيد الصرخي الحسني في كربلاء بتاريخ 1/ 7 / 2014 م حيث قتل أصحابه وحرقت جثثهم وسحلت في الشوارع بعد التمثيل بها, واعتقل من اعتقل منهم وحكم بالمؤبد على العديد منهم ؟! لأنه دعا إلى الحوار والنقاش وتلبية المطالب المشروعة وإنصاف الناس وإعطاء كل ذي حق حقه ؟!.
لماذا صمت الأسماع, وعميت الأبصار, وأخرست الألسن, عن مبادرة السيد الصرخي الحسني التي أطلقها لحل الأزمة وطرح نفسه كواسطة من اجل إيقاف سف الدماء العراقية ؟! اين كان هؤلاء من هذه المبادرة والتي اقتبس منها …
{…نحن أيضا من هنا نقول نحن على استعداد أن نكون كوسطاء وبما يرضي الله سبحانه وتعالى على مصلحة الشعب بكل طوائفه, وكل توجهاته, وصيانة لأرواح أبنائنا من الشرطة, من الجيش, من الجهاز الأمني, من المتطوعين, من التشكيلات الشعبية, سواء كانوا في هذا الجانب أو في ذاك الجانب, ورحمة بأبنائنا ببناتنا بنسائنا بأمهاتنا بخالاتنا بأخواتنا بمن تسكن أو تعيش أو تتواجد بالعراء وتحت الضيم والقهر والذل, فندعو الجميع أن يتخذ ويكون عند المسؤولية الشرعية والأخلاقية ويحل هذه المشكلة بأسرع وقت, وأيضا ندعو الجانب الأخر, وأيضا نحن على استعداد أن نواصل الطرفين ونخص بالذكر يعني النصيحة موجه للحكومة فالحكومة أومن بيده القرار يعرف من حاول ركوب موجة التظاهرات التي حصلت في المناطق الغربية, من أراد أن يستغل هذه القضية, من كان يراقب هذه القضية, من كان ينتظر أن تكسر شوكة الجيش أو الشرطة ما قبل الانتخابات, قبيل الانتخابات, أثناء الانتخابات, ما بعد الانتخابات, لتستغل هذه القضية لجانب ولقضية انتخابية ولكسب أصوات ولخداع ناس, نحن نعلم يوجد من يراقب, يوجد من ينتظر سقوط أو انحدار أو انهيار في مكان ما للسلطة وللدولة وللأجهزة الأمنية, نعلم بوجود هذا لكن المفروض لا نلتفت لهذا وإنما قضية الدماء هي الأولى, حقن الدماء هو الأولى, علينا أن نمد يد والكلام يشمل انتهازيي ومستأكلي كل الطوائف, يشمل سياسيي كل الطوائف, ليس فقط طائفة دون طائفة أخرى, ومن هنا نقول على الدولة على السلطة أن تمد اليد لمن له التأثير وله القرار, وحسب ما نعتقد وحسب الاستقراء, نوجه الدعوة من هنا أيضا دعوة إلى سماحة الشيخ السعدي, سماحة الشيخ الرفاعي, سماحة الشيخ الضاري, إلى الأستاذ علي حاتم, إلى الأستاذ رافع الجميلي, ممن نسمع أسمائهم ونستقرء إن لهم الدور والفاعلية في إطفاء هذه الفتنة, إنها فتنة, لعن الله من أوقدها, ومن يجذر فيها ويؤسس فيها, ونقول لنتدارك هذا الأمر, وعلى الدولة أن تحتضن, وعلى المسؤول أن يحتضن الناس, أن يحتضن الشعب, يحتضن ما يسمى بالمعارضين, يحتضن ممن ساهم وشارك وكان طرفا في هذا القتال والاقتتال,وليتحاور معهم بالمباشر وليسمع منهم وليعطي لهم ما يستحقون كأبناء شعب ووطن وهم أصحاب مطالب أصلية حقيقية ومشروعة, كأبناء وطن واحد ومن حقهم أن يطالبوا بما يستحقون, حتى نفصل بين الناس وصاحب الحاجة الفعلي وبين الانتهازي وبين التكفيري بين العصابات بين المليشيات بين القوى الظلامية التي تحاول أن تستغل مثل هذه الأمور…}.
فأين كانت تلك الأصوات التي تدعو للمصالحة الآن عن مبادرة المرجع الصرخي الحسني ؟! لماذا أصبحت الآن الدعوة للمصالحة ضرورة ملحة ؟ بعدما سفكت الدماء وهجرت العوائل, وأصبح القتل والتمثيل بالجثث عادة وأمر طبيعي ومشهد مألوف ؟! فهل يعقل من سفك دمه واستبيح ماله وعرضه وانتهكت مقدساته أن يمد يد المصالحة بعد كل ما جرى عليه ؟! فهذه الدعوات وحسب تصوري هي دعوات وجدت لمجرد الظهور والمكسب الإعلامي فقط, لان من أطلقها على يقين بان الطرف الأخر لا يقبل بالمصالحة بعد كل ما جرى عليه, فإنهم لو كانوا يريدون المصالحة فعلا, لكانوا قد سعوا لتحقيقها منذ بداية الأزمة, وليس بعد أن تفاقم الأمر وتدخلت دول غربية وشرقية وإقليمية ومجاورة في الشأن العراقي, وتلاعبت بالعراقيين وزرعت الفتنة والطائفية والتقسيم بينهم.