أكد لي عدد كبير من ( المثقفين ) ضرورة معالجة ما ينجم عن المذهبية الطائفية من تشنجات في العلاقة مع الآخر، هذه التشنجات يرون أنها نتاج العصبية والكراهية والإقصاء ، مشددين على أهمية اتخاذ تدابير عاجلة لتلافي مثل هذه الأمراض المجتمعية التي تسكن نفوس كثيرين , وطالب هؤلاء المثقفون ، بتعرية الأفكار الطائفية لإنقاذ المجتمعات من التفكك داخلياً ، وانتقدوا مشعلي الفتنة الطائفية في الوقت الراهن في العراق ، مشيرين إلى أن أصحاب النفس الطائفي يفكرون خارج الواقع ، وينقلون خلافات تاريخية منقرضة وضارة إلى أرض الواقع ، وهم بذلك يشوهون التاريخ ، ويفسدون الحاضر، ويقتلون المستقبل ,
و إن وقودها الحقد والكبر والإقصاء وغيرها من القبائح ، ويجعل النفوس مشتعلة قابلة للانفجار في أية لحظة. وتجاهل المرض الذي يسري في النفوس وعدم الاعتراف به يعمق المشكلة ، والتأخر بالشروع في معالجته بطريقة شرعية واعية تصرّف غير حكيم , أن الطائفية لا يستخدمها إلا الانتهازيون من الساسة الفاشلين الذين يريدون تحقيق أهدافهم ومصالحهم ، التي سرعان ما تنعكس آثارها على من يوظفها ، بشكل بشع , لو نظرنا إلى المجتمعات الغربية ، وعلى وجه الخصوص المجتمع الأوروبي الكبير، لوجدنا أنه على رغم قلة نقاط الاتفاق التي يلتقون فيها ، وعمق الاختلافات ، سواء اللغوية أم الدينية والتاريخية وغيرها ، فإننا نجد عمق التمازج والتماسك الاجتماعي بينهم في مصالحهم ، والتلاحم العميق والاحترام الكبير والثقة الكبيرة بينهم ، وهذا يعبر عن قوة حضور القانون
« الذي قلبه العدل » في نفوسهم وعلى أرض الواقع ، وكذلك طريقة التربية التي يكتسبها أفراد المجتمع ، ما يلمح به البعض ممن يحسب نفسه على نطاق العمل السياسي وفي الساحة العراقية المكتظة بالفوضى وتشابك الآراء وغموض النتائج وتعقيد المحصلات لا يرقى إلى أحاديث أطفال يجلسون في إستراحة بين درسين !
فالسياسي الحقيقي هو الذي ينقل وجهة نظر الشريحة التي يمثلها على الأقل لا بد له من التأني قبل أن يتحدث أو يدلي بأي تصريح وبخاصة بعد المواقف التي تشهد تشنجا وتوترا كما حصل في حادث ( الكرادة ) الإجرامي الغادر .. فحاملو ألسنة الفتنة وذراع الحقد الأسود تدافعوا بالحضور منتهزين فرصة تأجيج الرأي العام وصب الزيت على نار الطائفية والتطرف .. وبدلا من أن يتبنى بعض رجال الدين والسياسة قاسما مشتركا يعتمد أساسا على النسيج الموزائيكي الذي تحتفظ به مدينة الكرادة منذ عقود وهو يعبر عن البنية الاجتماعية المتوارثة منذ آلاف السنين للشعب العراقي بكل أطيافه وأعراقه وأديانه .. وعلى ما يبدو فإن دعاة الفتنة لم ينتظروا طويلا وهم ينفذون أمرا قد يكون وصلهم بالهاتف النقال !
فلا بد لنا إذن من القول أن من المنطقي ألا تطلق الأحكام على مثل هذه الحوادث إلا بعد إجراء تحقيق موسع يتم من خلاله التوصل إلى خيوط الإمساك بالجناة الحقيقيين والحواضن الموقعية لهم ونقاط وطرق وأساليب تحركهم والأطراف المساعدة لهم وخططهم المستقبلية .. لا أن يخرج أحد الجهلاء وهو يؤشر بلا وعي وإدراك بأن مصدر هذه التفجيرات هو الأنبار ؟!
ما نفاه وزير الداخلية في المؤتمر الصحفي وبين بأن العجلة التي انفجرت في الكرادة تحركت من محافظة ديالى .. لكن تصريح السيد وزير الداخلية جاء متأخرا بعض الشيء إذ إنهمك من يؤيد تصريحات بعض السياسيين المتطرفين ، بقصف أحد مخيمات نازحي ( الأنبار ) في ليلة عيد الفطر وقتل وجرح العديد من الأبرياء داخل المخيم .. هذه التصريحات وما تقوم به قنوات محسوبة على أحزاب وكتل سياسية من ميل واضح وعلني لإيقاظ فتنة نائمة لابد أن تضع الدولة حدا لها والإسراع بالتصدي لها كما يتصدى أبناء الشعب العراقي الصابر لعاصفة سوداء ستمزقها وحدة الصفوف وصدق الإنتماء للعراق وطنا ومستقبلا,
واخيرأ أطالب العلماء والعقلاء ومن بيدهم القرار بـ« تدارك هذه الأزمة الطائفية والصراعات المذهبية » محذراً من « الاتجاه إلى الجحيم »،