18 ديسمبر، 2024 10:55 م

دعاة الجمود الفكري في الاسلام

دعاة الجمود الفكري في الاسلام

الاسلام ثورة فكرية انسانية في منطقة تعاني من الجهل والجمود الفكري, انها ثورة تضمن رقي الانسان وتكامله, وحصل التغيير الذي اراده الرسول الخاتم (ص) في سنوات حياته, بوضع اسس الرقي الفكري للامة, لكن بعد رحيله تصاعد الصراع السياسي وقفز زعماء قريش (اشد اعداء الاسلام) لمركز الحكم, بواسطة المكر والخبث, فعملوا القريشيين بعد سيطرتهم على الحكم تشويه الاسلام وافراغه من محتواه بهدفين اساسيين: الاستمرار بحربها للإسلام, ولغرض دوام سلطتهم وهذا يتم عبر تسفيه وعي الامة.

عندها برز خط داخل الامة يحارب الفكر الاسلامي الاصيل, والذي لم يكن له مكانا في صدر الاسلام, لكنه وجد موطئ قدم عندما حصل تفرق الامة, فظهر التعصب بأبشع صوره, ليتم مخالفة النص المحمدي الصريح فقط نصرة للجهل او للقادة السياسيين, فكان الجمود العقائدي او الفكري اقرب الى الجهلة وذوي الاغراض والافكار المنحرفة.

في القرن الرابع والخامس الهجري تم محاربة العلماء, ولقي المفكرون اشد انواع التنكيل والتهم, كل هذا ليتم تعطيل الفكر.

ففي زمن الخلافة العباسية نشطت المدارس الفكرية, وافتتحت الابواب لدراسة الفلسفة وعلم الكلام والمنطق, فاستشعر جمعا من الفقهاء ورواة الحديث بالضعف امام ما يطرحه العقل, ويكاد يتم تحطيم خيوط العنكبوت ويتساقط ما بنوه من زمن معاوية, فاجتمعوا ليقرروا مكيدة تطيح بالعدو الفكري, فلم يجدوا الا تهم الكفر والضلال لأبعاد الناس عنهم.

واستشعر الحكام مخاطر الحرية الفكرية على شرعية وجودهم وعلى دوام حكمهم, عندها تم تدمير عشرات المكتبات, واحراق الاف الكتب الفلسفية والفكرية, وتم اعتبار علم الكلام باب للضلالة, والفلسفة ارتداد! مع مساندة نظام الحكم والذي يدعم الجمود الفكري, فاصبح العلماء والمفكرين وطلابهم ملاحقين من قبل السلطة ومن قبل الجهلة والسفهاء والعبيد.

سأذكر واقعة تاريخية تبين قبح ما حصل والذي تسبب لاحقا بحالة الجمود الفكري للامة, كان السهروردي من الحكماء فدعاه الظاهر غازي بن صلاح الدين الى مساجلة الفقهاء, فانتصر عليهم وافحمهم, فزاد حقدهم عليه, فدبروا له تهمة المروق عن الدين! وعملوا محاضرة بكفره وسيروها الى الملك الناصر صلاح الدين, وخوفوه على عقائد ابنه ان بقي قريبا من السهروردي, بل زادوا في رعبه بان السهروردي سيقلب عقائد نواحي البلد, فبعث الملك الناصر صلاح الدين رسالة لابنه جاء فيها “ان هذا الشاب السهروردي لابد من قتله”, فتم تنفيذ امر صلاح الدين لتخسر الامة رجلا حكيما.

وحصل نفس الشي مع المئات من الحكماء والعلماء والفلاسفة والمجددون, حيث تم قتلهم بسبب الجمود الفكري الذي ترغب به الحكومات والسلطة الدينية, ويتبعها في تنفيذه الهمج الرعاع, حيث استمر اعداء حرية الفكر ودعاة الخضوع لسلطان الجهل والتقليد الاعمى, فكانت المشانق شاهداَ على سيل الإعدامات الكبير, اما السجون فقد اكتظت باهل الفكر والعلماء, اما الكتب الفكرية والفلسفية فتم اتلافها واحراق عشرات المكتبات, لأنها تعتبر جريمة تصل عقوبتها للإعدام!

اما التعصب الحكومي ضد علماء الشيعة في تلك الفترة من حكم العباسيين وبداية الحرب ضد الفكر, فهو مما اشتهر خصوصا باعتبار الشيعة خط معارض للحكم, الظالم, وكانوا على الدوام لا يقبلون بوجوب طاعة الحاكم كما اوجبها غيرهم, وكانت الرؤية الشيعية لحكام بني العباس والمماليك بانهم غاصبي للخلافة وليسوا مستحقين لها, مما جعلهم مطاردين ومنفيين, واطلق عليهم اشباه العلماء من الحساد والحاقدين اشاعة البدعة والكفر والالحاد, كي يبتعد الناس عنهم, ويعطون الشرعية للحاكم الظالم في قتلهم.

وتبعهم على هذا السلوك الهمج الرعاع, الذي يتبعون نعيق منابر السوء واوامر حكام الجور.

عند كل هذا اصاب الشلل البيئة الفكرية, ورويدا رويدا غرقت الامة في بحر من الجمود الفكري والعقائدي, التعصب المذهبي المدعوم من السلطة الجائرة وعلماء السوء قد احدث مظاهر شاذة في المجتمع المسلم, فتمزقت الامة الى مذاهب كل واحد منها يرى انه يملك الحقيقة الكاملة للدين, ولمنع مناقشة ارث الاجداد تم وضع ثوب التقديس على كتب القرن الاول والثاني الهجري, فأصبحت في نظر الامة الجامدة فكريا كتب معصومة من الخطاء, يجب التعبد بها على تناقضاتها واختلالها, ومن يفتح باب النقد لها يعتبر خارج على الدين, وكل من فعلها وجد حربا شديدة من علماء الجمود والسلطة الغاشمة والهمج الرعاع.

وفي عامنا هذا لم يتغير شيء, مازال ممنوع علينا التفكير, ومحرما علينا نقد الارث الذي انتج في زمن الامويين والعباسيين, كتب الصحاح مثلا, والتي تعتبر كالقران كل شيء فيها لا يقبل النقد! او مناقشة واقعة تاريخية كرزية الخميس مثلا, او تفسير موقف الزبير بن العوام وغيره في معركة الجمل, او فضح الدور الاموي لتشويه الاسلام, او تتبع دخول اليهود والاستفادة من احتضان السلطة لهم في بدايات الاسلام, ليدسوا سمومهم الاسرائيلية في الارث الاسلامي, او حتى تعرية الكذابين على الرسول الخاتم (ص) ممن تقدسهم الامة الان, باعتبارهم رواة حديث, وبعضهم كان مجرد كذابين لا يهمهم الا دينار الحاكم.

وللكلام بقية…