نعم هناك نهج طائفي خطير يقوده السيد المالكي ومواليه من حزبه والمنتفعين من سلطته؛ تسبب في أزمة الأنبار وتصعيد حالة التهميش التي تمثلت بمطالب مشروعة رفعت في ساحات الاعتصام كان من الممكن الاستجابة لها، وهو قادر على ذلك وفق ما صرح به لكنه لم ينفذها بعد مرور أكثر من عام على انطلاقها. وبدلا من ذلك ذهب إلى حالة خلق مواجهة عسكرية سواء بمحاولة اعتقال النائب العلواني، أو بتنفيذ عملية الهجوم على ساحة الاعتصام التي انتهت إلى حالة مستمرة و مكلفة لجيشه الواهن وإشعال فتيل معارك وانتفاضة ثائرين لا يزال نزيفها مستمراً بين الفريقين ونكبة المهجرين الناتجة عنها مستفحلة. وأمام إصرار المالكي على الاستمرار بنهجه العسكري والقمعي لحسم الأزمة تحت قبعة ومظلة (قمع الإرهاب المتمثل بالقاعدة وداعش والبعث والتخريب المتعمد من قطر والسعودية ودول اخرى) كما يحلو له ان يسوق ذلك دوليا كوسيلة لدعم عسكري بحجة قتال الارهاب بالنيابة. وهي حجة لم يحقق بها المالكي وجيشه اي حسم او انجاز عسكري على الارض بالرغم من مرور ما يقارب 3 اشهر فيما تتوالى خسائره البشرية والمادية والمعنوية بما ينذر بالهزيمة، في وقت لم يستطع المالكي وجيشه ان يعرضوا صورة لمقاتل اجنبي واحد من خارج الحدود يدعم مبرراته بمواجهته للإرهاب الدولي . كيف ستحسم هذه الأزمة ولصالح من ومتى ؟ أمر لم يعد سهلا التكهن به طالما ان المالكي يحاول تدويل المواجهة العسكرية دوليا وإقليميا ويختلق في ظلها أزمات سياسية شائكة مع شركائه في العملية السياسية، وهو اليوم لا يتردد في اتهامهم جميعا وزراء ونواب وكتل دون تمييز عرقي وطائفي ناهيك عن تركيا والخليج والاتحاد الأوربي الخ؛ بأنهم يلعبون دورا في الوقوف ضده ويصطفون مع المنتفضين ولم يبق من يسانده في أزماته هذه إلا إيران واميركا !. لماذا يتفنن المالكي بإثارة الأزمات ليس فقط ضد من يعارضه بل حتى مع شركائه في التحالف الوطني والكردي ويستمر باتخاذ قرارات خطيرة وتعيينات جديدة واجتثاثات من الانتخابات بوسائل كيدية غريبة في فترة قصيرة قبل موعد الانتخابات؟ هل يأتي هذا ضمن مخطط تصفية الاخرين والمضي بانتخابات صورية ومزورة تأتي له بولاية ثالثة وأغلبية سياسية، أم انه يبحث عن خلق أزمات جديدة تؤسس لصراع محتدم وأوضاع أمنية صعبة تشكل له غطاء لتأجيل الانتخابات والتمسك بالسلطة بإعلان حالة الطوارئ التي كثيرا ما يهدد بها ؟.
وما يثير الاستغراب والدهشة هو تصرف ساسة العملية السياسية ممن يدعون تمثيل الأنبار ومحافظات السنّة بالذات؛ أمام هذا المشهد المأساوي والدموي والقمعي الذي تتعرض له الانبار والمحافظات التي يمثلونها وفقاً لأسس المحاصصة الطائفية التي رسختها هذه العملية السياسية، وجاءوا كممثلين لحصة السنّة كواقع سياسي لا يمكن لي ولأي متابع انكاره مهما بلغ من حصانة وطنية تبعده عن الحس الطائفي المقيت.
حيث يكاد يتفق جميع هؤلاء الساسة السنَّة من خلال تصريحاتهم على أن الحل لأزمة الأنبار الدامية؛ هو حل سياسي وليس عسكريا مع انهم يدركون جميعا أن المالكي لا يسمع لهم حديث ولا رأي ولا نقاش وينفرد باتخاذ القرارات بنفسه ومن خلال مواقعه كرئيس وزراء وقائد عام للقوات المسلحة و وزيرا للدفاع والداخلية والأمن الوطني ومديرا للمخابرات. لا بل انه يصعد من اتخاذ قراراته المهينة لهم بمزيد من التهديد والوعيد والملاحقة والحرمان من الترشيح للانتخابات القادمة باجتثاثهم أو باستهداف شرائحهم العشائرية، باستثناء من يفلح بشراء ذمته منهم والذين اصبحوا اشد قسوة وإجهازا بالعدوانية على اهلهم من المالكي من أجل الاستمرار بمناصبهم ومواقعهم سواء كانوا: وزراء أو نواب أو قادة عسكريين أو أعضاء مجالس محافظات! أليس البقاء بإشغال هذه المواقع التي يشغلونها وفق المحاصصة كسنّة جريمة على واقع واضح يعترف به الجميع؛ هو أن المكون السني اليوم يقصى ويهمش ويحارب بكل الوسائل بغطاء محاربة الإرهاب الدولي الذي عقد له المالكي مؤتمرا دوليا أبلغ من خلاله المجتمع الدولي بأنه يحارب نيابة عنه إرهاباً دوليا، بينما ما يحدث حقيقة هو أنه يحارب شعبا ويمنعه من حقوق دستورية طالب بها بشكل سلمي لغاية قراره بالتصدي لهم عسكريا وتصفويا.
هل من المعقول أن يتنصل هولاء الساسة من محافظاتهم، بل من سكنهم وأهلهم فيها وهم يتعرضون لإبادة بشرية بكل وسائل القتل المتاحة وبالقصف العشوائي واستخدام الطائرات الحربية والقتال الميداني العنيف لتصفيتهم؟ ما الذي فعله نواب ووزراء البو عيسى والجميلة والصبيحات وممثلي الحزب الاسلامي ومتحدون والحل والحوار لمناطقهم الانتخابية التي تقصف يوميا؟ هل زاروا مدن وقرى الأنبار في الكرمة والفلوجة والخالدية والصقلاوية وغيرها من قرى وتجمعات العشائر التي ينتسبون إليها؟ هل نشطوا على الأقل بالجانب الإنساني المترتب عليهم لإغاثة اللاجئين والنازحين وإعانتهم؟ هل وحدوا صفوفهم وانسحبوا بشكل موحد أو حتى منفرد من كامل العملية السياسية التي يعترفون جميعا بفشلها وفشلهم في تقويمها؟ على العكس من ذلك لقد تجاهل البعض واستغفل آخرون وساهم قسم آخر منهم ولا زالوا يدفعون المالكي لاتخاذ قراراته بشن الحرب في الأنبار مستعينا يبعضهم لغاية هذا اليوم، وموقف محافظ الانبار وأعضاء مجلس المحافظة وأبو ريشه وآخرون من ضمن مرشحي متحدون دليل على ذلك ففي الوقت الذي يدعون فيه الهيئات الانسانية لمساعدة اللاجئين رياءً تراهم يراهنون ويهددون الفلوجة والكرمة بشن الهجوم العسكري عليهما، وكأنه الحل الأنجع كما يرى أبو ريشة بتصريحاته المتعاقبة وما قاله محافظ الانبار وهو من المحسوبين على تيار إسلامي بحق شيوخ الانبار وعلمائها ومنتفضيها لم يقله المالكي نفسه وهو الذي تفاخر أمامه بأنه برؤيا المنتفضين (ويسميهم بداعش) يقوم بدور ابن العلقمي! وقالها بلا خجل. هذا المجلس والمحافظ أعلن اليوم أن لديه مبادرة لحل الأزمة سلميا خلال أيام وكأنهم طرف محايد في الأزمة وليس جزءاً منها، وتناسوا انهم يشنون حربا على طرف يسموه (داعش والقاعدة) وليسوا منتفضين بسبب ما يعانون منه من ظلم وتهميش !، وهم يعرفون جيداً أن احد مطالب المنتفضين وشروطهم هو إقالتهم بالإجماع كحكومة محلية غارقة في تأجيج الأزمة .
والأغرب والأشد عجباًّ أن السياسي الإسلاموي السني والعشائري العريق والمستقيل من الحكومة في ساحة المعتصمين الذي أوقد جذوة الحراك والاعتصام في ساحات الانبار والمحافظات الست بسبب استهداف المالكي له ولحمايته، والذي ابتعد وأختفى بعدئذ من الساحات لأسباب غامضة قبل المواجهة العسكرية بأشهر ورشح لخوض الانتخابات القادمة عن الانبار وهو ملاحق إجرائيا من دخولها، ظهر بالأمس في يوم اجتثاثه من الترشح لخوض الانتخابات بتخطيط كيدي من المالكي نفسه بفرية سوء السيرة والسلوك ليعلن من إحدى الفضائيات بصراحة متناهية بعد اجتثاثه: أنه لا يرى حلا لأزمة الأنبار ومظلومية السنة إلا بإعلان الاقليم مدعياً أن هذا الاقليم سيمنح أهله حكم أنفسهم بأنفسهم ويحميهم من تعسف الحكومة المركزية! لا أدري كيف؟ لتبث نفس الفضائية بعد يوم خطبة من أحد منابر سامراء لأحد قادة الاعتصام فيها والمتحدث باسمه بأن الوقت قد حان لإعلان الاقليم ليحكم نفسه بنفسه، في حين أن الفلوجة التي تحكم نفسها بثوارها تتعرض لأشد انواع القصف والإبادة لا يستطيع ثوارها وليس ساستها حماية المدينة من جيش وميليشيات تجمعت حولها من كل صوب وحدب!.
من يصدق أن الناس تقاتل اليوم وتنتفض من أجل ان يعلن هولاء الساسة إعلان الإقليم والانفصال وبيانات ثوار العشائر والمجالس العسكرية تصدح بالتمسك بوحدة العراق كمطلب أساسي؟ ومتى يفهم هؤلاء الساسة أن سياسة الإقصاء والتهميش الطائفي التي يمارسها المالكي وحزبه تهدف لتحقيق هذا الهدف؟ وإنهم حين لا يتوافقون كساسة مع متطلبات مكوّنهم المشروعة حتى عندما يكونوا في موضع انتفاضة فاعلة؛ كيف سيتوافقون غدا فيما بينهم لحكم انفسهم؟ والأمرُّ من ذلك ان الدكتور المجتث بسبب سوء السلوك كيدياً راح في مقابلته يحث الناس على المشاركة في الانتخابات بكثافة وكأنها فيضا وليست زيفا ويحذرهم من انتخاب ممثلي كتل اصطنعها المالكي في المحافظات السنية لضمان فوزه بولاية ثالثة وهو يدرك حق الإدراك أن المالكي لن يفوز بولاية ثالثة إلا بالتزوير والخداع، وبمن يسميهم السيد حسن العلوي بسنّة الشيعة!؟ ثم من هي هذه الكتل التي يضمنها المالكي لمجيئه إن لم تكن متحدون او مشتقاتها والتي لا يتردد قادتها بعد فشلهم السياسي من الإعلان أن تشكيل الاقليم الذي يعني التقسيم هو الحل الأمثل لأزمة السنّة مع المالكي وكأن العراق هو إرث لهم وللمالكي يتقاسموه متى شاءوا.
ليدرك العراقيون اليوم أنه ليس هناك مشروعا على العراق وأمة العرب أخطر من مشروع تقسيم العراق، وليس بيننا من هو أخطر وأطمع وأفسد من دعاة الاقاليم والتقسيم، انهم اخطر من المالكي هرولة إلى اضعاف العراق وتقسيمه والدليل على ذلك انهم لم يتركوا يوما أزمة مفتعلة او معاناة خانقة على المكون السنّي إلا واتخذوا منها مبررا للمناداة بالإقليم، وهذا هو ما يريد المالكي ان يقنعهم به من خلال سياسته الطائفية. إن المناداة بالإقليم مع البقاء في العملية السياسية الخائبة والمشاركة بالانتخابات القادمة الزائفة في ظل انتفاضة عصيّة يقوم بها سنَّة العراق، في أروع وقفة صمود وتحدٍ للمالكي وسياساته؛ يحسبها المنتفضون اليوم طعنة كابحة لصمودهم وانتفاضتهم وجريمة كبرى للتسفيه بمطالبهم المشروعة وحقوقهم.
إن إعادة انتخاب هؤلاء الساسة الفاشلين جريمة بحق السنّة بالتحديد وبالعراق كله، وهي ليست أقل خطرا أو تهديداً من سياسات المالكي كمشروع للإنفراد بالسلطة، يشترك فيها ساسة عملاء للترويج لمشروع صهيوني أمريكي إقليمي لتقسيم العراق وإضعافه وهو مشروع الشرق الاوسط الجديد لتقسيم المنطقة العربية الى دويلات طائفية وعرقية ضعيفة ومنهكة تسودها الحروب والنزاعات الأهلية المدمرة.