23 ديسمبر، 2024 10:20 ص

دعاة استقلال كردستان يتسابقون للتوظيف في بغداد

دعاة استقلال كردستان يتسابقون للتوظيف في بغداد

في عام 1944 ، وبعد ان تأكد محمد علي جناح ان المسلمين في الهند لا يتحملون العيش في الهند بسبب اضطهاد الهندوس لهم ، وعدم القبول بهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ، كتب الى الزعيم الهندي المعروف المهاتما غاندي يقول ((نحن نصر ونتمسك بأن يكون المسلمون والهندوس أمتين كبيرتين ، وذلك طبقاً لأي تعريف أو معيار للأمة. نحن أمة لمائة مليون مسلم، وعلاوة على هذا نحن أمة ذات أمور متميزة في الثقافة والحضارة واللغة والأدب والفن والهندسة .. والشعور بالقيم والعدل والتاريخ والملكات والطموح ، وباختصار لنا وجهة نظرنا المتميزة عن الحياة ومن الحياة ووفقاً لجميع مبادئ القانون الدولي نحن أمة)). كان غاندي رجلا عظيما ، ولم يكن منحازا للهندوس ، وكان يؤلمه الاعتداء على المسلمين ، حاول اقناع جناح بالعدول عن فكرته وعدم التسبب في تقسيم شبه القارة الهندية ، اجاب جناح قائلا(( لا تستعجلوا السلطة ، انتظروا وستصبحون الاغلبية في الهند ، انتظروا فقط اربعون سنة وستحكمون كل بلاد الهند القوية )) . لكن جناح لم يتقبل النصيحة ، لانه لم يكن بمقدوره تقبل الظلم لاربعين سنة قادمة . عرض عليه غاندي تسلم منصب رئيس وزراء الهند وتقسيم السلطة ، لكن جناح رفض السلطة في بلاد لا يشعر فيها انها وطنه ، ومن غير ان ينتظر الضوء الاخضر من بريطانيا او من الدول الجارة ، اعلن عن الاستقلال وقيام جمهورية باكستان عام 1947 ، وبذلك نشأت دولة وليدة وتوالت الاعترافات الدولية تباعا . ويذكر التاريخ محمد علي جناح انه كان من طراز الرجال الذين يصنعون الدول . تذكرت هذا الرجل ، وانا في حيرة من امري ، أرى زعماء وقادة كرد ،يتحدثون في اليوم الف مرة عن حق الكرد في الاستقلال وحقهم في انشاء دولتهم، وما يتعرضون له من تقتيل ومذابح منذ ان الحق وطنهم بالدولة العراقية عنوة . واسمع عنهم المزايدات السياسية ، فاذا تحدث طرف كردي عن سعيه للاستقلال ، يجيبه الطرف الاخر ان السبق له ،
وان حزبه رفع شعار تقرير المصير منذ عهد نوح . ولكنهم مع ذلك تستهويهم المناصب والوظائف في الدولة المعتدية ، الدولة التي يفتقرون الى الولاء لها ، ويدركون تمام الادراك انها مصطنعة وغريبة عنهم وعن شعبهم . قبل يومين قلت في مقال لي ، اني لا اشك باخلاص ونضال اي شخص من الاسماء المتداولة للترشيح لمنصب رئيس جمهورية العراق ضمن اعضاء المكتب السياسي للاتحاد الوطني . وقلت اني لا احبذ ان يتسلم ايا منهم المنصب ، ولم ابيّن السبب . واقول الان ان السبب هو اني لا ارغب ان يتركوا مواقعهم في كردستان للانشغال بامور دولة ايلة للسقوط وتتهاوى يوما بعد يوم . كنت متلهفا ان اسمع من احدهم انه يرفض الترشيح ،لانه لا يرغب ان يكون لبنة في بناء عراق جديد لن يختلف عن سابقاتها ، كنت اود ان اسمع من احدهم انه يتمنى ان يكون معولا ،لهدم ما تبقى من دولة ظالمة وجائرة، لم يجن منها شعب كردستان غير الماسي دما ودموعا . الامر لايقتصر على طرف دون اخر من القوى الكردستانية ، ما لم اسمعه من اعضاء الاتحاد الوطني ، لم اسمعه من حركة التغيير ايضا ، ففي اول فرصة ،غمرتها السعادة بحصولها على وظيفة النائب الثاني – نعم الثاني – لرئيس مجلس النواب واعتبرته مكسبا منصفا . لا اتوقع كذلك ان اسمع ما اود سماعه ، من اي من مرشحي قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ، عندما يعرض عليه غدا او بعد غد منصب النائب الثاني لرئيس وزراء العراق . ارى الكل ، الكل في سباق لتولي المسؤوليات والوظائف في بغداد . والكل الكل يسلّم امر استقلال كردستان الى القدر وما تأتي به الايام . لقد اصبحت لبغداد الان في كردستان ،جيشا من المتقاعدين ،النواب والوزراء والمدراء العامين وغيرهم ، هذا الجيش يستلم مرتباته وامتيازاته ، وعناصره اغلبها تمتلك مسؤوليات في قيادة الاطراف الكردية ، ولها رأي واصوات معتبرة في قضية الانفصال عن بغداد . سؤال اخر يطرح نفسه بقوة في خضم المباراة الماراثونية لاقتطاف الوظائف في بغداد ، وهو كيف تقتنع امريكا او المجتمع الدولي بجدية واحقية الكرد في انشاء دولتهم ؟ او كيف يخشى الاعداء من استفتاء نقوم به لتقرير مصيرنا ولا يهتبروه مجرد تهديد ، ونحن في هذا الحنين والاشتياق لوظائف بغداد ؟ لقد تحدثنا كثيرا عن دكتاتورية المالكي وعنجهيته وتنصله من الاتفاقيات والتوافق الوطني ، ولكن حتى عندما قام بقطع رواتب موظفي الاقليم ،
ظلّ المسؤولون الكرد يشغلون مواقعهم في حكومته حتى الايام الاخيرة . وربما كان المعنييون ، عندما نشكو اليهم ، يجيبوننا في قرارة انفسهم : ولكنكم شركاء في حكومته يا سادة . اقول في خاتمة مقالي ، الدولة يصنعها رجال من طراز محمد علي جناح.
*[email protected]