18 ديسمبر، 2024 11:45 م

دعاء عديلة سياسي على طريقة المنشقين

دعاء عديلة سياسي على طريقة المنشقين

تورد الروايات المعتبرة عن السنة النبوية دعاء يسمى بالعديلة , وتذكر الروايات ,إن هذا الدعاء يساعد المحتضر على الثبات على دينه والبقاء عليه ساعة احتضاره وقربه من الموت , حيث يمر الإنسان في تلك اللحظات بآخر الاختبارات التي تحاول حرفه عن الجادة الصحيحة.
لا شك في أن الإنسان يمر بتجارب مختلفة في حياته, ويمكن أن يرتكب أخطاء أثناء هذه التجارب, والعبرة في الاستفادة من تلك الأخطاء وتوظيفها بالطريقة السليمة.
منذ اندلاع الثورات والانتفاضات في العالم العربي , نشهد حالات صحية وايجابية تتمثل في انحياز البعض من القيادات والمسؤولين الحكوميين ممن يعملون في طاقم الأنظمة القديمة إلى شعوبهم والوقوف إلى جنبهم .
قد يرى البعض أن هذا الانحياز لم يكن مبدئيا ,بل هو حركة استباقية يحاول هؤلاء أن  يجدوا لأنفسهم من خلاله موطئ قدم في النظام الجديد , أو الإفلات من العقوبات المحتملة التي يمكن أن يتعرضوا لها على يد السلطات الجديدة جراء أعمالهم السابقة , وهذا التفسير مقبول ومطابق للحقيقة في كثير من الأحيان ,إلا أن مناصرة الشعوب والوقوف إلى جانبها عمل ايجابي على كل حال .
لا يتسنى لمن لم يخوض غمار السياسة الإجرائية وتعقيدها تصور الأوضاع والتحديات التي يمر بها العاملون فيها، ويرون إن من السهل أن يكون الموقف في هذا الاتجاه أو ذاك الاتجاه ,إلا أن الواقع يؤكد خلاف هذه الحقيقة , فربما يكون الإنسان جزءا من منظومة حكومية رغما عن انفه ,أو انه انحشر في دائرة لا يتسنى له الخروج منها بسهولة ,طبعا ليس هذا تبريرا للذين يعينون السلطة في جرائمها تجاه شعبها .
سورية البلد الذي يعيش حالة معقدة تختلف عن أوضاع الدول التي تعيش ما يسمى ب(الربيع العربي) ,ويصعب التكهن بالمستقبل الذي ستؤول الأحداث إليه فيها .
بعيدا عن الخوض في التقييم للأحداث وأطرافها ومسؤولياتها وما يجري على الأرض في سورية وحقيقته ,وهل انه خيار شعبي نقي أم انه مشروع إقليمي ودولي ،نتعرض إلى إحدى حالات الانشقاق في صفوف كوادر الحكومة  السورية.
أعلن سفير جمهورية سورية لدى العراق الشيخ نواف الفارس انشقاقه عن النظام واستقالته من صفوف حزب البعث,وطلب اللجوء إلى دولة قطر ,وقد أكدت المصادر المسؤولة تواجده في قطر .
تم إعلان الانشقاق من خلال مؤتمر صحفي ذكر فيه السفير السابق ,انه لا يستطيع السكوت على جرائم النظام (بحسبه) ,وان مكانه الطبيعي الوقوف إلى جانب شعبه , وانضمامه إلى صفوف المعارضة ، وان بشار الأسد حول حزب البعث إلى أداة لقمع السوريين واستغله لتنفيذ ملذاته ورغباته .
ليس لدي تعليق أو اعتراض على الفقرات السابقة لأنها شانه كمواطن سوري , وكمسؤول يعرف خصوصيات حكومته ونهجه ,إلا أن المهم الذي ينبغي الوقوف عنده ما قاله (السفير) في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة ,وحيث وجه كلامه إلى رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي ,وقال:أن المالكي وأجهزته الأمنية تعرف جيدا أن بشار الأسد قتل العراقيين وساهم بشكل فعال في التفجيرات وإرسال المفخخات إلى العراق , وعندما سأله المذيع عن الكيفية التي مارس بها بشار الأسد هذا الدور,أجابه: من خلال اتفاق شرف بين بشار والقاعدة،وتابع ،إن بشار الأسد فتح الحدود وأباح للقاعدة النزو على العراق وقتل العراقيين.
هنا لا بد من إثارة تساؤلات مهمة موجهة إلى سعادة السفير المنشق، أولها:متى علم بهذه الحقائق، هل علم بها لحظة إعلانه الانشقاق أم قبل ذلك ؟ لاشك ولا ريب ، وبناء على سياق حديثه ،أنه يعلم بها منذ زمن طويل ،وقد يكون استنادا إلى منصبه كسفير وكراع لمصالح بلده في العراق ومنفذ لسياسات حكومته يعلم بها قبل وقوعها ، أو قد تكون حكومته طلبت منه تسهيلات وإسنادا لوجستيا لهذه المجموعات.وإذا كان هذا الفرض واردا ومنطقيا ،فما هو الحكم على سلوك السفير قانونيا، وهو يمثل عن علم وعمد سياسة نظام يستهدف بالمتفجرات والمفخخات مواطنين البلد الذي يمثل دولته فيه ؟أليس السفير بناءا على اعترافاته شريكا مع نظامه وحكومته التي كان يمثلها ، ويستلم راتبا شهريا كبيرا منها ، ويتمتع بحصانة دبلوماسية بسبب تمثيله لها؟ وإذا كان انحياز السفير اليوم إلى شعبه والوقوف إلى جانبه بدعوى ،أن بشار الأسد يقتل السوريين ويستعمل الجيش والأمن لقمع المدنيين ،فهل أن دماء العراقيين رخيصة ولا قيمة لها في نظر السفير ولا تستحق منه أن يتصرف بنفس الكيفية التي تصرف بها الآن ، فعلى الأقل يستقيل من منصبه كسفير لحكومة تمارس قتل الأبرياء والمدنيين دون ذنب أو جناية ؟ أليس هذا هو الموقف الصحيح قانونا وأخلاقيا وإنسانيا؟ ولماذا لم يكشف نواف الفارس هذه الجرائم لحظة علمه بها ،ألا يضعه هذا الموقف في دائرة الاتهام الأكيد على أقل التقدير ؟ وهل كان الإغضاء إيمانا منه بجدوى وأحقية تلك الممارسات من قبل حكومته تجاه العراقيين ،أم أنها مماهاة من أجل الاستمرار بوظيفته والحفاظ على مكانته الكبيرة التي تعطيه زخما قانونيا واجتماعيا واقتصاديا؟ كيف يفسر لنا سعادة السفير دفاعه عن حكومته قبل هذا الانشقاق ودعواه براءة سورية وحكومتها من أي أعمال عنف وإرهاب ضد العراقيين؟وكيف يتقبل نواف الفارس، وهو شيخ العشيرة بالإضافة إلى كونه سفيرا ،على نفسه ،أن يقابل كرم العراقيين واحترامهم له، بتواطئه على قتلهم من قبل حكومته؟
ألا يمكن وضع هذه الاعترافات والتصريحات التي أدلى بها السفير في إطار محاولة منظمة لتقديم لائحة جرائم لبشار الأسد تضعه أمام ضرورة الامتثال لمحكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أعتقد، أن اعترافات السفير تتيح المجال واسعا أمام الحكومة العراقية والقضاء والإدعاء العام لإقامة دعوى قضائية ضده بتهمة مخالفته للأعراف الدبلوماسية ،والقيام بأعمال وفعاليات يجرمها قانون العقوبات العراقي ، وتواطئه كما يدعي مع حكومته في مؤامرة لقتل العراق والعراقيين.
إن هذه الدعوى ضرورية لعدة جهات ،أهمها :إشعار العالم جميعا بأن للدم العراقي حرمته ومكانته ،والانتصار للضحايا والمغدورين من قاتليهم ،والوقوف على تفاصيل وخيوط مهمة يمكن أن توصلنا إلى المزيد من الحقائق حول حمامات الدم التي كانت ومازالت تجري في العراق.
إن إشارة السفير إلى السيد نوري المالكي تستهدف وبوضوح تحقيق نتيجة مزدوجة ،فهو من جهة يضرب بشار الأسد ، ومن جانب آخر يثير اللغط حول الحكومة العراقية وموقفها ،ومسؤوليتها في حماية دماء العراقيين ،لذلك أصبح من الضروري بمكان توجيه الاتهام إلى نواف الفارس وملاحقته قضائيا.

* مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات