19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

دعاء الكرب لأمراء الكراهية !

دعاء الكرب لأمراء الكراهية !

ليس غريبآ ان تجد تيار الوعي القبلي في التركيبة العقلية البدوية لأمراء سواحل الخليج العربي , وتيار الوعي الريفي لدي آخرين من الرؤساء كصدام حسين وأنور السادات , مهيمنآ عليهم وعلى أجزاء من شعوبهم سواء في منطقة الخليج أو مصر العربية أو العراق وأثرهما في مقررات السياسة الداخلية والخارجية منذ امد بعيد .
ففي تأثير تيار الوعي القبلي – البدوي على أمراء سواحل الخليج , بدا واضحآ في رفض أي صديق أو غريم يقف بالضد معهم عندما يجذب أنظار شعوبهم الى حقائق وظواهر سلبية نشأت من بينهم وتضطهدهم وهم عنها إما غافلين أو منتفعين أو أنهم كالأنعام كما وصفهم الله : ” أولئك كالأنعام بل هم أضلُّ أولئك هم الغافلون ” الأعراف 179 .
والمثال على ذلك موقف الصحفي جمال خاشقجي الذي دعا الى حرية الصحافة والإعلام وهو من المقربين من رموز النظام الحجازي وكيف كانت نهايته التراجيدية التي تكتم عليها النظام , وموقف الصديق البار لهم جورج قرداحي الذي عمل لهم في أحد اجهزة الإعلام مدة طويلة وكيف جعلوا منه موضوعآ سلبيآ لإنتاج أزمة بين النظام الحجازي والشعب اللبناني .
أول سمات الوعي القبلي- البدوي هو الإنغلاق على النفس , ويليه التعنصر للمفاهيم القديمة التي تجسدت بآراء ذاتية موروثة تزمتوا بتطبيقها على الواقع بأسم القبلية وكذلك بالتستر بتسمية “أولي الأمر” وهو استغلال ديني في صراع سياسي من ناحية , وعلى حساب الحقائق الموضوعية المبتكرة من ممارسة التجارب العلمية من ناحية اخرى , بل ورفض الحقائق الموضوعية إن تعارضت مع المصلحة الذاتية .
أما السمة الثالثة فهي الكراهية , وتعني فقدان القدرة على الحب , أي أن لاتحب من لم يعتدِ عليك أو يظلمك , وبمعنى آخر أن الكاره يرفض حتى ان يكون أبآ أو أمآ أو صديقآ , لذلك تراه لايشارك أطفاله \ أو أطفالها إن كانت أمآ , أوأصدقائه بأي مناسبة سعيدة .
وهذه بالطبع لها اسبابها النفسية تمتد من الصغر الى الكبر , إذ ان المرء المحروم من العلاقات مع الآخرين ومن التجارب السعيدة والمؤلمة , أو تعرضه الى سوء المعاملة منذ الصغر جميعها تسهم في تشكيل كنه شخصيته بشكل غير سوي .
يوعز علماء النفس أن سبب الكراهية يعود الى عدة اسباب : أولآ , الحسد , أي أن الحاسد يريد مالدى الإنسان الآخر , إذ يعتبر من غير العدل أن يكون لدى ذلك الإنسان ماينقصه . ثانيآ , إحتقار من هو أدنى منه في المرتبة الإجتماعية أو أدنى منه في السلطة . ثالثآ , أن الكاره قد تعلّم الكره من والديه أو من محيطه الإجتماعي .
فهل تنطبق هذه الصفات على أمير محدد من أمراء الكراهية لنضع على عاتقه مسؤولية المصائب التي وقعت على رؤوس العباد ؟ وإذا كان الأمر ليس كذلك , فمن رفض جمال خاشقجي وهو صديق العائلة الملكية ووضعه في إطار الغريم ثم قتله ؟ ومن الفاعل الذي دبّر مكيدة لعبة ” برلمان الشعب ” ليطيح بجورج قرداحي صاحب برنامج ” المسامح كريم ” ؟
في سياق هاتين العقليتين ; القبلية – البدوية والريفية يمكن ان ندرك أنهما رؤيتان تضعان سمة النفعية في مقدمة العلمية ومعايير الأخلاق والمقدس الموروث بحجج كاذبة وبإتباع آراء ووسائل إقناع تمجّد المصلحة العامة للشعب وحاجته الى النمو والرقي , فضلآ عن ممارسة تأثيرها القبلي على الشعب وإشرافها المباشرعلى مراجعه الدينية وعلى أجهزة الدولة .
والشعوب ليست ساذجة في الكشف عن هذين التيارين وخاصة في القرارات السياسية , إلا أن حرية الفكر والتعبير لديها قد توقفت عندما أصبح رأي الامراء موضوعآ للنقد .
وأمثلتنا على ذلك كثيرة بفضلهم سواء في سواحل البحرين أو الإمارات أو نجد والحجاز , ولكن أكثر الأمثال التي اتصفت بمهارة الكراهية هي فزعة أمراء سواحل الخليج وصحابتهم وأتباعهم من الغافلين على جورج قرداحي بسبب مخرجات حديث أجراه في 21 آب 2012 لبرنامج ” برلمان شعب ” , الذي قلنا أنه لايستبعد أبدآ أن يكون لعبة سياسية أستُدرج اليها القرداحي بفعل أمير فاعل للإيقاع به عن عمد ومن دون أن يتحضّر للإجابة عن أسئلة كانت بقصد الإستبطان لآراءه وخاصة في موضوع الحرب على اليمن , أي أن البرنامج كان بمثابة الفخ السياسي , أُعِدَّ له قبل توليه منصب وزير الإعلم اللبناني .
من أهم مخرجات حديث ذلك الفخ كان ; أولآ , بروز عنصرالملموس بالعقل : وهو العنصر الذي يبتكره الواقع الموضوعي الذي أدركه وأدلى به جورج قرداحي بقوله أن الحرب على اليمن هي حرب عبثية , ويقصد أنها لاترتبط بأي معايير أخلاقية ملموسة على الأرض ولا طائل منها , أي أنها مضيعة للوقت ولفرص تطور وإزدهار الشعبين اليمني والحجازي , بل هي فوق ذلك حرب مدمرة لهما .
هذا الإدراك نابع عن عقل منظم ومتعلم وغير ساذج ومرتبط بمباديء حرية الرأي والتعبير وبالمعايير الأخلاقية السامية , وليس بتيار الوعي القبلي أو الريفي أو خاضع لمبدأ الحيادية لكي يتغاضى عن مخرجات هذه الحرب ,
بينما في هذا العنصر الملموس بالعقل نفسه , وقف رأي الكاتب الكبير نجيب محفوظ على النقيض من رأي جورج قرداعي , على الرغم من نشأة الكاتب الحائز على جائزة نوبل بالأدب في بيئة حي الجمالية بمصر , وهي بيئة متخمة بالتراث الثقافي العربي المجيد , جعلت منه أعظم شخصية ثقافية وأدبية في الوطن العربي وعن جدارة ,
إلا أنه في حوار اجرته جريدة السياسة الكويتية مع المؤرخ والكاتب الانكليزي ديزموند ستيوارت , الذي رد فيه على انجراف نجيب محفوظ مع تيار الوعي الريفي الساداتي الى حد قال فيه : ” أنه لايملك دليلآ على ان اسرائيل كيان يسعى الى التوسع ” , ليبين أن نجيب محفوظ كان متعمدآ في تخليه عن دوره الوطني ليمد بقامة ورقبة الكيان الصهيوني بإنحياز تام على حساب الشعب الفلسطيني ونضاله ضد الصهيونية لأنه فضّل أن يعيش مترفآ في مناخ زيارة السادات للقدس ومعاهدة السلام مع الكيان الغاصب , أو أنه فعل ذلك لأسباب نفسية وذاتية لانستطيع تحديدها , ولكن في كلا الحالتين فقد أستحق طعنة السكين التي تلقاها بعد سنوات من موقفه هذا أو ربما من كتابته لرواية ” أولاد حارتنا ” .
يتبين مما سبق ان المرء الذي يسعى الى العلم وقراءة التأريخ لايمكن أن يكون ساذجآ في السجالات اللغوية وإبداء الرأي السديد . لذا فإن نجيب محفوظ لم يكن ساذجآ في قوله أنه ليس لديه دليلآ على أن اسرائيل كيان توسعي , ولكنه وقف مناصرآ بهذا الرأي مع تيار الوعي الريفي الذي قاده أنور السادات المؤيد للمشروع الصهيوني في تلك الحقبة , ليكون له حجابآ يحفظه تحت رأسه من كيد النظام .
وهكذا وقف العديد من الكتاب بآرائهم – واكثرهم ربما كانوا من أصدقاء القرداحي الذي لم يجد في وصفهم سوى البيت الشعري لأبي العلاء المعري ليعزي به نفسه : وما ضرّني غير الذين عرفتهم جزى الله خيرآ كلُّ من لست أعرف – في أزمة القرداحي مع تيار الوعي القبلي الذي يقوده أمراء السواحل العربية بحجج واهية من ناحية ; منها حجة إطاعة ولي الأمر كمعادل موضوعي لثمن الترف الذي يعيشون به ولإمتناعهم عن إتخاذ المواقف السياسية الواضحة والموضوعية لأنهم حرموا ومعهم أبناء سواحلهم من الرخاء ومظاهر التطور والبناء بسبب الصراع العربي الاسرائلي زمنآ طويلا ,
وبحجة أخرى أن يكونوا بجانب أمرائهم عندما يتعرضون للنقد من ناحية ثانية , وآخرين وقفوا بحجج خبيثة ومفردات طائفية كقول أحد التافهين : أنه وقف بالضد , أي أن القرداحي وقف بالضد من الأغلبية وهم أهل السنة والجماعة وناصَر الأقلية ,
وتافه آخر قال عنه : اللئيم تمردا , وتافهة آخرى قالت : بعد ماكو مصاري الى لبنان من ناحية ثالثة . ولكنهم جميعآ صنعوا من آرائهم حُجبآ ليضعونها تحت رؤوسهم كما فعل أستاذهم نجيب محفوظ . فهل يُطاع الحاكم المجرم والفاسق ويكون على المسلمين وليآ لأمرهم ؟ وهل كان القرداحي طائفيآ أو لئيمآ وهو الصديق المسيحي الصدوق مع الجميع ؟ وهل تستغني الشعوب عن الثورات بالحُجب ؟!
هذا الرأي الذي طرحناه أعتمد على النظرة الواقعية , كما اعتمدها جورج قرداحي في حديثه عن الحرب على اليمن . ولكن بعد الهجمة الشرسة عليه وإظهار كره الأمراء للبنان وشعبه من خلال وقف الصادرات اللبنانية وسحب السفراء , عاد الأمراء الى رشدهم لوهلة ربما بسبب تحليلهم للحقائق المتعلقة بالمشكلة وما افرزته من بيئة للكراهية , وتغيّر معهم موقف الغافلين المترفين بتغيّر موقف الأمراء من ازمة القرداحي عندما صرحوا أن الأمر ليس بسبب تصريحاته , بل بسبب هيمنة حزب الله على لبنان , وهذا تحديد وليس تخصيص بشخص القرداحي .
المهم بهذا التصريح أن موقف الكتّاب قد تغيّر وهم يصطفون على الخط كالدواب أمام ابواب الصحف التابعة لأمراءهم ليثبتوا للعالم أنهم حقآ كانوا ومازالوا كالأنعام كما وصفهم الحق , وهم حقآ كانوا بحاجة الى تلك الحُجب .
أما الحقيقة الموضوعية هي أن الأمراء يتمتعون الآن بالرخاء والبذخ فضلآ عن العنجهية والغطرسة والإستبداد وبالنظره الإستعلائية على شعوب المنطقة ولكنهم قيادات مستبدة بمهارة الكره والخيانة والعداوة الغليضة , تعمل بمهارة الألتفاف على المعايير الأخلاقية والتعاليم الإسلامية , أما الشعوب العربية الأخرى فقد فضّلت الثورات بدلآ عن الحُجب , فأمتلأت مقابرها بالشهداء وضحايا الإرهاب وظلم الصهاينة ,
ومازالت تعاني من المكائد والفقر والجوع وقلة الحيلة بسبب تمسكها بقياداتها الحكيمة وبالمعايير الأخلاقية وبالتعاليم الإسلامية المقدسة لكي تبقى هي الأنقى والأبقى بين الشعوب المعادية , إذ لاخيار لها غير ذلك .
وختامآ لهؤلاء الأمراء والكتاب نصيحة أن يوثقوا الأمير الفاعل لجميع المصائب كما يوثق المجانين ويودع في بيته مع عياله لأنهم أولى بمصائبه , بعيدآ عن آثاره النفسية التي تزعزع الحياة في البلاد العربية , أو يقرأوا لأنفسهم وله دعاء الكرب , عسى الله ان يخرجهم ويخرجه اولآ من إصراره وإصرارهم على إستغفال شعوبهم , وعسى ثانيآ , أن يخرجهم من هم الخيانة والضلالة ليدخلهم باب التوبة المفتوح ليستغفروه , ولا حول ولا قوة إلا بالله .