23 ديسمبر، 2024 7:16 م

مرة واحدة سكن  الذهول ودهشته رؤوس تلاميذ مدرستنا الواقعة في عمق هور قضاء الجبايش ، عندما اصطحبتهم لمشاهدة فيلم سينمائي اثناء قيام مدرستنا بأول سفرة مدرسية الى مدينة أور الأثرية.
يومها سكنهم حنين غامض لرغبة ما ليشاهدوا فيها فيلما سينمائيا أخرا ، وكان رأي أحد المعلمين أن ما فعلته ليس صائبا بالرغم من انني من دفع ثمن التذاكر ، لكن حجته أن اطفالا اكبرهم بعمر احدى عشر عام كان عليهم ان لا يشاهدوا فيلما هنديا ممتلأً رومانسيةً مثل فيلم ( سنكام ) بل يتفرجوا اولا على فيلم من الأفلام المتحركة ( الكارتون ).

واليوم سنحت مثل هذه الفرصة عندما اتى الينا بريد مديرية التربية وفيه جدول مواعيد لمشاهدة افلام تعرض على عموم مدارس الاهوار في قاعة مدرسة الاسدية في الجبايش ، وعلى المدارس أن تصطحب تلاميذها الى هناك لتشاهد عروض الافلام التي تجلبها سيارة تابعة لقسم الوسائل التعليمية.

أخذنا تلاميذ مدرستنا للصفوف الثالثة والرابعة والخامسة ، وعلي أن اتخيل مقدار السعادة والضوء الذي سكن وجوه التلاميذ وهم يعودون ثانية ليجلسوا امام شاشة السينما مرة اخرى حتى عندما عرفوا أن تلك السينما المدرسية لا تعرض افلاما هندية بل افلاما عن حياة الحيوانات في الغابات والادغال واخرى افلام كارتون أو فلما تعلمياً حول نصائح غسل اليد بالماء والصابون قبل الاكل.

المهم بالنسبة لهم ستكون هناك اجسادٌ تتحرك امامهم ويتخيلوا انهم معهم يتحركون في داخل الشاشة.

وصلنا الى قاعة العرض وكان مشغل ماكنة السينما واحد من الاصدقاء القدامى الذي رجوته أن يعرض لتلامذتي فيلم كارتون .

فقال :كان لدي فيلم السندريلا ، لكنه تُلف من كثرة العرض ، ولم يبق لدينا سوى توم وجيري .

قلت :لا يهم ، فهم مع السندريلا سيفقدون توازنهم ونصاب بمصيبة اخرى بعد مصيبة فيلم سنكام ، توم وجيري قط وفأر وهما متواجدان في قريتنا ، فطالما شاهدت قط بيت شغاتي يطارد فأرا .

تسمر الاطفال بسعادة أمام شاشة السينما ، وعندما صعد مشغل الفيلم لتثبيت الشاشة بمسمار في الحائط تمزقت بين يديه عندما سحبها معه حين اراد أن يهوي من كرسي مكسور أعطوه له ليصعد عليه .

قلت بحسرة وحزن : والآن بدون شاشة كيف نرى توم وجيري يا صغار.؟

حزن وصمت ملئ القاعة وفجأة انبرى مسعد وخيون من بين الاطفال . وقالوا :محلولة يا أستاذ .

قلت :وكيف ؟

قالوا : مادامت القاعة ستصبح مظلمة سنخلع دشاديشنا واعملوا منها شاشة.

ضحكت وقلت : ولكنها لا تكفي.

رفع جميع التلاميذ ايديهم وقالوا : ودشاديشنا ايضا يا أستاذ.

مشغل الماكنة السينمائية قال : لا تخافوا لقد كنت احسب لمثل هكذا طوارئ وقد جلبت شاشة احتياطية معي.

عاد التلاميذ الى مرحهم وهم يشاهدون توم وجيري بدهشة جديدة غير تلك التي سكنتهم يوم شاهدوا الفيلم الهندي ولكن من دون أن يخلعوا دشاديشهم.