18 ديسمبر، 2024 9:53 م

دسوا شيئاً من الرز في بارودكم

دسوا شيئاً من الرز في بارودكم

كان يوماً حافلاً بالتفاهات المهمة امضاه سياسي مُقاوم.
فبعد ان انهى عمله في مكتبه و اكمل اتصالاته الهاتفية و مجاملاته السياسية مع خصومه من السياسيين و تحضيراته لتحالفات سياسية جديدة و مصافحة أكُف ملطخة بدماء الشهداء من طبقة الفقراء.

و بعد ان انتهى من لقاءه التلفزيوني الذي اشبع فيه اذان مشاهديه سباً لإسرائيل و الغرب، اتصل بزوجته لتهيء نفسها و الاولاد لتناول العشاء في مطعم عيون بغداد.

ثم عَرَج بنفسه الى اسواق الوردة ليشتري من اصناف المنتجات الخليجية و الايرانية و التركية ما يملأ به ثلاجات مطبخ العائلة و مر بطريقه على محلات الشكرچي فاخذ شيئاً من البقلاوة و الكنافة و المكسرات.

صعد بعد العودة من المطعم الى غُرف ابناءه ليتأكد من نومهم آمنين، زرع قبلاته على جباههم و رتب دثارهم ثم عاد ليشرع بطقوس الشاي و الاركيلة و الفيس بوك و تويتر قبل النوم.

تصفح الفيسبوك ليطارد بسياط كلماته كل من يطالب بالحقوق المسلوبة و يُلبس تُهم التخوين و العمالة كل حالمٍ يحلم بفرصة عمل او ضائع يبحث عن وطن في دولة العصابات و بدأ يشحن بالشعارات صدور البائسين ضد الامبريالية و يمجد بمحور المقاومة و يبرر اخطاءه.

ثم نهق نهقة على تويتر يقول فيها :

((ان امريكا و حلفائها لا يهابون الا الاقوياء، عاشت المقاومة و ليخسأ الخونة)).

اطفأ الضوء بعد ان تأكد من نظام الحماية و الكاميرات و صعد الى غرفته لينام مرتاح البال و للوطن ( ابناء خايبة ) تحميه.

فمادام في الوطن من هو مستعد كي يُحارب فلينم هانئا من سيحصد المكاسب.

و مادام في العراق و ايران و سوريا و اليمن و لبنان مناجم موارد بشرية لا تنضب اراد العالم طمرها و اذلال شعوبها و اراد سياسيوها استهلاكها كوقود حروب غير متكافئة فلابد من شعارات و خِطب و تسليح.

لم يُفكر قادة المقاومة يوما بالتضامن و التكافل الاقتصادي بين بلدانهم، بل فقط بالسلاح و ليس غير السلاح و الشعارات.

قادة ايران منشغلون بتطوير ترسانتهم التسليحية و شعوبهم تختنق بحصارٍ بات ينخر البلد رويدا رويداً.

ساسة المقاومة في العراق يكافحون كل اشكال الصناعة و الزراعة في البلد لينعشوا مصانع الجارة ايران كي تصمد في حصارها و لم تُفكر ايران يوما بدعم مُنتجٍ صناعي او زراعي عراقي او لبناني او سوري او يمني.

كل ما تفهمه الادارة الايرانية ان شعوب تلك الدول تحتاج لسلاح فتاك يُبقي روح المقاومة في جسد امة اماتها الجوع و إستهلكها فساد الاحزاب ( اعني بذلك احزاب الاسلام السياسي العراقي تحديداً).

لم يفكر قادة المحور يوماً بتأسيس حلفٍ اقتصادي مشترك ينهض بصناعة و زراعة تلك البلدان.

لم يفكروا يوما بالمقاومة الاقتصادية و مقاطعة كل البضائع الخليجية و الامريكية بل و مقاطعة الحج و العمرة التي تدر على ال سعود اموال سُحت تساهم في نشر الارهاب.

لم يُفكروا بالمقاومة التربوية و العلمية حتى، فالتباين واضح في جودة التعليم في ايران و لبنان و رداءته في سوريا و العراق و اليمن.

ان الحضارات الناشئة في الخليج و اسرائيل اقسمت على طمس كل اثر من حضاراتكم العريقة يا ساسة المقاومة و إشغال شعوبكم الابية بالحروب كي تنهض بلدانهم على اطلال بلدانكم فلما تُقدمون لهم ما يُريدون على طبق من ذهب ؟

متى ستفكرون جديا بالقضاء على البطالة و التخلف الدراسي و الفقر في بلدانكم ؟

لما لا يساندكم شيعة الكويت و البحرين و السعودية في حربكم فيشعلوا انتفاضاتٍ ضد حكوماتهم ؟ ألا ينتمون قلبياً لمحوركم المقاوم ؟ الا يرفعون نفس شعاراتكم ؟

لان ادارات الخليج تعلمت من الاخطاء و تصرفت بذكاء فخففت من الكبت و سدت حاجاتهم و اهتمت بتعليمهم.

فالشعوب المرفهة لا تثور و لا تُضحي بأمنها و ازدهارها و ليتكم عاملتم شعوبكم بنفس ذكاء خصمكم او بشيء منه لتجنبتم بذلك ثورة شعوبكم المنهكة.

جحافل الشباب العاطلين عن العمل ، و اُلوفٌ من القلوب المؤلفة ، و الافواه الجائعة ، و الانفس المتعبة كفرت بالقيم و ادارت الظهور لمحور المقاومة بسبب اصراركم على الجانب العسكرتاري و التنظير العقائدي فقط، و لا لوم عليهم.

فالخصم ذكي و نحن بطيئوا التعلم، و الخصم دؤوب و حثيث المساعي و نحن فطاحل الخطب الحماسية الطويلة و مدمنوا العزاء و التشييع و التظلُم، و الخصم خبيث و نحن مغفلون.

تلكم شعوب ماليزيا و سنغافورة و تايوان لم تبحث يوما عن الخطب الحماسية و الفزعة و لا عن التسليح لكي تُثبت عدم رضاها عن اسرائيل و الاستكبار العالمي ولا تفكر بالثورة ضد حكوماتها المهتمة بإزدهارها.

ليتكم انتهجتم نهج علي ع الذي تدعون الانتماء اليه و تفاخرون الاخرين بالانتساب له حين عهد الى متوليه على مصر ( مالك الاشتر ) فقال له في جملة ما قال:

(( وليكُن نظرك في عِمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً)).

انتم من تُبَجلون بعدل علي ع و اهتمامه برعيته على منابركم و في ندواتكم و مؤتمراتكم و تسردون قصته مع العجوز النصراني الكفيف الذي انتفض علي ع لأجله و وبخ موظفيه قائلا:

( ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً ) .

فلا تتركوا رعيتكم بعد ان استعملتموهم و اهتموا بما ينعش اقتصاد بلدانكم فدوام التسليح و التحشيد لا يورث الا الجهل و لا يولد الا نفور الرعية و نقمتهم.