لا ينطلي على الجميع العداء الأمريكي الإيراني المبطن بعد إن ثبت في واقع الحال , ونحن على ابواب العام 11 من عمر الاحتلال البغيض وكيف ساعدت إيران ودعمت الاحتلال الأمريكي من خلال دعمها اللوجستي للقوات الأمريكية والانكليزية ومن شارك في هذه الحرب أو من خلال الأحزاب المعارضة والمرتبطة روحيا وعقائديا بإيران لقد روجت إيران للأحزاب والقادة على أنهم سياسيون أكثر قدره على الكذب والمغامرة , فقدموا تقارير الى واشنطن قبل الاحتلال إلى الاستخبارات الأمريكية في تمرير لعبة الاحتلال بعد عام إلفين وكذلك بعض القوى السياسية في داخل العراق التي أكدت هذه التقارير خلال مؤتمر لندن ( سيء الصيت ) عند احتلال العراق كانت اللعبة الأولى والأقوى عند القادة في إيران الأمر الذي حصل ما بين القوى الليبرالية والعلمانية فزجوا بحزب عراقي معروف لدى الجميع كطرف ثالث في المعادلة الطائفية فكانوا الأمريكان وقبلهم الإيرانيين على عجل في إجراء مسارح جديدة من الدمار, والعبث بعد إن كانت خيوط اللعبة والدعم من إيران وهكذا كان دور اللوبي الإيراني والأمريكي في الملايين وتم تشريد الملايين من إخوتنا الشيعة العرب وألسنه العرب , وسرقت النفط بأدوات إيرانية وأدوات عراقية تعمل لحساب طهران وتدمر البنى التحتية وتهدم الجوامع والمساجد ومراقد ألائمه الأطهار, وقتل العلماء وأساتذة الجامعات , وكيف تدخلت أمريكا وإيران في صناعة دستور العراق الجديد وكان ابرز نقاط وفقرات هذا الدستور هي الهيمنة على مقدرات هذا الشعب المسكين وتقاسم السلطة والمال بين إيران وأمريكا , إن الدستور هو عقد اجتماعي لكل مكونات المجتمع قوامه المساواة في الحقوق والواجبات علي أساس المواطنة الصالحة أو هو الإطار القانوني لكل القوى والكتل السياسية الفاعلة في الواقع ، أو هو انعكاس حقيقي وصادق لرؤى وخيارات وأمنيات الشعب بكل أديانه ومذاهبه وقومياته وأطيافه الأخرى , ولما كان الأمر علي هذه الدرجة من الأهمية والخطورة كان لابد أن يراعي في طريقة وضعه الرضا والقبول من الشعب , فإذا كانت طريقة وضع الدساتير مختلفة باختلاف الأنظمة السياسية في دول العالم فإن الفقه الدستوري يجمع أو يكاد علي أن اللجنة التأسيسية هي انجح الطرق وأصلحها في وضع الدساتير, غير أن السلطة التأسيسية كثيراً ما يكتنفها اللبس والغموض مما يجعلها تتداخل من حيث عملها مع السلطة المؤسسة ( التشريعية ) مما يستوجب الإيضاح لكل من السلطة المؤسسة ( التأسيسية ) والسلطة المؤسسة ( السلطة التشريعية ) إذ ان وصف الدستور يتوقف علي طبيعة اللجنة التي تقوم بكتابة الدستور، الأمر الذي يجعلنا نصف الدستور بأنه دستور سياسي أو دستور قانوني ذلك علي النحو الآتي : أولاً : السلطة المؤسسة
( التأسيسية ) والسلطة المؤسسة ( التشريعية ) منذ أن بدأت حركة التدوين الدستوري في نهاية القرن الثامن عشر إثر بروز فكرة الدولة بالمفهوم الحديث للمجتمع المنظم سياسياً، ثار تساؤل علي صعيد الفقه الدستوري مفاده أيهما أسبق في الوجود النظام السياسي أم النظام القانوني , وقد ترتب علي ذلك التساؤل البحث عن أفضل السبل وأنجعها في كتابة الدساتير حتى قيل أن الدستور يجب أن يكتب من قبل النخبة أو الصفوة أو حكماء القوم الأفذاذ الذين تتوافر فيهم صفات عديدة منها الموضوعية والكفاءة والقدرة على التحليل والتنظير واستشراف المستقبل وتحديد اتجاه سير المجتمع لسنين مقبلة في ضوء المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع , إن مثل أولئك الأشخاص ينتخبون أو يختارون ويشكلون السلطة التأسيسية التي تتولي إعداد وكتابة الدستور, وهذه اللجنة تنتهي حالما ينتهي عملها دون أن يكون لأي من أعضائها حق التقديم أو الترشيح لمناصب سياسية في ما بعد , إن السلطة التأسيسية بالوصف المتقدم هي أعلى وأسمي سلطة يتشاور أعضاؤها في ما بينهم للاتفاق علي بنود الدستور دون أن يكون هناك أي تأثير أو محاباة أو تدخل لحزب أو فئة أو طائفة أو أي تنظيم على حساب الآخر. فضلاً على ان أعضاءها لا يتحدثون باسم العراق بقدر ما يمثلون الأحزاب التي أوصلتهم إلي الجمعية على خلاف الأصل القانوني في وظيفة النائب البرلماني الذي يمثل كل الشعب وان ينسلخ من انتماءاته الحزبية أو المذهبية أو القومية وان يكون للعراق لا للحزب الذي جاء به , فإن رجل السياسة يعرف الدستور الفقيه الفرنسي (موريس دفروجيه) بأنه (قانون أولئك الذين وضعوه) في اشارة إلى الأحزاب والكتل السياسية التي بصمت أفكارها وفلسفتها ورويتها وخياراتها في تضاعيف الدستور، ومثل هذا الدستور لن يحقق بناء دولة المؤسسات الدستورية التي لا تتأثر بتغيير الأحزاب السياسية أو تغيير شخص الحاكم وانما يمهد لولادة دكتاتوريات الشخص الحاكم أو لديكتاتورية الأقلية وقد أثبتت التجارب فشل الدساتير وانهيار المجتمعات والدول التي قامت علي مثل تلك الأيدولوجيات السياسية , إذ أن تلكم الدساتير تفصح عن رؤى ونيات وتطلعات واضعيه أكثر مما تفصح عن تطلعات الشعب وأمانيه حتى إذا ما تعرضت الدولة لهزة سياسية سقط الحزب الحاكم ومؤسساته وأنفل الدستور وانفرط عقده وانهار الأمن والاستقرار وشاعت الفوضى والاضطرابات ، ولعل ما حصل بعد سقوط النظام السياسي العراقي ودستور 16 تموز 1970 على يد الاحتلال بعد 9/ 4/ 2003 ما يكشف عن مخاطر الدستور السياسي. ومثل ذاك ما نخشي تكراره مجدداً في دستور العراق حتى ولو كتب له النجاح لأنه يمثل خيارات وأمنيات ونيات الزعامات السياسية الجديدة لا خيارات وأمنيات وطموح الشعب العراقي