انقاد الجميع باستثناء القليلين وراء الجدل حول الكتلة الأكبر (الصحيح: الأكثر عددا)، دون الالتفات إلى أن المادة المعنية لا تنطبق دستوريا على الحالة الراهنة التي يمر بها العراق. طبعا اللاهثون وراء تحقيق تطلعاتهم غير المشروعة من السياسيين محاولين استغفال الشعب، أو بعض الغشماء، وفرض إرادة دولة ولاية الفقيه، يعلمون يقينا إنها لا تنطبق، ويعلمون يقينا إنما هم يكذبون.
فلننظر ماذا تقول بالضبط المادة (76) في (أولا) منها:
يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
هل انتخب الآن رئيس الجمهورية، حتى نحسب خمسة عشر يوما من يوم انتخابه؟ بكل تأكيد لا.
أما الكتلة الأكثر عددا المشار إليها، فهذا يتعلق بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، ثم انعقاد الجلسة الأولى وانتخاب رئاسة مجلس النواب، ثم تشخيص الكتلة النيابية الأكثر عددا، لتقدم مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء. إذن هذه المادة لا تعالج تكليف رئيس وزراء بعد استقالة أو إقالة رئيس مجلس الوزراء السابق، كما هي حالتنا الآن.
كذلك جرى قبل مدة الكلام عن حلول رئيس الجمهورية محل رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب، وتبين خطأ ذلك، حيث إن نص (أولا) من المادة (81) المتعلقة بذلك هو كالآتي:
يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان.
هنا ليس هناك خلو، وهذا ما قاله رئيس مجلس الوزراء المستقيل، فأثيرت ضجة ضد قوله هذا، دون الالتفات إلى أن ما قاله صحيح دستوريا. فالخلو يكون في حالات كالموت، أو الموت السريري، أو الإعاقة التي لا يستطيع معها القيام بمهامه، أو فقدان القدرات العقلية، أو ما شابه، وبالتالي فهو يبقى للأسف رئيس حكومة تصريف أعمال، حتى يجري تكليف مرشح رئيس مجلس وزراء آخر، وهنا سكت الدستور للأسف عن قضيتين، فهو لم يحدد مدة يجري خلالها أو بأقصاها التكليف المذكور، ثم سكت الدستور عن شروط المرشح المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة. بل هو أي الدستور لم يحدد شروطا حتى عند إخفاق مرشح الكتلة الأكثر عددا بعد الانتخابات النيابية، بل ترك الأمر لرئيس الجمهورية، حتى بدون الرجوع إلى مجلس النواب، ولا السؤال عن الكتلة الأكثر عددا، ولا التي تليها عددا، في حالة إخفاق مرشح الكتلة الأكثر عددا، حيث نصت المادة (76) في (ثالثا) منها على الآتي:
يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة.
«مرشحا جديدا»، وحسب. إذن ترك الدستور كامل الحرية لرئيس الجمهورية في اختيار من يكلفه بذلك، ممن يرشحهم النواب، بحيث لو أراد أن ينفرد بقراره باختيار مرشح لثلاثة نواب فقط، أو حتى لنائب واحد، فلا أحد يستطيع الاعتراض عليه، سوى أن مجلس النواب يمكنه أن يمتنع عندئذ عن التصويت لمنح هذا المرشح وكابينته الثقة بالأكثرية البسيطة المطلوبة، من هنا فمن غير المتوقع أن يجازف رئيس الجمهورية بتكليف مرشح لا يحتمل حصوله على موافقة أكثرية مجلس النواب. لكن حالتنا الراهنة أيضا لا علاقة لها بالحالة المذكورة في (ثالثا) من المادة.
إذن لا (أولا) من المادة (76)، ولا (ثالثا) منها، ولا المادة (81) تنطبق على الحالة الراهنة، فهذا ما سكت عنه دستور 2005، كما ترك ثغرات كثيرة، و(متشابهات) تحتمل التأويل لأكثر من معنى. ولا أستطيع أن أجيب على سؤال، هل يا ترى جرى تعمد ذلك من قبل المتنفذين في عملية كتابة دستور 2005، وهذا ممكن جدا، لأنه ثبت لنا أن حسن الظن بهذه الطبقة السياسية ليس إلا وهما لا يعتمده إنسان عاقل. أم جرى يا ترى ذلك لجهلهم وأميتهم في الثقافة الدستورية، وهذا ما له أيضا مؤشرات صحة احتماله.