يمكن أن نستلهم من المشاركة الشعبية والرسمية الكوردستانية والعراقية والأجنبية الواسعة وعناء الحضور في مراسم عزاء المرحوم دلوفان إدريس بارزاني، دروسأ كثيرةً، أهمها أن للعائلة البارزانية والحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه ونائب رئيسه دور أساس في الحياة السياسية الكوردستانية والعراقية، وإنهم مازالوا الرقم الأهم والأصعب الذي يحدد الكثير في العملية السياسية في كوردستان والعراق، وأن الطرق أغلبها، إن لم تكن كلها تؤدي الى صلاح الدين، حيث مقر البارزاني والمكتب السياسي لحزبه الفاعل، الذي يمتلك أكبر كتلة برلمانية في برلمان كوردستان وكذلك في البرلمان العراقي. وبإمكانه أن يبقى كقوة قويمة ومبدعة في الفضاء السياسي ليتفاعل مع الأحداث والمستجدات، ويرسم استراتيجيات مبنية على البقاء والديمومة والتعايش والقواسم المشتركة بين شعوب المنطقة، ويعمل وينجح في إدارة الوقائع وتشخیص المصالح الوطنية والقومیة وتحقيق تطلعات وأمال وطموحات الشعب الكوردستاني وتجاوز الأزمات والتصدي للتحدیات والصمود في وجهها.
بعد الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس مسعود بارزاني، وأحداث إكتوبر، تصور الواهمون والراكضون وراء السراب، والهائمون على وجوههم، أن أيام التخلي عن البارزاني والعزلة السياسية والدولية في المحيط الجغرافي وتقیید دور سلطة حكومة الإقلیم الدستورية والسیاسیة والإدارية والإقتصادية قد بدأ، وأننا وصلنا الى وضع لا نحسد عليه، فقدنا فيه الجماهير الكوردستانية وتعاطف وتضامن الدول والشعوب الأوروبية، وتغيرت السياسات والإلتزامات إزاءنا. لذلك تهرب البعض من القوى السياسية على الساحة الكوردستانية من تحمل مسؤوليتها السياسية والتاريخية، وبالذات أصحاب الخطب البائسة والمكررة والممجوجة والشعارات والمصطلحات، والمتلاعبين بالألفاظ والمسميات ومطلقي الوعود والعهود الكاذبة، والواقعين بين فكي الكماشة والقوقعة الحزبیة الضیقة الملیئة بالشعارات الجوفاء، وحاولوا لأجل مصالح وأجندات سياسية ومنافع وقتية ومادية معينة، الظهور كأطراف بريئة أو محايدة أو مترددة من تلك العملية ونتائجها وتداعياتها، أو التبرير لتصرفات الآخرين ضد الكورد، تهرب يمكن أن يصل الى مستوى الخيانة التي لاتغتفر والتي ستبقى طويلاً في ذاكرة الكوردستانيين، وسترافق المتهربون عقوداً طويلة وعلى إمتداد تاريخهم، تهرب عمق الحزن والألم والذهول أكثر من آثار الصدمة التي تلقاها الكوردستانيين من الخائفين على التغيير، وأعطى فرصة كبيرة للآخرين لإختراق لحمتهم وبث بذور الفرقة والفتنة والشقاق بينهم. كما إستغل هؤلاء وغيرهم، قرار تنحي الرئيس مسعود بارزاني عن منصب رئاسة الإقليم، الذي لم يكن مفاجئاً، والذي لم يخرج من بين الرمال المتحركة، كما وصفه البعض. فمن تابع كلمات الرئيس بارزاني خلال السنوات الماضية وبالذات بعد 2012، أثناء المعركة السياسية في الاقليم، وعندما مدد برلمان كوردستان فترة رئاسته للإقليم، وقبل عملية الإستفتاء، يتذكر أنه إختار لغة الحكمة والأمر الواقع، وأكد أكثر من مرة رغبته في أن يكون بيشمركه أكبر من أن يكون رئيساَ، ودعى البرلمان والأطراف السياسية الكوردستانية، للإتفاق على موعد لإجراء الإنتخابات الرئاسية، أو التوافق على شخص معين ليتولى رئاسة الإقليم لحين إجراء الإنتخابات، كما أنه تعهد بالتنازل عن المنصب بعد الإستفتاء، وإنتهاء مهمته في الرئاسة، مع عدم مغادرة الميدان السياسي.
ما شهدناه قبل أيام، من خلال المشاركة الجماهيرية والرسمية والحزبية الكوردستانية والعراقية والأقليمية والدولية في مراسم العزاء، سواء بالحضور المباشر أو عن طريق وسائل الإتصال، هو دليل مقنع على أن الإرادة الصلبة تجعل المستحيلات ممكنات. ودليل على أن العالم الذي لم يكافئنا على صبرنا وعلى ما تحملناه من فواجع وما دفعناه من أثمان باهظة طوال سنوات كفاحنا من أجل البقاء والحفاظ على هويتنا القومية، لم يتخلى عنا. ودليل على خطأ فادح للغافلين والمستغفلين الذين صدقوا أن نجم الكورد قد أفل. ودليل على أن البارزاني الذي لاینحني للإملاءات الإقلیمیة الهادفة للنیل من إرادة الكوردستانیين، لايختلف سواء جلس في قصر الرئاسة، أوتحت خيمة في سفح جبل، أو في خندق مع إخوانه وأبنائه البيشمركه، وسينصفه التاريخ لأنه سعى الی التقارب والوحدة وجمع الطاقات المادیة والمعنویة في إطار فكري و سیاسي وإقتصادي وعسکري وإجتماعي لتجاوز الأزمات والتصدي للتحدیات والصمود في وجهها.