تتجه معظم أنظار شعوب المعمورة الى موسكو، حيث نهائيات كأس العالم، وفي كل مباراة تكتم شعوب أنفساها وآخرى تتنفس الصعداء، وينشغل العالم وتخرج الناس للشوارع، ويحضر الملوك والقادة والرؤوساء ورجال الأعمال والرجال والنساء والأطفال، وصور مختلفة تحكي ثقافات شعوب متنوعة، ومنها دروس للحياة العامة والسياسية، ودول سيتعرف العالم على ثقافاتها وسياستها ورؤوسائها من خلال كأس العالم.
المونديال فيه فرق كبيرة بتاريخها الرياضي وبعدد شعبها، وصغيرة تأمل الوقوف على منصات التتويج العالمية، وماله من مردودات إقتصادية وإجتماعية وعلاقات دولية.
دروس المنافسة كثيرة لم يعشها العراق سوى مرة واحدة عام 1986م، ولم يشعر بنشوتها دون أيّ فوز، ولكنه يرى اليوم كشعب وبفضل التكنلوجيا أهمية المشاركة في المحافل الدولية، ويكشف عن حاجة دولة لتعلم دروس من دول سبقته في أكثر من مضمار.
في البطولة يحضر الرؤوساء كمواطنين، ومشجعين لفرقهم ويجلسون مع جمهورهم، ويدفعون ثمن تذاكرهم من مالهم الخاص، وفي كأس العالم لا يفضل لاعب على آخر سوى بالأداء، ويستبدل أي لاعب سواء سجل هدف أو هدفين حسب حاجة الفريق، وعندنا يستنكف المسؤول من الحضور الى كارثة إنسانية، ولا يُشارك شعبه بأفراحه، ومن يسجل إنجاز يساومنا عليه وكأنه متفضل وأن كان أقل من واجبه، ويفرض نفسه سيداً وعلى الشعب أن يكونوا عبيداً يقبلون كل هفواته اللاّحقة، ويكرم صاحب الهدف ولا يكرم الفريق.
في المسابقة خسر الكبار وسقطت مراهنات فرق على تاريخها أو على لاعب بذاته، والكبير قد يسبقه الصغار، واللاعب لوحده لا يحقق إنجاز دون فريق متكامل منسجم بلا أنانية فردية، وفي البطولة تراجع أفضل لاعبي كرة القدم مع منتخباتهم الوطنية، مقابل تميزهم في الأندية الخاصة، والفرق بين الحالتين أن الإنجاز لا يمكن بتغذية الشعارات دون مكافئة المُنجز وإعداد فريق منسجم بخطة واضحة واقعية.
لا يبنى الواقع على ماضٍ ميت لا ينفع، وحاضر متخبط لا يُفكر بمستقبل، ومن يعتقد نفسه كبيراً عليه مجاراة المتغيرات في الحاضر والتخطيط للمستقبل.
في كأس العالم يتعانق أعضاء الفريق سواء فازوا أو خسروا، وينزل الرؤوساء لتهنئة اللاعبين، ولا يُحمل شخص لوحدة مسؤولية الخسارة، ولا يجيّر الإنجاز لآخر، ولا شكوك بعدم وجود إخلاص لاعب أو خيانة وتآمر، وتبتهج الشعوب لفوز فرقها ويشاركهم الرؤوساء، ويخسرون من نفقاتهم الخاصة لصنع مجد بلدهم، وتصبح لهذه الدولة مكانة بين الأمم تتحدث عنها أجيال وعن قصة نجاح صنعها فريق، وستذوب الخلافات الإجتماعية ويبدأ ذلك البلد بالتفكير، لإنجازات في مجالس السياسة والإدارة والتنمية، وشرعية النظام السياسي وحب الشعب لبلده.