بين الحياة الحزبية والفعل الجماهيري غير المنتمي:
من خلال الأداء السيئ والمسيء إلى الوطن والمواطن من قبل الأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي منذ 2005 تولدت خيبة أمل لدى الشعب العراقي من الأحزاب، وجماهير الشعب محقة في موقفها الرافض للـ 99% من الأحزاب السياسية القائمة. ولكن الديمقراطية لا تتقوم إلا بالتعددية، طبعا التعددية السياسية القائمة على مبدأ المواطنة، وبحسب تنوع الفكر السياسي والبرامج السياسية للأحزاب، وليست التعددية الطائفية والعرقية، القائمة على مبدأ دولة المكونات، والتقسيم المجتمعي على أساس الأديان والمذاهب والأعراق. والتعددية بدورها لا تتقوم إلا بالحياة الحزبية. فليست المشكلة في الحياة الحزبية، بل المشكلة في الأحزاب القائمة على أساس الدين أو الطائفة أو العرق، وفي أحزاب الأشخاص وأحزاب الأسر، وفي الأحزاب الفاسدة، والأحزاب التي لا تملك برنامجا حقيقيا من أجل تلبية احتياجات المجتمع وحل مشاكله، على الصعيد الاقتصادي والتعليمي والثقافي والخدمي. وهذا يتطلب تعديلا دستوريا يحظر بموجبه قيام أحزاب غير قائمة على أساس المواطنة، وكذلك يحظر جميع الأحزاب التي تورطت بالفساد المالي والإداري، أو بأعمال العنف، أو بتسييس الدين والطائفة. إذن علينا البحث في شرعية وأداء حزب الدعوة، والمجلس الأعلى، وتيار الحكمة، وحزب الفضيلة، والتيار الصدري، والحزب الإسلامي، والديمقراطي الكردستاني، والوطني الكردستاني، وكذلك الأحزاب السنية.
بين دولة المكونات ودولة المواطنة:
وفي ضوء ما مر في النقطة آنفة الذكر، لا بد من التحول من دولة المكونات إلى دولة المواطنة.
بين إسقاط النظام وإسقاط الحكومة وإصلاح النظام:
من الأمور التي يحصل خلط فيها، هو الخلط بين النظام القائمة عليه الدولة، وبين السلطة الحاكمة، فعندما تفشل السلطة، وتفشل الأحزاب المهيمنة على المشهد السياسي، وعندما لا يكون أمل في إصلاح السلطة أو إصلاح تلك الأحزاب، أو حتى إصلاح البرلمان، فيجب إسقاط تلك الحكومة، إما بآليات دستورية عبر سحب الثقة من قبل مجلس النواب، وإما بالفعل الجماهيري، وكذلك إسقاط الأحزاب المسببة لكل ما يعاني منه المواطن من سوء الخدمات والبطالة والفقر والأداء اللاديمقراطي واللادستوري والعنف والطائفية وانتشار المخدرات والسماح بتغلغل وتجذر النفوذ الأجنبي، لاسيما نفوذ النظام الإيراني وتدخله السافر في الشأن العراقي بما فيه ضرر فادح على العملية السياسية والسيادة الوطنية. فالنظام هو ما تعبر عنه المادة الأولى من دستور 2005 بأن «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق.»، وهذه المادة تقابلها المادة الثانية من مشروع دستور دولة المواطنة والتي تنص على أن «جمهورية العراق دولة ديمقراطية علمانية، اتحادية واحدة، مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها نيابي». إذن عناصر نظام الدولة العراقية حسب دستور 2005 هي إن الدولة العراقية: 1) جمهورية، 2) اتحادية، 3) واحدة، 4) مستقلة ذات سيادة كاملة، 5) نيابية، 5) ديمقراطية. وليس من عنصر من هذه العناصر مما يراد تغييره، فلا نريد للعراق أن يكون دولة ملكية بدلا من جمهورية، ولا مركزية بدلا من اتحادية، ولا متعددة بدلا من واحدة، ولا فاقدة الاستقلال أو ناقصة السيادة بدلا من مستقلة كاملة السيادة، ولا ديكتاتورية بدلا من ديمقراطية. يبقى هناك فقط من يطالب بالعودة إلى النظام الرئاسي بدلا من النظام النيابي، وقد جرى بيان الإشكالات على النظام الرئاسي في النقطة الأولى. نعم هناك تشويه للديمقراطية، وسوء تطبيق للفيدرالية، وسوء أداء لمجلس النواب، فالعيب إذن ليس في النظام، بل في القائمين عليه من سياسيين وأحزاب سياسية.
أتمنى على قادة الحراك الشعبي الشبابي الثوري أن يتأمل في هذه النقاط، وكما بينت، دون أن أسمح لنفسي بمزاولة دور الوصاية، بل هي نصائح ناصح صادق مجرب مستقل. ولكم الخيار ولكم القرار، فأنتم أصحاب الشأن.