الوفاء شيمة الاوفياء كما يقال عن هذه الصفة المتعالية في البشرية والكلمة النبيلة والعطاء الصعبٌ، ما أجمله من خُلق! وما أرقها من خُصلة! وما أسماها من صفة! الوفاء خلق جميل، وكنز ثمين . و النفوس العظيمة تأبى إلا أن تعطي، وهي لا تنتظر تقديراً ولا ثناءاً، تعني الأخلاق الكريمة وصدق اللسان والفعل وحفظ للعهود والوعود، وأداء للأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة والاخلاق الحميدة الشاملة والفطرة السليمة للانسانية وصفة من صفات النفوس الشريفة والمهذبة، يعظم في العيون، وتصدق فيه خطرات الظنون. من الصفات الخلقية الاجتماعيةٌ والخصال التي تتمثل فيها التفاني؛ من أجل شيء ما بصدق خالص، و صفةٌ تتحلى بها النفس الكريمة النبيلة ذات التربية الأصيلة في كيفية التعامل مع الناس والتودد والاقتراب إليهم وكسبهم من خلالها وعندما يبلغها الإنسان بمشاعره وإحساسه فإنه يصل إحدى مراحل بلوغ النفس البشرية لفضائلها .قال تعالى في كتابه الكريم ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ )( 91 :النحل ) و قال تعالى: ” وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ” ( البقرة:40 )، والوفاء في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها الانسان الصادق ، والكذب في الوعد وفي العهد من الرذائل الخلقية التي يجتنبها ذو الاخلاق الحميدة ويلتزم بها اصحاب الذمم الضعيفة .
وقد قيل: إن الوفاء محاسنة ، والوعد سحابة، والإنجاز مطره، عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه واله وسلم يقول “.. لا دين لمن لا عهد له”
وقال صلى الله علية واله بحق وفاء خديجة سلام الله عليها : (مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ)صدق رسولنا الكريم.
وقد جمعهما الشاعر طُفَيْل الغَنَوِيُّ في بيت واحد في قوله
: أَمَّا ابن طَوْقٍ فقد أَوْفَى بِذِمَّتِه*** كما وَفَى بِقلاصِ النَّجْمِ حادِيها …وَفَى يَفِي وَفاءً فهو وافٍ … في اللغة.
وهو أن تكون صادقاً بوعودك مع الآخرين وتفي بما تعهد ، والوفاء أصل الصدق والإخلاص، “جعل الله سبحانه وتعالى للمجتمع السليم قواعدَ يقوم عليها، إنْ تعاهدها المرء بالرعاية صلح أمره وارتفع شأنه، وإن أهملها تداعى البنيان وعمَّ الخراب، ومن تلك الأسس العظيمة التي أمر بها الإسلام ورسخها في نفوس أبنائه (الوفاء بالعهود والمواثيق)، وقد دلت آيات القرآن الحكيم ، وأحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وبيّنت شناعة جرم من نقضهما، أو أخل بهما، وقد يصل الإخلال بهما إلى الكفر كما حدث لبني إسرائيل وغيرهم حينما نقضوا العهد والميثاق مع ربهم ، وتركوا ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به ، ومتابعة رسله . قال الله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) الإسراء /34. او قوله سبحانه وتعالى في كتابه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] ويقول:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون) ) الصف:2، 3) ، فمن وعد إنسانًا وعدًا فإن عليه أن يفي بوعده إلا أن يكون الوعد وعدًا بمعصية أو بما فيه مفسدة، أو ما إلى ذلك؛ فإنه لا يفي به بل عليه أن يخلفه . لأن الوفاء منهج إيماني صريح، يؤكد مبدأ الصدق والثقة بين الناس، وبغيابه ستمدُّ الخيانة رأسها، وسيعمُّ الغشُّ والغدر، وستنتشر العداوات بين الناس انتشارَ النار في جمر الغضا”.هذا ما نشاهده هذه الايام من قبل المسؤولين مع الاسف فلا عهد لهم ولا وفاء . عن أمير المؤمنين علي عليه السلام:”أيّها النّاس إنّ الوفاء توأم الصّدق و لا أعلم جُنّةً أوقى منه. ولا يَغْدِرُ من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كَيْساً و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله .
اما الوفاء في اللغة فهو ضد الغَدْر، يقال: وَفَى بعهده وأَوْفَى بمعنا وقيل: وفي… الواو والفاء والحرف المعتلّ: كلمةٌ تدلُّ على إكمالٍ وإتمام. منه الوَفاء: إتمام العَهْد وإكمال الشَّرط. ووَفَى: أوْفَى، فهو وفِيٌّ. ويقولون: أوْفَيْتُكَ الشَّيءَ، إذا قَضَيْتَه إيّاهُ وافياً. وتوفَّيْتُ الشَّيءَ واستَوْفَيْته، [إذا أخذتَه كُلّه] حتَّى لم تتركْ منه شيئاً. ومنه يقال مات: تَوفَّاه الله.وقد قال الشاعر في الوفاء :
إذا قُلْت في شيء نعـم فأتمه.. .. .. فإن نعم دين على الحرِّ واجبُ
وإلا فقل:لا،تسترحْ وتُرِحْ بها.. .. .. لِئلاَّ تقـول النـاسُ إنك كاذبُ
اوكما يقول الشاعر :
شْدُد يَديك بِمن بلوت وفاءه … إِن الوفاءَ من الرِّجَال عَزِيز
وهو ضد الخيانة، و من الشيم النبيلة التي تحلت بها الامم منذ الجاهلية وأبقى عليها الإسلام لأثرها العظيم في مجتمعاتنا ولأنها أساس علاقات الناس مع بعضهم البعض، ولا تبنى العلاقات الإنسانية إلا به، فإذا كنا حريصين على استمرار هذه العلاقات كان لابد لنا التحلي به، وحثَّنا ديننا الحنيف على حبِّ الوطن ولا يكون ذلك إلا بالإخلاص له فقد كان الرَّسول -عليه السَّلام- خيرَ مثالٍ على ذلك حين أجبر على فراق وطنه مكة المكرمة فقال: “ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك” ومن هنا نتعلم من رسولنا و قدوتنا حب الوطن والإخلاص والوفاء له، ويعتبر الوفاء من أخلاق الاقوام الأصيلة، حيث إن الرجل منهم كان ينطق بالكلمة فتصبح عهداً، عليه أن يفي به وإلا عرّض نفسه للتجريح .الوفاء هو المحك الحقيقي لفرز البشر ويجب علينا أن لا نعتمد على ظواهر الصداقات التي تتحكم فيها المصالح، وإنما يجب أن نعتمد على الوفاء الذي يظهر من وسط المعاناة ومصائب القدر.وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم 🙁 بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) 76 ال عمران .