18 ديسمبر، 2024 8:40 م

دروب الليل تحاكي الأزمنة

دروب الليل تحاكي الأزمنة

قراءة في ديوان ” تجليات عين الشمس ”
للشاعر عبد الزهرة لازم شباري
يمشي في دروب الشعر عبر محطات أبت أن لا تفيق , ويعيش الآهات التي تمضي به على درب الأشواك في متاهات العمر, مع وجع يشبه الموت عندما تسري في مرايا الصمت لجسد نحيل , يصرخ الجرح ويكابر كوحش يزرع حزنا ً ويعدوا وحيدا ً في دروب الأسى حاملا ً ما تبقى من قلبه الشفيف , موحشة تلك الأيام التي ترتشف الدفء من في ّ النخيل , يحمل مدية الموت عندما يبوح القلب بتنهداته التي تستظل بابتهالات الصدور ..
في دروب كانت الأشواك
مرآة من الآلام تسبر من
صباحات أبت ألا تناغي
الليل في دفق الدموع
في دروب ..
آه ما أشقى دروبي
وهي تسري في مرايا الصمت
عن مؤسسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع / القاهرة صدرت للشاعر عبد الزهرة لازم شباري المجموعة الشعرية ” تجليات عين الشمس / 2018 “, وتتضمن ( 47 ) قصيدة .. يعبر فيها عن وضوح الصورة الشعرية والتي تعتبر نقطة جذب للقارىء والمعتمدة على مهارة الشاعر وكما يقول ” سي .دي . لويس ”
( الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات )
من هنا أمتلك الشاعر عبدالزهرة سيطرة كاملة على اللغة حيث أستهل في مقدمة المجموعة عن ” كون الشعر بوح وفيض من الوجدان , وعبق من الضمير , وهو أذ ينطلق يلامس القلب ويدلف الى مسارب النفس فيعانق ما تهيم به من الفضاءات اللامتناهية من الهموم والتطلعات والرؤى ” .
يقول الأستاذ الدكتور سوادي فرج مكلف / جامعة البصرة في مقدمته للمجموعة الشعرية ” عندما يتأمل القارىء في هذه النصوص الشعرية ويجيل فيها نظره يجد إنه أزاء موهبة أدبية تتفجر كالنبع المترقرق خيالا ً وصورا ً ولغة شعرية تلامس شغاف القلب ” .

قصائد حملت أثير العمر من رحم الزلال , قلق يباغت السكون الذي ينزف دما ً من دفق الحياة , غضب يطرق في حده الموت ويرتدي ثوب الفراق, مع وجع ينقر في ثنايا الروح وقصائد تذيب العمر في سبخ الحياة , الأرض تندى من جراح الموت وتصرخ ياعراق !! يمشي بلا دليل ويطوي الخطى متعثرا ً في محنته ويهيم بين المواجع والأحزان , تغرس الروح وترنو الى وطن يندب المراثي خلف مزمار الجنوب ..
آه .. وآه
لكنه وجع يراق ْ !!
إن قل بوحي للعراق ,
فمآذن الشطآن تهتف
يا عراق ,
إن قل بوحي للعراق
فبكل سارية أراك
على البراق !
وبكل مفردة تفجر في
دمي أحلى العناق !

يقول الكاتب ” رمضان الصباغ ” :
” إن التجربة الشعرية إذ تضرب بجذورها في أعماق الذات الشاعرة معتمدة على الطاقة الهائلة المختزنة في أعماقها , والقدرة الفائقة على التوصيل والتفاعل , فأنها أيضا ً وثيقة الصلة بالواقع , بكل ما فيه من غموض والتباس , وكل ما يطبعه على ذهن الشاعر من سمات , وما يجذرّه في أعماقه من رؤى ” .

وبناء ً على ذلك نجد أن الشاعر ” عبدالزهرة لازم ” يقدم بعملية الأبداع من خلال ما تقدمه له الخبرة والتجربة والأنطباعات التي تقدمها له الحياة , فأصبح يعبر عن الحياة اليومية بكل تفاصيلها ومفرداتها من خلال موقف فكري عميق عبر أشكاليات الحياة والموت ووجع الوطن وجراحاته .
نخل حزين ومطر تحدّر من سحاب , وأسئلة تجثوا على صدره , ممتشقا ً صهيل الصمت من نجيع الدم في رحم التجلي , مع دموع فوق هامات الجراح التي أدمنتها العيون , يمشي حاملا ً قزح الثريا في فضاءات فوق هامات من الماضي الكئيب , يلم مواجع الآهات ويبحث عنها في صهيل الذكريات , ويطير بعيدا ً يحلق في فضاء العتمة التي تهطل مطرا ً أسودا ً على لحاء الأرض ..
أشرعة الدبق الوالهة
بالخطايا
لا يهمها الأنين المنبعث
من بين جذاذات
الأحياء والأموات
والروائح المنبعثة
من مشارط البياض
في المقابر الموبؤة ,
لا تعطى معنى للحيوات !!

يذيب كل دفاتره كالشهد في مطر الشتاء , يبكي للشمس حاملا ً آيات المغيب , وعلى صدى نغمات صوته يمضي مع خيال المتعبين , يدفن كل مواجعه بعطر الأرض التي أدمنت منها الشظايا والحروب .
الليل علمّه ُ البكاء فوق أرصفة القهر , ويكتب مواويل لمدينته البصرة عن إناس عاشوا على وهم بلا ذكرى تؤرق نومهم , يمشون في دروب النخل وأفواه النوارس التي تفترش الظلال .

لكن للبصرة قلبا ً
يلم حكايا الأولين ..
وينفرج كأنفراج الطلع ..
والحناء في قلب حنين ,
ولي في سطور القوافي ..
مذابح للرؤيا ..
وبراكين تعربد في دمي ..
وتختلج من صبوات الرؤى
أرق آيات البنفسج ,,
والياسمين,

همسات تهجد من لهاث الروح , وارتعاشات خوف وموت متعب بالآه المعبأ بشجون الليل , يبحث عن مواويل إذا ما الشعر راوده في ساعة النجوى , يختلج الرؤى ويلوذ ما بين الدمع والصمت حاملا ً نص القصيدة في متاهات أحتضاره , لا يهمه الأنين المنبعث من بين تجاويف الأرض المسحوقة ..
وأنا المسكون في ,,
بئر كثيف
وبأي أشرعة سأبحر
ساريا ً فوق السحاب ,
أنى يعيد الشعر شجوا ً
على أنوار سارية العتاب ,
وترى نزيف الشعر
يرقد في دمي ,
ويعيد أسفارا ً تضج حروفها
وصنوفها جملا ً ..

في عالم يسرق ضوء الألق الكوني , ويطير بعيدا ً فوق سفوح الريح يستظل بهواجس الليل كالغيم في سفر السحاب , يلثم وحدته بين مواجع حملت فصول الصمت وتاهت في زوايا النبض عندها يعزف من قيثارة الآهات الحانا ً , كي تمضي سنين الخوف عبر مدارات التوجع والآلام في زمن الضياع ..

لا ضوء يوصلني
إذا ما الليل غادر مفرقي
ومضى يعربد في مهب الريح
يعوي بالعراء ,
هلا يغادرني المساء ؟
وشذى نسيم الصبح ..
يقضي بانحراف سفينتي
الثكلى على الآهات ..
والصمت الرهيب ,

أنين صمت الروح يختلج الرؤى ويبكي حاملا ً للشمس آيات المغيب , يرتشف الآه من وحي الحياة ويتكأ على فصول العمر في درب النهايات الأليمة , يتعلل في منافي الروح حيث المرايا تلعق الأشواك من شفق الشظايا والسديم , يبوح وجع القصيدة وهي تأسر القلوب وتهمس في سكون الليل وتجمع من قتام الضوء أروقة المساء ..