18 ديسمبر، 2024 8:40 م

درس من موريشيوس .. الأقلية تكسب

درس من موريشيوس .. الأقلية تكسب

صراع السلطة في العراق يعتمد على خيارالأغلبية الذي فرض نفسه على أساس طائفي، مغيباً الهوية الوطنية، والمساواة بين العراقيين كما نص عليه الدستور، وتحاول القوى السياسية المتنفذة، أن تقدم الأغلبية بقالب جديد، بعد فشل الأنموذج السابق، وهي تستقتل لإجراء الإنتخابات، برغم الظروف غير المواتية لها، مستثمرة الوضع الذي لا يسمح لمنح فرص متكافئة للناخبين، ولاسيما في المدن المدمرة نتيجة العمليات العسكرية، ونزوح الأسرمنها، لتحقيق الأغلبية الطائفية نفسها، لكن برداء الأغلبية السياسية هذه المرة.
لن نسمع برنامجاً وطنياً، ولا تطلعات للنهوض بالواقع العراقي، سياسياً، وإقتصادياً، وإجتماعياً، ولاحتى فكرة حلم مؤجل لتجاوزأزمات متفاقمة، أخذت تعطي صفات تكوينها العام على مستوى الوطن، فيما تعاد تلك الإسطوانة المشروخة، عن مظلومية الأغلبية، وتحشد كل الطاقات لرسم شكل السلطة، بعيداً عن مفهوم دولة المواطنة، وكأننا في تنافس على إمتيازات ليس الا.
موريشيوس، كثيرون منا لم يسمع عنها، لكنها إستطاعت أن تتجاوز منظورالأغلبية والأقلية، وتعطي لنا وللإنسانية، درساً مهماً في بناء الدولة المدنية، ولعلنا نستطيع أن نستثمر تجربتها، قبل أن يفوتنا قطار الإنتخابات، ونبقى نعيش حسرة الحبر البنفسجي، ونعض أصابع الندم، وعلينا أن نستوعب الماضي ولانلدغ مرة خامسة. جمهورية موريشيوس، ياسادة ياكرام، دولة إفريقية صغيرة، المسلمون فيها يمثلون الأقلية، إذ يشكلون17% فقط من سكانها، ومع ذلك اختار الشعب رئيسة مسلمة، هي الدكتورة امينة غريب فقيم، عالمة الكيمياء العضوية، وهذا اللقب العلمي الذي تحمله، حقيقي، وليس مزور، أو منتحل، كما أن الواجب الوطني هو من دفعها لتكون على رأس هرم السلطة، ومما قالته في هذا الصدد : “اختارتني السياسية وانا لم اخترها”.
وفي ظل مجتمع متعايش، تذوب الهويات الثانوية لصالح المواطنة، وتشتدد أواصر الإنتماء الوطني، وتتحول السياسة الى أسلوب للحياة، ينسجم من خلالها الجميع، ويتفاعلون لبناء بلدهم.
ولاتستغرب، عندما تعرف، أن موريشيوس أغنى دولة أفريقية، وقبل أن تشطح بك الأفكار بعيداً، نفط، ذهب، معادن، لا، إنها لاتملك الموارد التي عندك، فهي تعتمد على الزراعة والسياحة،لاغير، الا أن أصل ثرائها يكمن في نزاهة حكامها.
أما دخل الفرد فيها فيصل الى 19600 دولار، وهو الأعلى على مستوى القارة السوداء، ولا يوجد مشرد، بلا مأوى، فـ 90 % من مواطنيها يملكون دوراً، وخيارات أية أسرة جديدة متاحة للتملك، من دون إنشطارات داخل البيت الواحد.
ومع ثرائها، يأتي الإنفاق العسكري في هامش الميزانية، فالحرب، وطبولها ليست من أولوياتها، بل يرتكزالصرف الفعلي على الصحة والتعليم والخدمات، كون العلاج والرعاية الصحية، والتعليم، مجاني، وعلى أعلى مستوى، وليس مجرد مجاني أو مدعوم والسلام.
وقبل أن نودعكم، نضع بين أيديكم الشعار الذي تتبناه هذه الجمهورية ” تدمير أية أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية ، أو صواريخ بعيدة المدى، بل يحتاج أولاً إلى اللعب في منظومة التعليم، فانهيار التعليم هو انهيار الأمة، وثانياً وضع الإنسان في غير مكانه المناسب.