الرواية الشهيرة لنيكوس كازنتزاكي ((زوربا)) اكثر من رواية رائعة ومن فلم سينمائي جميل، بل فيها عظات وعبر. من هذه الدروس العملية الرائعة التي تقدمها الرواية مشهد يكون فيه زوربا بصحبة المهندس في ضيافة رجل قروي ويستنكر المهندس اسلوب القروي الذكوري في التعامل مع زوجته ويعرب المهندس عن عدم رضاه عما رأى ويشكو ذلك لزوربا. فكان جواب زوربا له: فيم كنا نتحدث بالامس يا سيدي.. كنت تقول أنك تريد أن تفتح عيون الناس، حسنا. اذهب وافتح له عيينه. لن تكون النتيجة الا تعكير صفاء الاسرة، واثارة المتاعب، واغراء الدجاجة بأن تصبح ديكا.. كلا يا سيد، دع هؤلاء الناس وشأنهم، ولا تحاول أن تفتح عيونهم.. وهب أنهم فتحوا عيونهم فماذا سيرون؟ البؤس.. ولا شيء غير البؤس.. دع عيونهم مغمضة يا سيدي.. ودعهم يحلمون ويأملون..
هذا المقطع من الرواية يرد الى ذهني مرارا وانا اقرأ او اسمع بعض كثير من الانتقادات التي توجه وهذا بعضها الكثير ينطلق وهو يحمل صفتين بشكل لازم وهما
اولا: انه مجرد نقد لاجل النقد ولا يملك بديلا لما ينتقد وليس عنده اي تفكير بهذا البديل لا من قريب ولا من بعيد
ثانيا: انه نقد عن جهل لا عن علم ولا يكتفي بجهله بل يسير وراء اوهام يعتقد بها ويركب عليها احكاما ويسميها اي هذه الاحكام المستنتجة حقائق مدوية بينما هي ليست الا خيالات فارغة وجهالات عمياء وأوهام مريضة منشأها التصديق بكل شاردة وواردة بلا ادنى تمحيص وتدقيق.
اقول لمن يعارض عندما تعارض بالسب والشتم وباستهداف الذوات كمنهج وليس كحالة استثنائية تستدعيها الضرورة احيانا، فماذا تريد هل تريد ان تنشر البؤس ولا شيء غير البؤس؟ وهل نحن بحاجة لمزيد من البؤس حتى تزيده علينا؟ ام تريد ان تفتح اعيننا وتقدم لنا بديلا عن هذا البؤس؟ الكل يريد ان يغير البؤس ولكن تغيير البؤس لا يأتي عبر انتقاد جهلة بجهل مركب بل عبر مصلحين يمتلكون رؤية واضحة ويمتلكون علما وفهما وادراكا لحاجات المجتمع وتغيير الفاسد ليس بنعت الفاسد بالفساد، فهذه لا تحتاج الى فطنة كبيرة انما التغيير يكون بمعرفة السبيل لاصلاح ما فسد. والا متى كان السباب والشتم حلا؟ بل متى كانت الشكوى من معضلة حلا لها؟ المعضلات والمشاكل تحل بطرق عقلائية وليس بالفوضى والتهريج الاعلامي وتبادل السباب والشتائم. المعارضة عمل رائع ودور كبير يقوم به العقلاء ونخبة الامة لتقويم الاعوجاج الموجود في الواقع وهي ليست عملا صبيانيا ولا طريقا لاجل بلوغ ما فات من الغنيمة. علينا ان نعتبر من دروس ماضينا القريب جدا، بل هو حاضرنا المعاصر فهلا اتعظنا بمعارضة كانت لا تحسن سوى الانتقاد والسخرية والاستهزاء ورفع الشعارات البراقة الكبيرة وعندما واجهت هذه المعارضة لحظة الحقيقة اكتشف الكل انها لا تملك اي مؤهل لادارة اي شيء فضاع البلد واصبحت الكثرة الكاثرة تظن على سبيل المثال وليس الحصر ان القذافي بكتابه الاخضر كان جنة وفردوسا قد ضاعا وهما من الماضي الجميل الذي تحن اليه القلوب، عندما رأت هذه الكثرة جهنم حفتر وجحيم الربيع الليبي. العاقل عندما يرى معارضة كهذه يعرف اي مستقبل اسود ينتظره وسيقول ماذا وراء هولاء من نتيجة سوى تعكير الصفاء، واثارة المتاعب.فدعنا ننعم ببؤسنا كفانا تجارب التغيير نحو الاسوأ.
ختاما اقول الامثال تضرب ولا تقاس والحليم تكفيه الاشارة.