23 ديسمبر، 2024 11:59 ص

-1-
في بطون كُتبِ التاريخ والأدب ، حكايات وأخبار مثيرة، تُسلّط الأضواء على رجال وأفعال، ومواقف وأحداث .
وكلَّ ذلك يُسهم بدرجة وأخرى في إذكاء روح الوعي واليقظة والتأهب لمخاضات الحياة …
-2-
ومما ورد في هذا الباب :
ما ذكره المسعودي في مروج الذهب ج3/133 عن (عبيد الله بن العباس)  حيث قال عنه :
” كان جواداً كريماً “
” وذُكر أنَّ سائلاً وقف عليه فقال :
تصدّقْ مما رزقك الله ، فاني نُبئتُ أنَّ (عُبيد الله بن العباس) أعطى سائلاً ألف درهم واعتذر اليه فقال :
وأين أنا من عبيد الله ؟ “
إنَّ اعطاء السائل ألف درهم قضية يتناقلها الركبان ، بدليل أنَّ السائل الجديد كان قد سمع بها ،
ولكنَّ الأعظم من ذلك ، هو الاعتذار من السائل بعد هذه العطية المتميزة..
وهكذا يُضفي (الجواد) على المِنَح المالية عِطراً من رُوحه الموّارَة بالعَبَق والشذا …
قال السائل :
” وأين أنتَ منه في الحَسَب أم في كثرة المال ؟
قال :
فيهما جميعا “
قال السائل :
( إنّ الحسب في الرجل مُروءتهُ ، وحسنُ فِعْلِه ، فاذا فعلتَ ذلك كنتَ حسيباً ،
فأعطاه ألفي درهم ،
واعتذر اليه “
اذا كان الكلامُ صفةَ المتلكم ، فالسائل هنا كشف عن نفسه ، وأنه أهلٌ للاكرام وهذا ما فعله (عبيد الله) تحديداً
” فقال له السائل :
إنْ لم تكن (عبيد الله) فأنتَ خير منه ،
وإن كنتَ هو فأنتَ اليوم خيرٌ منك أمس ،فأعطاه ألفاً أيضا “
وحين اكتشف (عبيد الله) في السائل فَهْمَهُ وفطنته ، زاد في عطائه …
” فقال :
لئن كنتَ (عبيد الله) ، إنك لأسمحُ أهل دهرك ، وإخالك الا من رَهْطٍ فيهم محمدٌ رسول الله (ص) ، فأسألك بالله أنتَ هو ؟
قال :
نعم
قال :
والله ما أخطأت إلاّ باعتراض الشك بين جوانحي ، وإلاّ فهذه الصورة الجميلة ، والهئية المنيرة ، لا تكون إلاّ في نبيّ أو عترة نبيّ “
قال المسعودي :
” وذُكر أنَّ معاوية وصله بخمسمائة ألف درهم ، ثم وجّه من يتعرف خَبَره ، فانصرف اليه ، فأعلمه أنّه قسّمها في سُمَّاره وإخوانه حصصاً بالسويّة ، وأبقى لنفسه مِثْلَ نصيب أحدهم .
فقال معاوية :
(انّ ذلك ليسوءني ويسرني ،
فاما الذي يسرني فانّ عبد مناف والدُه ،
وأما الذي يسوءني فقرابتُه من أبي تراب …)
أقول :
ولكنّ (عبيد الله بن العباس) لم يستطع الحفاظ على مناقبيته وأمجاده ، فقد باع ذلك كله ، وخان الامام الحسن (ع) – الذي عيّنه قائداً للجيش في معركته مع معاوية –وقَبِلَ ان يبع دينه بالمال، فانتقل الى الضفة الأخرى، والتحقق بمعاوية بالرغم من أنَّ بُسْر بن أرطاة – وهو من جلاوزة معاوية وجلاديه-  ، ذبح ولديه … في اليمن وقالت أمهما ترثيهما :
ها من أَحسَّ من ابنيّ اللذيْن هما
                            كالدرتيْن تشظّى عنهما الصَدَفُ
ها من أحسَّ من ابنيّ اللذين هما
                          سمعي وقلبي فعقلي اليوم مٌختطَفُ
هامنأحسَّمنابنيّاللذينهما
                         مخَّ العظام ، فمخيّ اليوم مزدهف
نُبئتُ بُسْراً وما صدّقت ما زعموا
                           من قولهم ومن الإفك الذي وصَفَوا
أنحى على وَدَجَيْ ابْيّ مُهفةً
مشخوذةً وكذاك الإثمُ يُقترفُ
والأبيات تقطر لوعة وفجيعة وأَلَماً ….
إنّ المعركة بين النفس البشرية وبين الشيطان واغراءاته حامية الوطيس..،
ولابُدَّ ان يكون الانسان – على طول الخطّ – يَقِظاً متأهبا لصيانه نفسه من الوقوع في أفخاخ الشيطان …
والمدار على حسن العاقبة ودوام الاستقامة ….
لقد استطاع الشيطان ان يفتك ب(عبيد الله بن العباس) فتدحرج الى الهاوية بعد أنْ كان في الروابي العالية
وهنا تكمن العبرة .
[email protected]