اللقاءآت اصبحت أقلّ مما كانت سابقا بين زملاء الدراسة في بداية الستينيات بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو , أقلّ عددا وأقلّ عدّة , اذ اننا نتناقص مع الاسف , لكننا – مع ذلك – نستمربالتواصل ( عن قرب وليس عن بعد !) بيننا . دردشنا في اللقاء الاخير- قبل أيام ليس الا – عن الادب الروسي ( الذي يوحّدنا !) كما قال (مبتسما ) ايفان , الذي نسميه فانيا دلعا , رغم الشيب الكثيف والجميل على رأسه وعويناته الطبّية ذات الموديل العتيق ( … والشيب طبعا وقار!) . علّقت فيرا على جملة فانيا حول الادب الروسي قائلة , ان أحد اعضاء اتحاد الادباء الروس أخبرها , ان الوفد الروسي في مصر قد صرّح قبل فترة , ان الادب الروسي ( سيختفي نهائيا !) بعد خمسين سنة من الان في احسن الاحوال , وسيحل محله ادب آخر , أدب مكتوب باللغة الروسية , ولكن من قبل ادباء ليسوا روّسا ولا يسكنون في روسيا , بل في دول اخرى مثل امريكا وفرنسا وانكلترا واسرائيل (و خصوصا في اسرائيل ) , وان هذه ( العملية !) تبلورت بالتدريج وعبر سنوات طويلة , و اصبحت واضحة المعالم في الوقت الحاضر . تعجبنا جميعا من كلام فيرا هذا , وسألها فانيا , وماذا كان رد فعل المستمع المصري على هذا التصريح الغريب ؟ فقالت فيرا , ناقشوهم بحدّة و حتى بغضب شديد , ورفضوا تلك الفكرة جملة وتفصيلا , ولكن الوفد كان من روسيا و يتكلم حول الادب الروسي باسم ادباء روسيا . ضحكنا جميعا من هذا الموقف العجيب , وقالت نتاشا , لا تتعجبوا , فانها تدخل بعض الاحيان في (زوايا ودرابين !) المواقع الالكترونية العديدة حولنا , وتجد مثل هذا الكلام ايضا , فأيّدها ساشا تأييدا قويّا , وقال , انه اطلع قبل فترة على موقع الكتروني اسمه – روسيا وراء العناوين , وشاهد ( العجب العجاب !) . انهالت عليه الاسئلة , وكلنا طلبنا منه , ان يحكي لنا ما شاهده في ذلك الموقع الالكتروني , اذ اننا لا نعرف جيدا كيف نستخدم اجهزة الكومبيوتر , فقال ساشا , ان هناك امراة تسمي نفسها ( ناقدة ادبية ! ) , ولا يتذكر الان اسمها , فسألناه ضاحكين, أليست هي من أحفاد بيلينسكي ؟ فعلق ساشا وهو يضحك , لو كانت من احفاد احفاده لتذكرتها حتما , واستمر قائلا , وقد اختارت هذه ( الناقدة ) مئة اسم من الادباء الروس , مئة من أبرز واكبر الاسماء حسب وجهة نظرها , ووجدت انا شخصيا هناك العديد من الاسماء التي لا اعرفها , بل ولم اسمع بها اصلا , وهم فعلا من هؤلاء الادباء, الذين يعيشون في تلك الدول , وفي اسرائيل بالذات , تصوّروا , لم أجد اسماء مثل – كوبرين او كورولينكو او أندرييف او بيللي او غرين وعشرات الاسماء اللامعة الاخرى في الادب الروسي . صمتنا جميعا بوجوم , ثم خرق الصمت ايغور , وقال بصوته الذي لازال جهوريا , ان بوشكين سيدعوهم الى المبارزة , وهم سيقتلوه مثلما قتله دانتيس , ولكنه سينتصر عليهم في النهاية , مثلما انتصر على قاتله دانتيس . صمتنا مرة اخرى , وخرق الصمت هذه المرّة ساشا نفسه , وقال , الافضل ان يتدخل تولستوي في هذه المبارزة باساليب ( اللاعنف ) العظيمة , التي كان يدعو لها , وهو حتما سينتصر , مثلما انتصر تلميذه الهندي غاندي على الامبراطورية الانكليزية , التي كانت الشمس لا تغيب عنها آنذاك ابدا. ضحكنا جميعا , وقالت فيرا , من الافضل ان يتدخل بوشكين وتولستوي معا في المبارزة هذه , اذ اني أخشى , ان مسدس بوشكين وحده ليس كافيا في هذه الحالة الخطيرة, واستمر ضحكنا , بل وتحوّل الى قهقهات مدوّية , وبدأت تعليقاتنا حول هذه المبارزة المقترحة , وقسم من هذه التعليقات لا يمكن حتى الاشارة اليها في سياق مقالتنا هذه , اذ انها (مملّحة اكثر من اللازم !) , الا ان القسم الآخر طريف فعلا , اذ جاء في تلك المقترحات , مثلا , عدم دعوة ليرمنتوف للمشاركة في هذه المبارزة , لأننا نخاف عليه , فهو لا زال ( يافعا وحزينا , ولم يصبح بعد بطلا في هذا الزمان , رغم محاولاته !) , او , دعوة غوغول للمشاركة بالمبارزة مع بطله الاوكراني تاراس بولبا , كي يعطيهم جوابا صارما على ثرثرتهم هذه , كما أعطى لابنه درسا , عندما انتقل ابنه الى معسكر الاعداء , او , دعوة دستويفسكي مع بطله راسكولنيكوف في رواية الجريمة والعقاب كي ( يؤدّبهم !) كما يجب , او , عدم دعوة تشيخوف لهذه المبارزة , لانه نهائيا دون خبرة برياضة (الملاكمة والمصارعة الحرّة !) …..
اختتم فانيا هذا اللقاء الضاحك والمرح (والحزين ايضا!) قائلا – ماذا سيقول اساتذتنا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو عندما يسمعون بهذه الثرثرة حول الادب الروسي ياترى ؟ قلنا له , لا تخبرهم بذلك , ودعهم يرقدون بسلام , ونحن , تلامذتهم , سنعالج الموضوع ….