19 ديسمبر، 2024 2:14 ص

دردشة بصوت ٍ عالي‎

دردشة بصوت ٍ عالي‎

ان قرار الحكومة بالهجوم الاخير على الأنبار كان صحيحا ً إذ انها لو لم تكن قامت به لما كان علينا سوى ان نعد تنازليا ً وننتظر ساعة الصفر متمثلة ً بهجوم ينطلق من الفلوجة تسانده مناطق حزام بغداد لتشكل كماشة وتنقض لأسقاط الحكومة. وما هذه التداعيات الا حتمية الوصول لنقطة الذروة في مشهد التعقيد العراقي.
لكن قيام الحكومة بخطوتها المباغتة أربك حساباتهم وخصوصا ً القاء القبض على المناطقي احمد العلواني وهذا ما اعترف به علي حاتم أمير داعش عندما قال ” مدري اشلون خضوه من بيناتنا ” أي انه – مندوم- والمندوم طبقا ً للعرف العشائري الذي يتبع له المذكور هو شخص تلحق به من خصمه ضربة تفاجئه فيعجز عن ردها لتوه ثم يبدأ بالبحث عن ردها لاحقا ً بمعونة عشيرته وأعوانه وأبناء عمه.وحقا ً فما المجد الا السيف والفتكة البكر ُ كهذه الضربة النجلاء التي سقطت على رأس الطائفي العلواني.والقول بأن الحكومة تعمدت سحب الجيش من الفلوجة والرمادي حتى تتيح الفرصة لسيطرة داعش عليهما فهو افتراض لو صح فانه يُضفي على الحكومة عبقرية لأنها توقعت وتأكدت مما سيحصل.
ان تدخل الجيش وفرض سطوة الدولة جاء متأخرا ً وكان يفترض ان يحصل منذ مقتل الجنود الخمسة في نيسان 2013 باشتراك قادة الاعتصام السلمي وليس ان تثور ثائرة الحكومة على مقتل الشهيد الكروي وكأنها تثار لقادتها فقط وليس مراتبها.وبالحقيقة فحتى اعرق ديمقراطية بالعالم بريطانيا او امريكا واسوأ نظام كوريا الشمالية يشتركون كلهم بحصر حق حمل السلاح بالدولة,كما ان اكثر نظام حكم أخلاقية وهو حكم الامام علي لم يقتص من الخوارج الا بعد ان حملوا السلاح واخلّوا بهذه الحصرية وقتلوا اثنان من رعايا دولة العدل العلية فاستأصلهم,وحتى ابليس لو شاء الله له ان يؤسس دولة لقال لرعاياه افعلوا ما تشاؤوا فلا ذنوب لدي الا ذنب ان يحمل احدكم السلاح ضدي.ولا اعتقد ان نظام الحكم في العراق يتوجب عليه ان يكون الاستثناء الاول في التاريخ البشري.إذن وبموجب هذا الحق يكون حمل الأحاديات والرشاشات الثقيلة مبررا ً كافيا ً لدخول الجيش للأنبار بلا أي موجب لوجود داعش والقاعدة.
سمعنا ان افرادا ً من جيشنا او مجموعات صغيرة كانوا عندما تضيق بهم الامور يستسلمون للعدو وهي اخبار لا تسوء عندما نقابلها بآلاف من قواتنا الباسلة وبمختلف أصنافها وهم صامدين في جيش ليس فيه فرق اعدام كجيش متحدون – جيش صدام سابقا ً- فجيشنا صمد ولم ينكسر وبذا لن ينكسر بعدها ابدا ً فهذه الحرب الاخيرة جعلتنا نتأكد انه قد بدأت نواة عقيدته تنشأ وتزدهر فالآن اصبحت لدينا عقيدة جماعية للجيش كما وجدت عقيدة فردية لنماذج من منتسبيه منذ 2003.ان العمليات العسكرية الأخيرة هي افضل ما حصل لنا منذ 2003 بل منذ الثمانينات حيث حينها كنا وقودا ً لحرب عبثية ومنذ التغيير اصبحنا محرقة للمفخخات مدن ومدنيين وأطفال والآن انتقلت الحرب الى عقر دار الارهاب ومعقله.
الان الابطال في الانبار يقاتلون تحت عناوين كبيرة دفاع عن الوطن استشهاد لكن مع ذلك تبقى الامور في جوهرها بسيطة واضحة فمن يستشهد يُقتل فيخسر حياته هو بنفسه ولا احد سواه فمن المعيب ان نختزل هذه التضحية ونجيرها لشخص يبني عليها أمجاد موهومة فهذه انتهازية ان آتي لشخص ضحى بحياته لانه كان يؤدي عمله فيجعل احدهم من نفسه بطلا ً قائدا ً وهو في قصره وركبه وامتيازاته وكفانا اختزال للمبادئ بشخص وكفانا خلق رموز نحن ابعد ما نكون بحاجة لها .ونرى تلك المحاولات واضحة بفاصل القسم ” علي عهد الله …..ونحن معكم ” الذي تظهره قناة آفاق وقناة العراقية القناة الثانية للحزب وكذلك أغنية ابو الغيرة المهداة للقوات الأمنية بينما تركيز الصورة على رئيس الوزراء .سأمنا محاولات خلق الرموز وهل وصلنا الى ما وصلنا اليه الا بالرموز اخلقوا المؤسسات والتاريخ سيخلد كل رمز وطني يعمل لوطنه بصمت وتفاني وإخلاص بلا دعاية.
تقول الحكومة ان العراق يقاتل الارهاب نيابة عن العالم وتكرره كخطاب تعبوي.ان هكذا خطابات لطالما سمعنا أمثالها من صدام فالعراق ايضا ً قاتل ايران نيابة عن الامة العربية وخطورة استنساخ خطاب كهذا انه يطبع الوضع القائم في ان العراق لا بأس ان يصبح محرقة نيابة عن العالم إذ استمرار هكذا قتال يعني فشل امني او سياسي للحكومة كما انه يعني شلل تطوير العراق والاستثمار فيه وتوقف نهضتنا الاقتصادية فمع افتراض نجاحنا بإبقاء وضعنا على ما هو عليه فذلك يعتبر فشل ذريع ان هناك دول مجاورة تقطع اشواطا ً كبيرة بالتطور الاقتصادي والاستقرار السياسي بينما نحن مشغولون بمقاتلة الارهاب نيابة عن العالم!!
اما للعراقيين في الانبار فأقترح بعد انتهاء الازمة ان يتم توزيع استبيان ليس عليهم فقط بل على كل المحافظات التي يسمونها الثائرة ” السنية الست ” ليحددوا موقفهم من العراق وممن يشاركهم العيش فيه فيختاروا اما البقاء مع العراق او النظام الفدرالي او الكونفدرالي او الانفصال وبذا نقطع دابر النبرة المتعالية الجوفاء والغير مفهومة التي ترى الجيش وكأنه مكون من ارجاس وادناس لا يجوز لها وطأ ارض مقدسة فلا جنودنا كذلك ولا الانبار.والأعجب ان سياسيين يظهرون على الشاشات وينادوا بهذه الدعوات الاستعلائية بلا أي خجل.
تقول الحكومة ان الجيش الذي يقاتل في الانبار جيش وطني جيش العراقيين جميعا ً في حين رأينا وان على نطاق محدود -ولم تنكر ذلك شخصيات محسوبة على الكتلة الحاكمة- ان راية الحسين قد رفعت فمن جانب هو جيش وطني ومن جانب اخر هو جيش طائفي.ان رفع هذه الراياة يوجه رسالة خاطئة لشيوخ العشائر وابناء المحافظة المتعاونين والظانين الخير بالحكومة ويضعفونهم امام دعاة الطائفية ومروجيها.
ان الحسين ليس بحاجة لراية ترفع وهو سيد شباب الجنة والجيش الذي يقاتل هو جيش الدولة العراقية بكل أطيافها ام هو جيش الحسين !اكيد انه جيش الدولة العراقية وان كان غالبيته من اتباع الحسين كونهم الأغلبية السكانية فلا يعني انه جيش الشيعة ثم كيف تبنى عقيدة للجيش برفع راية غير العلم العراقي.ان الحب لآل البيت لا يكون حبا ً خام يعبر عنه ببلادة وعدم مراعاة لتغير أحوال الدول واستجداد قوانين ومراسيم .فالولاء للحسين مكانه في قلب كل جندي من اتباعه من المنتمين للجيش يعبرون عنه بصورة فردية خارج المؤسسة العسكرية .
ولا ادري هل تعلم الدولة بالراياة التي رفعت فان لم تعلم فأي ضبط عسكري لديها وان علمت فالخطر اكبر. فرفع الراياة والصور يوصل رسالة ان الحرب هي حرب طائفية وهو امر مجرد تخيله خطير اذ انه يعني فتح جبهة تمتد لمئات الكيلومترات وليس في الانبار فقط ابتداءا من الموصل نزولا ً الى كل حدود تماس المحافظات السنية مع الشيعية ويعني وفود آلاف المقاتلين العرب والأجانب ويعني ان دول ستقف بملياراتها معهم كما انه يعني تحويلنا الى جبهة تماس لقتال طويل ومميت لنا قتال مليار ضد 200 مليون .
كما ان ايران ستتدخل لتجعلنا نصمد كجبهة تماس بعيدا ً عنها وهو ما تبرع به وتفضله .اذن علينا ان ننضج ونكف وندرك ان وضعنا الخطر لا يتحمل هكذا صبيانيات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات