23 ديسمبر، 2024 10:33 ص

انتهت الانتخابات ، واغلقت صناديقها لاربع سنوات مقبلة، وبدأ الحديث يتناثر هنا وهناك، عن السباق الانتخابي، والكلتة الأكبر، والحكومة المرتقبة، ودخلنا في معترك جديد، لا ندري كم يمتد من الزمن، ليخلص بعد ذلك الى توزيع الادوار والمناصب.
ما ان اغلقت ابواب العرس الانتخابي، ونشفت الاحبار البنفسجية من الاصابع، حتى سارع المتنافسون الى اعلان النتائج الاولية ، وتوزيع المقاعد، ناسين او متناسين نظامنا النيابي، وكأن هذه الجولة الانتخابية بكل ما حملته من ويلات ومصائب، حروب وحصارات ، واعتقالات وتهجير، تختزل بمنصب رئيس مجلس الوزراء، ولا ندري ان كان الهدف من الانتخابات هو هذا المنصب، فلماذا لا نغير الدستور، ونعيد النظر في نظامنا السياسي ، ليبدل من النظام النيابي الى النظام الرئاسي، وكفى المرشحين عقدة المقاعد، والكتلة الاكبر.
لا شك ، أن تأخير اعلان النتائج الاولية ، والنهائية، سوف يعيد النظر بكثير من الحقائق للعملية الانتخابية كلها، ولعلها اخذت مظاهر عديدة، بدءا من مصادرة صناديق بعض المحطات ونقلها الى مراكز مجهولة، ناهيك عن شكل وطبيعة الاقتراع نفسه الذي شابه الكثير من الخروقات، بفعل الحظر، او التغريق الذي حاصر مناطق وأحياء، ومنع سكانا من الوصول الى مراكزهم للادلاء باصواتهم.
وهنا، يتبادر تساؤل: لماذا هناك تحديد للمراكز اصلا؟، والعملية الانتخابية تعتمد على البطاقة الالكترونية، التي من الممكن ان تختصر عامل التخصيص المكاني، بحيث يحق للناخب ان يدلي بصوته في اي مركز بموجب البطاقة الالكترونية، حاله حال المتقاعد الذي يستخدم بطاقة الـ”كي كارد” لتسلم راتبه التقاعدي من اي مصرف او مكتب اهلي للصيرفة.
كان بالامكان ان يتجاوز عدد الناخبين الـ 60% التي اعلنتها مفوضية الانتخابات، لو سمح للناخب ان يدلي بصوته في اي مركز او محطة، او حتى في اية محافظة اخرى، لكن حصره في مركز محدد حرمه من حق التصويت ، مثلما افقدت البطاقة الالكترونية قيمتها.
لكن، ما يثير الريبة، ان البطاقة ربما استخدمت لغرض آخر، وهو الكشف عن اختيار المقترع لمرشحه، حيث جرت عملية مداخلة بين ورقة الاقتراع والبطاقة الالكترونية، مايعني تمكن الجهة المختصة بالانتخابات او سواها من معرفة كل ناخب من انتخب، بعد اجراء مطابقته بين المعلومات المتوفرة في جهاز البصمة، الذي يحتفظ برقم ورقة الاقتراع، ومعلومات البطاقة الشخصية للمقترع.
ربما لا يعني ذلك شيئا عند بعضهم، برغم ان الاقتراع السري يمثل نقطة الارتكاز في العملية الانتخابية، ولعل هناك من يعد مثل هذه الاجراءات احصائية، ومحفوظة  لدى جهة المفوضية حصرا، ولا تمنح اية معلومات للسلطة التنفيذية او نحوها.
بالتأكيد ، كثير من الناخبين لم ينتبهوا الى هذا الامر، ولو حصل مثل ذلك، لانتاب بعض او قسم منهم مخاوف شبيهة بالتي كانت تحصل في استفتاءات زمان على رئيس الجمهورية، حيث كان يعتقد قسم كبير وجود كاميرات تراقب خياراتهم ، وازاء حالة الخوف هذه كانوا يؤشرون على كلمة “نعم” ، متحاشين الملاحقات في ما لو اشروا بـ”لا”.
واذا كان المقترع العام لم يكتشف ذلك الا بعد الاقتراع، وربما سمعه من وسائل الاعلام ، فان ما نخشاه ان يكون المقترع الخاص قد ابلغ سلفا بهذا الاجراء، وبالتالي اصبح ملزما باختيار شخص ما تحديدا، ومثله اولئك الذي يعملون في دوائر خاصة ، وجهات مرتبطة بمسؤولين متنفذين يخوضون جولة جديدة من الانتخابات.
وفي كل الاحوال ، الانتخابات جرت، والناس خرجوا للتغيير، وهذا خيار مهم، لكن الخطأ لا يبرر، ولابد من ملاحقة كل الشكاوى التي رفعت وسترفع من اجل الا يضيع حق الناخبين، ويجبروا على تحمل مصاعب مقبلة لاربع سنوات، ويدخلوا في تجربة مريرة جديدة.
قال لي احدهم : اني لم انتخب ، لكني لم امنع اهلي من الانتخاب.
سألته: لعلك تبرر موقفك هذا بأن الوضع سوف لن يتغير؟.
اجابني : لا ، لكني لست ديمقراطيا في طبيعتي، وقراراتي استبدادية في البيت، والعمل، وهذه الممارسة سلوك قبل ان تكون مجرد عملية انتخابية.
تركته ، وانا اتمنى من كل اولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية، او يتخذونها منهجا، ان يكونوا ديمقراطيون فعلا، ويقبلوا بنتائجها، ويفسحوا المجال للآخرين بتبوء المناصب بدلا منهم، وان يحققوا الديمقراطية سلوكا، وليس مجرد وسيلة للبقاء في السلطة.