23 ديسمبر، 2024 1:54 م

درجات التباعد الست Six Degree Of Separation

درجات التباعد الست Six Degree Of Separation

في المقال السابق ضمن سلسلة مقالات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة المنشور هنا في موقع كتابات قبل عام تقريبا تسألنا ان كان بإمكاننا نحن ايضا ان نعرف كل شيء او اي شيء مهم عن اعدائنا.

في هذا المقال وما يتبعه من بحث مهم سنجيب عن هذا التساؤل الذي يرتبط ليس فقط بالعلم والتكنولوجيا وانما بوضع العراق ومؤسساته الامنية وامور اخرى متعلقة.

مقال اليوم سيكون مقدمة لبحث غير منشور ومعه مشروع يرتبط بالبحث , وفي هذه المقدمة سأكتفي بوضع الاساس النظري والفلسفة الكامنة خلف المشروع المقدم وهو بناء الشبكة الاجتماعية الامنية العراقية التي تربط وتوثق كل مواطن فاعل في العراق وترابطاته الشبكية مع الاخرين , وشاركني فيه الاستاذ المهندس بشار الجبوري (طالب دكتوراه حاليا).

النظرية :

نظرية الدرجات الست من التباعد (six degree of separation) هي عبارة عن نظرية تقول بأن كل شخص هو على بعد ست خطوات من أي شخص اخر في العالم. وبحسب هذا المفهوم فأن اي شخصين في العالم يمكن الربط بينهم من خلال ستة اشخاص اخرين على الاكثر.

هذه الفرضية تاريخيا قديمة وبنيت حولها الكثير من القصص وحتى الافلام والمسرحيات , ولها تأثير في الكثير من افكار تخطيط المدن وتدفقات حركة المرور (تفاصيل الفرضية هذه موجودة في الويكيبيديا تحت العنوان six degree of separation).

هذه الفرضية اكتشفت من جديد في عام 1967 على يد العالم ستانلي ميليغرام استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة هارفارد من خلال تجربته المعروفة العالم الصغير , والتي سعى من خلالها الى تحديد عدد الاشخاص اللازمين لإيجاد صلة او علاقة بين اي شخصين في الولايات المتحدة , حيث قام بتوجيه مجموعة من المشاركين بأرسال رزمة او بطاقة الى شخصين اخرين لا يعرفونهم في ولايتين مختلفتين , ولم يكن هناك صلة بين المشاركين وبين هذين الشخصين , وطلب منهم تسليم الرزمة الى اشخاص وسطيين يعرفونهم وهكذا وصولا للشخصين

المعينين (من واحد لواحد) , بعد انتهاء التجربة واجراء الحسابات تبين ان الرزمة نجحت في الوصول للهدف , وكان معدل الاشخاص او المراحل الوسطية هو ستة اشخاص او مراحل فما دون.

في الواقع المعاش فان رئيس جمهورية العراق اذا اراد ارسال هدية على شكل طرد الى مواطن عراقي يسكن في الاهوار او اعلى الجبال فان الطريق المعتاد الكلاسيكي هو ان يسلمها للمحافظ الذي يسكن المواطن في محافظته والذي بدوره يسلمها لقائمقام القضاء الذي بدوره يسلمها لمدير الناحية او المجلس البلدي الذي بدوره يسلمها للمختار او عضو المجلس المحلي او شيخ القرية او وكيل التموين في القرية والذي بدوره سوف يسلمها للمواطن وهذه المراحل لإيصال هدية السيد رئيس الجمهورية الى المواطن لن تتجاوز الست مراحل او عبر ست اشخاص (شخصيا لا اظن انها ستصل كاملة).

من منظور اخر , لو نظرنا الى موضوع عنونة الدور في المدن مثلا في بغداد نلاحظ ان العنوان يتكون بالطريقة التالية :

محافظة بغداد

مدينة (يقابلها القضاء في المحافظات) – الكاظمية مثالا

حي (يقابله الناحية في المحافظات) – حي الجوادين مثالا

محلة (يقابلها القرية في المحافظات) – محلة 506 مثالا

زقاق او شارع (ممكن يقابلها شارع في المحافظات) – زقاق 7 مثالا

دار 20 مثالا

كما نلاحظ اعلاه فان عنوان اي دار او فرد هو في حقيقته لا يتجاوز الست مراحل , فاذا اضيف له عنوان البلد فهو يتطابق فعلا مع الفرضية التي تقول ان اي شخصين في العالم لا يفصل بينهما سوى ستة مراحل او خطوات او خمسة اشخاص وسطيين.

بعد انتشار الانترنت وظهور الايميل ومواقع التواصل الاجتماعي فان الامور تغيرت كثيرا , تقول احدى الفرضيات انها اتجهت للانضغاط , اي للقرب اكثر , احدث الدراسات بينت انه في موقع الفيس بوك وهو اشهر مواقع التواصل الاجتماعي فان معدل البعد بين اي شخصين في الفيس بوك الذي فيه ما يقارب من

750 مليون عضو فعال هو 4.74 , اي انه لا يفصلك عن اي شخص اخر في الفيس بوك سوى ما يقارب او اقل من خمس اشخاص.

اجمالا لما تقدم يمكن القول انه لا يفصلك عن اي شخص اخر في العالم سوى ستة اشخاص او افراد وسطيين او اقل. أختر أي جميلة من جميلات السينما في هوليود تحلم بلقائها , تخيل لا يفصلك عنها سوى خمسة اشخاص ليس اكثر , واذا ماكنت محظوظا وعرفت واحدا فقط من هؤلاء الاشخاص فانك على الطريق الصحيح للوصول اليها.

نطرح الان السؤال الذي طرحته الدوائر الاستخبارية الامريكية في حينه عن اسامة بن لادن بعد انتشار هذه النظرية , لكن هذه المرة مع شخص اخر من نفس المدرسة , السؤال هنا هو : اذا كان ابوبكر البغدادي لا يبعد عنا سوى ستة مراحل او خطوات او لا يفصلنا عنه سوى ستة اشخاص فلماذا اذن لا نستطيع القبض عليه ؟

الاجابة عن هذا السؤال في مقالات لاحقة مكملة للبحث وللمشروع ولسلسلة المقالات التي وعدت ان تكون هناك سلسلة منها , للأسف لم تتح الفرصة لذلك لأسباب يطول شرحها لعل منها الاحباط من الوضع العام وغيره من المتغيرات.