23 ديسمبر، 2024 3:17 م

درب الخيانة في الثورة السورية

درب الخيانة في الثورة السورية

تُعتبر الثورة السورية، من أعظم الثورات، ومن أغربها، وأعجبها، في تاريخ البشرية الحديث.

فكان المتظاهرون في بداية الثورة، يتلقون الرصاص بصدورهم العارية، ومع ذلك يصرون على التظاهر في الأسبوع التالي، مع أنه كان يُقتل عددٌ غير قليل منهم، ولكن لم يملوا، ولم يسأموا من التظاهر أسبوعياً، بالرغم من الأخطار الكبيرة المحدقة بهم.

وبقي السوريون الصادقون، يخرجون في مظاهرات عفوية أسبوعياً لعدة أشهر، إلى أن تحولت إلى ثورة مسلحة؛ بسبب كثرة الضحايا التي كانت تتساقط أسبوعياً، على يد أزلام النظام الأسدي

ولما قامت روسيا بغزو أوكرانيا الأسبوع الماضي، ورأى السوريون، تكاتف العالم الغربي مع أوكرانيا، وإمدادها بالأسلحة النوعية المضادة للطائرات، وللدروع، والدبابات، أخذوا يتحسرون على أنفسهم، بأنهم بقوا وحيدين طوال إحدى عشرة سنة، ولم تبال بهم أي دولة على وجه الأرض، ولم يمدهم أحد بالأسلحة النوعية، مثل التي تلقتها أوكرانيا.

فزعم بعض الطيبين، من الدراويش، والمساكين.. أنه لو توفر للمقاتلين السوريين 1% مما توفر للجيش الأوكراني.. لحققوا انتصاراً ساحقاً، ماحقاً، على الأسد وأعوانه..

 

ترسانات هائلة من الأسلحة، كانت موجودة لدى مختلف الفصائل

 

ونسي هؤلاء المساكين! أنه كانت لدى جيش ما يسمى ( جيش الإسلام ) ترسانة من الأسلحة النوعية – والتي ظهرت لكل الملأ، في استعراضات لها في الغوطة – ما تمكنه من تدمير قصر بشار، واقتلاعه من أركانه، وهو على بعد عدة كيلو مترات من القصر.

ولكن للأسف العميق! أنه لم يفعل ذلك، ولم يوجه أي صاروخ – سواءً كان كاتيوشا أو غيرها – وانسحب منهزماً، مذموماً، مذؤوماً، مهاناً.. وسلم هذ الترسانة الكبيرة، التي لم يُستخدم منها إلا القليل، إضافة إلى تسليم الأرض أيضاً، إلى سيادة بشار!

وكانت هناك، ترسانات أخرى من الأسلحة، لدى مختلف الفصائل، التي انهزمت، وانسحبت، وسلمت أراضيها، وأسلحتها كاملة إلى النظام.

إذاَ! الخيانة، والعمالة، والاستخذاء، والاستكانة، متجذرة في قلوب معظم السوريين – إلا من رحم الله -.

وهي الحالقة، والسبب الرئيسي، في عدم الانتصار على بشار وأعوانه، وليس قلة الأسلحة – كما يزعمون -.

هذا أمر، والأمر الآخر، أن شعوب العالم كلها، تنتصر على العدو، بقوة الإرادة التي تملكها، أكثر من نوعية السلاح – وإن كان هذا مهماً –.

ورأينا، ورأى العالم كله، وقوف مدنيين أوكرانيين أمام الدبابات الروسية، بصدورهم العارية، لمنعها من التقدم.

فهل وقف أحد من السوريين ذلك، أمام الدبابات الأسدية، أو الروسية؟!

 

الخلاصة:

 

أن هذا شعب، في معظمه – إلا القليل منه – متخاذل، مستكين، يسيطر عليه، تجار الدماء، كما يسيطر عليه بشار بالضبط .

ولذلك، لا يُستبعد أن يسحقه الله، ويمحقه من الوجود، ليستبدله بقوم آخرين خيراً منه، خاصة وأن الله تعالى، قد حذر المسلمين بقوله: ( واتَقوا فتنةً، لا تُصيبنَّ الذين ظلموا منكُم خاصةً، واعلموا أنَّ اللهَ شديدُ العقابِ ) الأنفال 25.

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري ( إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما عَمِلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي ).

فالرسول صلى الله عليه وسلم، يدعو عليهم، وعلى أمثالهم من بقية المسلمين بالسحق..

وهكذا! ستبقى ذرية هذا الشعب المستكين، المتخاذل، عبيداً عند بشار وأعوانه، وعند تجار الدماء، أبد الآبدين، إلى أن يظهر جيل مختلف عن هذا الجيل التعيس، البئيس، كما حصل مع بني إسرائيل، الذين رفضوا دخول الأرض المقدسة، خوفاً، ورعباً، واستخذاءً، وتخاذلاً، من القوم الجبارين.

فحكمَ اللهُ عليهم، بالتيه، والضياع، في رمال سيناء، أربعين سنة، حتى ظهر جيل صالح، تمكن من دخول الأرض المقدسة.

 

عدم رغبة الجيل الحالي بالتحرر والتحرير

 

فهذا الجيل الحالي، في معظمه – إلا قليلاً منه – ليس لديه، أية رغبة حقيقية، أو إرادة، في التحرر، والتحرير.

فهو لا يعرف إلا الهلوسة، والردح، ولعن روح حافظ فقط لا غير. هذا كل ما يملكه هذا الشعب المستكين.

فهو انتقل من عبوديته لبشار، إلى عبوديته، لتجار الدماء، في الشمال.

وهو مستكينٌ، وراضٍ بهذه العبودية، ومستسلمٌ لها، لم ينبس ببنت شفة، اعتراضاً على أوضاعه المزرية، المهينة في الشمال، طوال وجوده فيها.

فكيف سينتصر، مثل هذا الشعب المستكين، المتخاذل؟!

ونحن لا ننكر بطولات السوريين في بداية الثورة، ولا نغمط حقهم، ولا نجحد أنهم كانوا شجعاناَ، أذاقوا العدو، الويل، والثبور، وحرروا أكثر من 70% من سوريا، وكانوا هم المسيطرين، والمتحكمين فيها. وكتبت عن ذلك مقالات كثيرة.. في مدحهم، والثناء عليهم.

ولكن قبولهم بالانسحاب من حلب في منتصف كانون الأول 2016 وقد اقتربوا من تحريرها، والسيطرة عليها، فإن في ذلك علامة استفهام كبيرة.

وفيها تتجلى الخيانة في أقبح صورها – سواء من القادة أو الجنود – الذين قبلوا بالانسحاب، وهم على أبواب النصر، وانقادوا للمحتل، الذي كان يسوقهم كالأغنام، للقتال في منطقة أخرى.

إذاَ خمس سنوات وتسعة أشهر، أو تسعة وستون شهراً، كانت فخراً للسوريين، في عملياتهم العسكرية ضد العدو.

 

تسليم حلب إلى النظام الأسدي، هو بداية انحراف المقاتلين

 

ثم بدأ الانحراف؛ بتسليم حلب، الذي أعقبه بعد شهر ويزيد قليلاً، تنظيم مؤتمر أستانا، الذي كان الهدف الرئيسي منه، القضاء على الثورة السورية بشكل كامل، عن طريق تطويع المقاتلين، والسياسيين، المجردين من الدين، والأخلاق، والقيم.. وجعلهم ينقادون كالأغنام، لأوامر المحتلين.

وتتالت هذه المؤتمرات إلى اليوم، لتكريس العمل، على القضاء على الثورة، وإطفاء شعلتها، وإخماد زخمها، ولهيبها.

وللأسف العميق! أن المحتلين، ومنظمي هذه المؤتمرات، وجدوا قطيعاً كبيراً جداً من السوريين المتخاذلين، المستخذين، المستسلمين والمستعدين للانقياد وراءهم، دون مبالاة بثورة، ولا ما يحزنون.

بل حتى أنهم قبلوا القتال في مناطق أخرى، خارج سوريا.

ومن بعد ذلك بأشهر قليلة، بدأت الكوارث، والنكبات، والمصائب الهائلة جداً.. تترى، وبدأت الضفادع والخفافيش، يخرجون من جحورهم، ويتباهون، ويتفاخرون؛ بتسليم المناطق المحررة، واحدة تلو الأخرى، مع السلاح، والذخيرة، والمعدات الثقيلة، مثل الدبابات وسواها.

وخرج الخونة، والعملاء، إلى الشمال؛ ليستوطنوها، وينشروا فيروسات الخيانة، والعمالة، والاستخذاء، والاستكانة، في صفوف أهل البلد الأصليين.

وانحشر الجميع، في مساحة صغيرة، لا تزيد عن 8% من مساحة سوريا، بعد أن كانوا يسيطرون على 70% من مساحة سوريا.

 

قصة الخيانة الأليمة

 

هذه هي القصة الأليمة، الموجعة، والحزينة، لمسيرة الخونة، والعملاء، المنتشرين في صفوف السوريين الطيبين، كانتشار الذباب، والبعوض.. وأصبحوا هم الأكثرية، ولهم اليد الطولى في التحكم، والسيطرة على الآخرين.

وهنا يقتضي منا.. أن نذكِّر الناس، بالقاعدة الشرعية، التي تقول: إن الأعمال، بخواتيمها.

يعني لو أن إنسانا ما، بقي يتعبد الله أحسن، وأفضل عبادة مائة سنة.. ثم قبل أن يموت بدقائق معدودة.. كفر بالله!

فإن مصيره، طبعاً جهنم.. لأنه مات كافراً، والكافر مأواه جهنم خالداً فيها.. والمائة سنة عبادة، ذهبت أدراج الرياح، هباء منثوراً.

ولو أن إنساناً آخر! صام في رمضان يوما من الأيام.. ثم قبل المغرب بدقيقة واحدة، أفطر عامداً متعمداً.. فإن صيامه أصبح باطلاً، وهو آثم، ومذنب، وعليه الكفارة.

وبالمقابل! لو أن إنساناً آخر أمضى حياته كلها في الكفر، ثم قبل أن يموت، وقبل أن تصل الروح إلى الحلقوم، أعلن إسلامه ونطق بالشهادتين.. فقد مات على الإسلام، بالرغم من أنه لم يصل لله ركعة واحدة، فهو يعتبر مسلماً، ويدفن في مقابر المسلمين. والله تعالى يتولى أمره في الآخرة، وسيدخل الجنة بفضل الله تعالى.

ولو طبقنا هذه القاعدة، على المقاتلين السوريين..

لوجدنا أنهم قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير، وبطولة كبيرة في بداية الثورة، ثم قبل أن يتحقق النصر المنشود بفترة وجيزة، قعدوا، وخمدوا، وهمدوا، واستكانوا إلى الراحة، وتوقفوا عن السير نحو الهدف المنشود من الثورة.

فما مصيرهم، وماذا نقول عنهم؟

إنهم أحبطوا عملهم السابق الزاهر، وخسروا الدنيا والآخرة.

وماذا سيكتب التاريخ عنهم؟

إنهم حثالة، وشرذمة من الخونة، والعملاء، والمنبطحين على أقدام المحتلين.. أذلاء، صاغرين، عديمي الشرف، ومجردين من الغيرة الإنسانية الموجودة فطريا عند الناس جميعاً، حتى عند النصارى، والكفار، بل حتى موجودة عند الحيوانات، التي تضحي بنفسها، لحماية أفراخها، والذود عنهم، وتدافع عنهم بشراسة منقطعة النظير، إذا هاجمهم العدو.