منذ غزو العراق واحتلاله في مارس 2003 على يد القوات الأمريكية ـ البريطانية والتحالف الدولي ـ العربي، وتدخل ايران السافر منذ ذلك الحين في شؤونه الداخلية، السياسية والعسكرية والاقتصادية، والشعب العراقي يعاني من الحيف والويلات والمجاعة وافتقار أبسط مقومات الحياة. ناهيك عن تعريض حياة المواطنين للخطر على يد الميليشيات المسلحة التي تقوم بإنتهاك حرمة وحقوق الانسان العراقي وممارسة أساليب القمع والاعتداء تحت مسميات عقائدية لا حدود لها، أمام مرآى ومسمع الحكومة والاجهزة الأمنية وقوات الشرطة. بالاضافة إلى حرمان المجتمع من تقرير مصيره وبناء مستقبله السياسي والاجتماعي والاقتصادي بنفسه، وفقدان الأمن والاستقرار وعدم توفر الماء والغذاء والدواء والكهرباء وتفشي الامراض الخطيرة وانتشار عمليات الانتحار وجرائم القتل واشتداد البطالة والهجرة .
ويتعرض أبنائه المطالبين بحقوقهم الطبيعية المشروعة التي تكفلها الشرائع والقوانين، في أكثر من مكان إلى الاهمال والاساءة والحرمان. كما يتعرض المتظاهرون في كاقة محافظات العراق بغض النظر عن أجناسهم وأعمارهم، باسم الديمقراطية والحرية غير الحاصلة اصلا، إلى مضايقات متعددة الأشكال تجاوزت القيّم التقليدية وانتهاك المعايير الإنسانية والأخلاقية ومفاهيم العدالة الاجتماعية، حد القتل تحت ذريعة حماية العملية السياسية الزائفة وحجج واهية تتعارض مع الشرعية الدستورية واللوائح المدنية واصول القانون.
الاخطر: لم تكن تلك الممارسات التي تجري في العراق بهذه الصورة الدراماتيكية، هي الحالات الوحيدة التي تحاول الحكومات المتعاقبة اخفائها عن الرأي العام الاقليمي والدولي. إنما هناك ظاهرة جسيمة تشكل انتهاكا صارخا للمباديء الانسانية والمجتمعية. ظاهرة انتشار “المخدرات” التي تمارسها وتحميها قوى سياسية ومافيات كبار اصحاب السلطة. المؤسف ان مؤسسات الدولة تغض النظر عن ممارسة التنظيمات والاحزاب والميليشيات التابعة لهذه الجهة أو تلك، لمثل هذه الاعمال التي اصبحت تجارة مربحة، تديرها تلك الجهات كما وتعرض مستقبل وحياة المجتمع العراقي للخطر.
منظمات حقوق الإنسان العالمية تشير الى أن حبوب الكبتاغون، المعروفة “بمخدر الجهاديين” انتشر بشكل خاص بين مقاتلي داعش اثناء تواجدهم في العراق وسيطرتهم على اراض شاسعة. لكن تجارته استمرت في الازدهار، مما يجعل جيلا بأكمله من الشباب العراقي يتعاطى هذا النوع من العقار بالاضافة للحشيش والترياك والهيروئين.. الاكثر خطورة، هو مخدر “الكريستال ميت” الذي جاء به مقاتلو داعش للعراق، ويتعاطاه عُشر السكان، الذين يريدون ازالة المخاوف من المستقبل المجهول. وبسببه تتعرض حياة الشباب، بشكل جماعي، لاضرار بالغة الخطورة، فهو يُسمى بالمُخدر القاتل، نظرا للادمان عليه بعد مرة أو مرتين من تعاطيه!، إنه مُميت حقا، والخبراء يحذرون منه!.. العراق اصبح بلد عبور للمخدرات، ونفسه يعاني من مشكلة مخدرات ضخمة. نتيجة لذلك، عائلات بأكملها مدمنة، وأبناء يهددون آبائهم بالقتل ان لم يعطوهم المال لشراء المخدرات. المستفيدون من بؤس معاناتهم، هي إيران، قبل كل شيء.
المخاوف من البطالة والفقر وانعدام الآفاق التي تهدد الشباب العراقيين. جعلت الكثيرين منهم أن يجربوا الكريستال ميث والمخدرات الاخرى. يقول كريم: “كان التأثير قويا، وكنت سعيدا لفترة قصيرة”.. “لكن لم يتم حل أي من مشاكلي”.. على العكس من ذلك: همومي الآن أكبر بكثير من ذي قبل. حتى بعد الاستهلاك الأول، كنت اشعر بانني مدمنا، وبالكاد استطيع التركيز، واتصرف بعدوانية وأصبحت عنيفا. واعترف: بانه قد تخلى عن التعليم ولا يرغب مزاولته.. هناك الملايين من الشباب في العراق يواجهون نفس المصير.. يتساءل احد المدرسين عن سبب إصابة بعض الطلاب بعيون زجاجية وأسنان فاسدة وعدم تركيزهم واستجابتهم بقوة. مضيفا: في مرحلة ما أدركت أن العديد منهم مدمنين على الكريستال ميث..
البصرة تعتبر بؤرة ساخنة لتعاطي المخدرات. وعلى الرغم من الثروة النفطية، فالمدينة الواقعة جنوب البلاد منهارة بالكامل. الفقر والبطالة مرتفعان، الهواء متسخ ومياه الشرب ملوثة. الإدارة غير فعالة وفاسدة، ولا يبدو أن تعود عائدات النفط بالفائدة لاصلاح حياة الناس واعمار مدينتهم. تجارة المخدرات وحدها تزدهر، بسبب التصاق الحدود مع الجارة إيران، وممارستها إنتاج وتصدير العقار الاصطناعي “ميثامفيتامين الكريستالي” بكميات ضخمة الى الاراضي العراقية تحت اشراف الملالي، ليكون متوفر في كل مكان وباسعار ليست رخيصة “الجرام يكلف 55 دولار”. وهناك أيضا مخدرات مغشوشة أرخص ثمنا متداولة مع آثار جانبية أكثر خطورة. وبحسب المحققين، الجزء الأكبر، يتعلق “بالكريستال ميث”، وهو متوفر في كل مكان وبكميات كبيرة. انتشاره بين المدمنين واسع والاستمرار في أخذ المزيد والمزيد يدق ناقوس الخطر في مرحلة ما. من جانب آخر، ان مراكز إعادة التأهيل ،على قلتها، تفتقر الى الكوادر المتخصصة ووسائل العلاج اللازمة، كما انها مليئة بالمدمنين. الذين تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و 30 عاما، بما في ذلك طالبات.
في بقية محافظات العراق، غالبا ما يتم السكوت على ظاهرة الادمان على المخدرات. وعدد المدمنين يتزايد بسرعة هائلة، فيما “الحكومة مسؤولة عن عدم توفير التعليم الكافي لمعالجة هذه الظاهرة”.. وعلى حد قول احد المنتسبين لمنظمة إغاثة “عراق خالٍ من المخدرات” للتحذير والمساعدة ـ من ان المليشيات هي من تستورد المخدرات. وكل شيء بدأ مع استخدام الميليشيات القريبة من إيران لـ “الكريستال ميث” اثناء القتال ضد ميليشيا داعش الإرهابية في عام 2014. عُرف الكريستال ميث “كعقار يستخدمه المقاتلون في الحروب” ليبقى المقاتل مستيقظا لفترة أطول أثناء القتال دون ان يفكر بالخوف والجوع. الميليشيات هي من جلبت المخدرات، ومنها “الكريستال ميث” الى العراق حتى يومنا هذا، والحكومة من جانبها لا تتخذ الاجراءات الرادعة. وتشير التقارير الى أن واحدا من كل عشرة عراقيين مدمن على المخدرات، ومن يناير إلى سبتمبر، تمت مصادرة 19 مليون حبة. وتعتقد الأمم المتحدة في تقرير لها أن المشكلة ستكون التحدي الأكبر الذي يواجه البلد الذي تمزقه الأزمات – وتهدد بأن يكون لها تأثير على الاقتصاد العراقي. انها حلقة مفرغة، لأن العاطلين عن العمل قد يكونون مدمني مخدرات الغد. ومن غادر الادمان بعد العلاج في مركز إعادة التأهيل، أصبح نظيفا، لكنه، كما يؤكد كريم، يعرف جيدا ان القوة التدميرية “للميثامفيتامين الكريستالي”، ستبقيه مشوشا عقليا: لقد “اعتاد جسدي على العقار منذ زمن طويل والشفاء منه صعب”!.