23 ديسمبر، 2024 1:46 ص

دراسة نقدية لديوان د. سمير القاضي

دراسة نقدية لديوان د. سمير القاضي

دراسة ذرائعية لديوان ( جاءت لتأخذ جلبابها ) للشاعر المصري د./ سمير القاضي/ تقدمها الناقدة البراغماتية السورية د. / عبير خالد دراسة ذرائعية لديوان ( جاءت لتأخذ جلبابها ) للشاعر المصري د./ سمير القاضي/ تقدمها الناقدة البراغماتية السورية د. / عبير خالد يحيي/

أولاً – المقدمة :
كنت قد وقفت كثيراً أمام عنوان الديوان (جاءت لتأخذ جلبابها ), وطرحت على نفسي تساؤلات عديدة, مستعجلةً الإجابة, لكني أحببت أن أقف أمام احتمالات أضعها أتحزّر مختبرةً محاكاتي الفكرية لمقصود الشاعر, من هي؟ كيف تركت جلبابها؟ ولماذا هو عند الشاعر؟ هل خلعته عنده؟ وما هو موقعها من الشاعر؟ ولماذا جاءت تسترده ؟ أم أن الشاعر قصد أن وراء الجلباب, الكثير من العوار ؟ والكثير من الفكر المشوّه والممسوخ, مستور بملابس تعتبر رمزاً أخلاقياً يُفترض أن يكون رادعاً عن الإقدام على معصية يُنتهك فيها الشرف والعفّة, لنجد أن ذلك الجلباب ستاراً لجارة رمته عمداً إلى شرفة الشاعر, ليكون حجة لها لدخول بيته ومحاولة إغوائه …! وكم ستر القماش عقولاً وأجساداً نتنة …!

إن أول انطباع تشكّل لدي بعد قراءة هذا الديوان المعنون ب ( جاءت لتأخذ جلبابها ) للشاعر المصري الدكتور/ سمير القاضي / هو أن الشاعر يستخدم في القصيدة الشعر السردي كاملاً بكل عناصره, ابتداء من العنوان إلى الاستهلال والزمكانية والصراع الدرامي والحبكة ثم العقدة, يتلوها الانفراج والنهاية … شاعر مزج في ديوانه بين قصائد القريض وقصائد التفعيلة والقصائد الشعبية, بتوليفة طريفة, وكلها بالمجمل تطرح قضايا حياتية يعيشها الشباب المصري في الشارع والبيت والجامعة و(الحتّة), لقد سرد لنا الشاعر حياة يومية يعيشها الشاب المصري حقيقة, بكل تناقضاتها, فهو العابث والتائب, وهو المستهتروالعفيف, وهو الغني بمظهره والفقير بالمال, بالمجمل .. الشاعر سمير القاضي قدّم لنا المجتمع الشبابي المصري بطريقة تهكمية ساخرة, لم تخلُ من الانتقاد لسلبيات نفسية واجتماعية وفكرية وثقافية, لقد التصق الشاعر بطبقته الشعبية, بل والتحم بها, ونقلها لنا بخفة دم المصريين المعهودة …
السيرة الذاتية للشاعر :
-السيرة الذاتية
• سمير أحمد محمد خليفة القاضى
• حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة
• عضو اتحاد الكتاب
• عضو الرابطة العالمية لخريجى الأزهرالشريف
• رئيس مجلس إدارة نادي الأدب بقصر ثقافة حلوان (سابقا)
• مقيم بدولة الإمارات وينشر إبداعاته فى مجلة (ماجد)
• له مئات الأعمال فى قناة المجد الفضائية
• كرمته كلية (دار العلوم ) بالقاهرة مع الشاعر (ياسر قطامش ) باعتبارهما من أشهر مؤلفى الأدب الساخر و (الشعر الحلمنتيشى)
• فاز بأكثر من جائزة فى مسابقة ( نادى القصة) بالقاهرة

صدر للمؤلف:
أولاً:للأطفال:
• عن الهيئة العامة للكتاب :(الهمزة تغضب من حمزة)
• عن دار الرشاد: (أشعار وحكايات) شعر قصصى
• عن دار الكتاب الذهبي (مجموعات قصصية للأطفال) :
• مغامرات حيوانات الغابة (16 قصة) طبعة رابعة
• فيروز وجدها العجوز (8 قصص)

ثانياً :للكبار:
• عن دار نشر (جزيرة الورد) :
o 3 دواوين شعر فصحى: (على خديك أوسمتي) (جاءت لتأخذ جلبابها) (عيناك من خلف النقاب)
o ديوان شعر عامية (أنا وبوسي والحبة الزرقا)
o مجموعة قصص قصيرة (الزهرة تلقى مصرعها)

• عن دار نشر روعة:
o (مدة صلاحية الزوج والزوجة) (الجنس اللطيف والجنس المخيف) (حضرة الذئب المحترم)

• عن دار نشر يسطرون:
(فوائد التدخين) أدب ساخر

ثانياً – البؤرة الثابتة في النصوص Static Core:
إن البؤرة الثابتة هي الهوّة الاستاتيكية المؤطّرة بديناميكية التنصيص textualization motion في الأفكار والأيديولوجيات الإنسانية, وبهذه البؤرة نلمس أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية ونظرته اتجاه مجتمعه, الرسالة الإنسانية التي يتميّز بها الكتّاب, وخصوصاً الأدباء والشعراء الكبار, وهي منطقة محرّمة على النقّاد, لا يمكن المساس بها نقدياً, لأنها هوية الكاتب أو الشاعر, أو حتى شيفرته الوراثية, والبؤرة الثابتة عند الشاعر سمير القاضي هي رسالة استاتيكية تهكمية, تصوّر الواقع الشعبي والحياتي اليومي للمجتمع الشبابي المصري بكل تناقضاته, في إشارة واضحة إلى مفاهيم مجتمعية قديمة مازالت قائمة تعرقل سير الحياة الطبيعية للشباب , وتعرقل إبداعهم, وهم الفئة المعوّل عليها في بناء الأمة ..يكتب التهكم ُثم يعود ليدعو إلى الاستقامة والالتجاء إلى الله, مؤكداً أن جيله جيل متديّن بالفطرة والأساس..
من هذه البؤرة أنطلق إلى كشف ما ستره الشاعر عنا عامداً أم غافلاً ,أنطلق إللى الإطارات الديناميكية, من خلال الدلالات السيميائية والبراغماتية , وتفصيلات أخرى مؤجلة, متاحة لي كناقدة, أناقش فيها, أتفق أو أختلف مع الشاعر أو مع غيري من النقاد, وهي المحطة التالية ونسميها :
ثالثاً-الاحتمالات المتحركة في النصوص شكلاً ومضموناً
Dynamic Possibilities:
وهنا عليّ أن أجري وراء حلقات الأفكار المتصلة فيما بينها شكلاً ومضموناً, أجري خلف الدلالات والمدلولات والمفاهيم سيمانتيكياً وبراغماتياً, أغوص في العمق وأطفو جالبة صيدي من الأعماق , أعرضه على طاولة النقد, أمام كل متلقي, أساوم عليه, أتفق أو أختلف مع الجميع, فأنا هنا أتسيّد الموقف, لكن بأمانة علمية وأدبية, أراه تكلّم بصدق عن حال معظم شباب الجيل, عن كل ما يتعرضون له من إغراءات, قد يقعون بالحمى حيناً, وقد يعصمهم دينهم وأخلاقهم أحياناً كثيرة, لكن هو بالمجمل جيل فقير, يريد أن يشبع أهواءه بالحلال, لكن الحواجر والمعيقات الطبقية المجتمعية تقف بوجهه, مازال الجيل الماضي يحكم سيطرته على الجيل الحاضر بلا رحمة ولا مؤازرة, ساق لنا ذلك بأسلوب سردي شعري , بطريقة السيناريو, بمباشرة سهلة, وموسيقى متقنة, تظهر لنا أن الشاعر يريد أن يقرأ له البسطاء من الناس, إذا أخذنا بعين الآعتبار أنه شاعر تهكمي ساخر, لوجدنا أنه محق وقد تصرّف بذكاء وحنكة, لذلك لم يتعمّد التكثيف ولا الرمزية, أسوق قصيدة ( أنا وليلى) كمثال :
أحب أنا ليلى
وليلى تحبني
ولكن أبا ليلى
عنيد مفتري
استهلال بسيط بدلالة مباشرة, وهي علاقة حب متبادلة بين الشاعر وليلى, انتقال مباشر إلى توصيف الند, الشخصية الثانية التي سيقوم معها الصراع, صراع درامي بين المفاهيم والأجيال…
يرفضني عمي
ويكره سيرتي
ويغضب جداً
عند رؤية منظري
بدأ الصراع المباشر بين الحب والكره, سيتصاعد بحبكة تقودها تقديرات الشاعرالتي ساقها بإخبار مباشر,فهو طبيب فقيرلا يملك عيادة, لكنه يعتني بمظهره, ولا يخجل من فقره:
ويطلب مهراً لا سبيل لدفعه
وقد قال أني
لست أملك منزلاً
وأسكن في بيت
قديم مؤجر
وأني طبيب ليس عندي عيادة
وأركب أتوبيساً
وأركب (توك توكاً)
ودخلي محدود
وكيف سأشتري؟
يتابع واصفاً ندّه بكل سلبياته, فهو غني جشع, المال عنده هو الأساس الذي يقيس عليه قيمة الأشخاص , دون اعتبار لخلق وعلو وثقافة وأدب وكل هذه الصفات يتمتع بها الشاعر, لكنه لا يملك المال…
وعمي جزار
ويملك مطعماً
يقيس نجاح المرء
بالمال وحده
ولو جمع الأموال من أي مصدر

يصل هذا الصراع إلى العقدة :
يكرهني عمي
ويكره سيرتي
ويبحث عن زوج ثري
وفنجري
لتنفرج العقدة بسلبية, وتنتهي بنهاية مأساوية للجانب الخيّر, انتصار آني للجانب الجاهل, ابنة الجزار يتزوجها سمكري, المال يتزوج المال بغض النظر عن كل الاعتبارات الأخرى :
وعشت أنا وحدي
وحبي كتمته
وابنة عمي زوّجوها لسمكري

سرد شعري بكل عناصر القص ….
وكأني بالشاعر سمير القاضي يتبع قصيدة الغزل الحسي بقصيدة استغفار وتوبة, باتباع الآية الكريمة ( أتبع الحسنةَ السيئةَ تمحُها ) فهو ينقل ما يعتمل في صدر الشباب من تصارع بين أهواء النفس والضمير بأمانة وتلقائية صادقة, يترك النفس على أريحيّتها زمناً , ثم يعود ليحاسبها ويعيدها إلى رشدها زمناً آخر, نراه في قصيدة / أنت المجيب/ يطالب قلبه بالتوبة والكف عن الحب العبثي المتنقّل, وكأن قلبه نزل يتقلّب فيه النزلاء :
ومتى ستصبح قانعاً
يا أيها القلب الشقي؟
في كل يوم لم تزل
تسعى إلى حبّ جديد
وأقول يا قلبي كفى
وتقول لي هل من مزيد؟
ويلتجئ إلى الله طالباً منه الهداية, بعد أن أعيته الذنوب, ويتوب توبته النصوح, في قصيدة / ربي أتقبل توبتي/:
ربي أتقبل مذنباً
ضلّ الطريق وعربدا؟
ثمّ انتهى عن غيّه
وضلالِه حين اهتدى؟
إني ندمتُ على الذي
قد ضاع من عمري سدى
الآن أعلنُ توبتي
لا لن أؤجّلها غدا
استخدم الشاعرالألفاظ السهلة والتراكيب المبسطة التي تعتمد التكرار اللفظي بهدف إيصال فكره وعاطفته للعامة, ولغير العامة أن يظن أن الشاعر موغل في تهكمه, كأسلوب يشبه الكوميديا السوداء, لكن بعيداً عن السياسة وإنما منغمسة بالمجتمع الحضاري الذي لم يبلغه من الحضارة سوى قشورها, وبقي الجوهر عفناً من رطوبة وتحجّر العقول والمفاهيم البائدة, وربما سطحية واستهتار الجيل الجديد العاطل عن العمل الجاد في كثير من الأوقات ..
في قصيدة / هل لديكما أقوال أخرى / نرى ذلك واضحاً:
سهرنا مع البدر حتى الصباح
وقد بلّلَ الزهرَ قطر الندى
وحين ظمئنا تركنا العنانَ
لأشواقنا دون أن نقصدا
وفاجأنا صوت سيارة
تشق السكون أمام الحديقة
تسلّل من بابها ضابط ٌ
وجاء يطالبنا بالوثيقة
يريد وثيقة عقد القران
وكيف نبوح له بالحقيقة ؟
أنخبره أننا عاشقان
وأني صديقٌ وأنتِ صديقة؟
سأكتفي بهذا القدر من معروضاتي, وأترك لغيري الإتيان بالمزيد, ولغيري أن يتفق معي أو يختلف,لا فرق, المهم أني استخرجت الاحتمالات الرسالية التي أظنها كافية لوضع الديوان نقدياً في قائمة الفائدة الإنسانية, وسأمرّ على محطات هذه الاحتمالات المتحركة محطة بعد الأخرى :
أ – المدخل البصري:
وهو تجاذب وانجذاب سحري يحمله النص بجنسه الأدبي الظاهر، وشكله الأنيق فالجنس الأدبي في النص العربي مختلف تماماً عن الجنس في اللغات الأخرى، شكلاً وصورة، وله صور مختلفة عن جميع نصوص اللغات الأخرىSpecial graph، فلو أخذنا شكلاً بصرياً من كل جنس، من النصوص العربية لوجدنا أنه يلبس أردية مختلفة عن الجنس الآخر يتميز به، فالمقامة مسجوعة، والقريض معمّد بعمود أو عمودين، شطر وعجز، يشكل بمستطيل منتظم في الأبعاد أو مستطيلين، وتقف عند كل نهاية لشطر، حرف واحد يقر القافية للنص، أما الحر، فهو عمود يضيق ويتسع، وتخلله جمل بانتظام توافقي لا كسر فيه، تحكمه انسيابية موسيقية ممكن مشاهدتها بصرياً، من خلال توافق المفردات، التي اختيرت بشكل دقيق محترف، أما الشكل البصري في القصة القصيرة أو الرواية يظهر جلياً بتنظيم الأسطر في الصفحة الواحدة بشكل فقرات، تحكم بأدوات تنقيط من فوارز ونقاط وعلامات استفهام وتعجب ونقاط وأدوات حصر، ومسافات متساوية بين الأسطر وفراغ معقول بين فقرة وأخرى، أما الخاطرة فتكون شبيهة للشعر الحر بصرياً، مع اختلاف في التوافق الموسيقي بين الكلمات، فهي لا تحوي على توافق موسيقي في جملها، ولا تحتوي على حبكة هيكلية فيها، حتى لا تختلط مع القص القصير وتبتعد عن النص النثري، فهي جنس بيني …
إذاً، يمتلك الجنس الأدبي العربي، أهمية كبيرة في الرصد الحسي أو البصري وهو عامل مهم للناقد والأديب والمتلقي البسيط على حد سواء، فإذا أهمل شكل النص البصري، خلع أردية الأناقة البصرية وصار شكلاً عادياً لا ينتمي لجنس، أي فقد هويته الأدبية وصار هجيناً، وفقد انسيابيته ودخل حيز الإهمال في القراءة، حين يختلط عند القارئ، التسلسل في البناء الفني للمعنى والأفكار، وتضيع لديه مطاردة الإخبار الأدبي والفكري و الجمالي في النص، وخصوصاً في الشعر الحر والقص، حين يُكتب النوعان بشكل واحد، تختلط فيه عملية التمييز والصفة الأدبية للنص على المتلقي ….وشاعرنا الدكتورسمير القاضي التزم بالشكل الجنسي الأدبي، واهتم بشكل القصيدة العام، وبأصغر تفاصيلها من نقطة وفارزة وعلامة تعجب واستفهام…..
البناءالفني والجمالي :
تميزت قصائد شاعرنا في هذا الديوان- وأظن من قراءتي للسيرة الذاتية للشاعر- أن الشاعر نفسه يمتاز بكتابة السيناريو والحبك الشعري في قصائده, ولعل ذلك تكنيك موسومٌ به شاعرنا, أضاف إليه الطابع التهكمي, فكان التميّز أكثر خصوصية, كل قصيدة عبارة عن نص شعري محبوك, بعنوان وإخبار تقريري مباشر, زمكانية وحبكة , وصراع درامي, وعقدة وانفراج ونهاية, وقد ضمّن قصائده السردية هذه حكايات شعبية من الواقع المعاش في وقته الحالي…
إن الأدب والنقد متلازمين تلازم الشركاء المتضامنين, لا يمكن الفصل بينهما, ويمكن النظر إليهما بعلاقة احتواء, النقد يحتوي الأدب باعتباره المنظم والضابط للأنظمة والقوانين والمصطلحات التي تجعل طريق الأدب سالكاً بسهولة ويسر, والأدب فن معقد, يلزمه الكثير من الأدوات ليكون عملاً تاماً قابلاً للعرض, والشعر تحديداً أكثر تعقيداً من باقي أجناس الأدب, كونه الأكثر انتشاراً, ولا يقتصر النقد فيه على المبنى والمعنى , بل يتجاوزها إلى دراسة الموسيقا ومدى انسجامها في وحدة النظم, كما يستدعي استنطاق الدلالات والمفاهيم للحصول على المعاني المؤجلة, التي تمتد إلى ما لا نهاية, وإن أوردت أمثلة عن هذا السرد الشعري المعتمد لوضعت كل الديوان …
*- الموسيقى الشعرية :
إن المشهد الموسيقي هو أول ما يسترعي انتباه الناقد حينما يُعرض عليه ديوان شعر, ونعني به الوزن أو القافية أو التفعيلة, والذي تحمله الجمل الشعرية في القصيدة , وطريقة انتظامها بأعمدة وتنسيقات بصرية, الألفاظ وملاءمتها للسياقات الشعرية, عدد القصائد في هذا الديوان حوالي 22 قصيدة, معظمها شعر قريض لكنه سهل التناول لنقل أنه يميل إلى الشعر الشعبي, تتحقق فيها الموسيقى الخارجية بالقافية, نلاحظ في قصيدة ( ملهمة ) كيف حقق الشاعر موسيقاها بالقافية التاء المربوطة , ولم يكتفِ بها بل وحّدها بالحرفين السابقين ( الدال والياء) لتنتظم الموسيقى كانتظام السجع, لكنها ليست سجعاً , فالسجع لا يكون بالشعر بل بالنثر, لكن السجع يقارب النظم الشعبي , وأرى أن الشاعرتعمّد أن يأتي بالقافية على هيئة السجع لخدمة غرضه الأساسي, وهو أنه يكتب للعامة البسطاء , فوجب عليه أن يقترب من خامتهم:
أتهجرني إذا انتهت القصيدة
وتسعى نحو ملهمة جديدة؟
أتخذلني ,أني لست أنسى
و أحلم بالنهايات السعيدة ؟
ولا أهوى سواك وكيف أنسى
هواك وكيف تتركني شريدة؟

هناك قصائد جاءت قريض, لكن القافية لم تكن واحدة من أول القصيدة لآخرها, بل تناوبت , كل أربعة أبيات بقافية, كما في قصيدة ( حروف العطف ), شبهت ذلك بالرباعيات بالشعر مع فارق أن الرباعيات( الدوبيت) تأتي بيتان -عربياً- قوامهما أربعة أشطر, فهو رباعية – فارسياً- وأشهر من كتبها شهيد البلخي وعمر الخيام , وأول من كتبها بشار بن برد بقصيدته الشهيرة :
ربابة ربة البيت ِ
تصب الخلّ في الزيتِ
لها عشر دجاجات ٍ
وديكٌ حسن الصوتِ

ننظر إلى قصيدة ( حروف العطف ):

لماذا عقدة الماضي تطاردنا وتشقينا
وتربط دائماً ما بين حاضرنا وماضينا
لماذا نترمك الأزها ر تذبل بين أيدينا
ومنذ البدء غير الشو ك لم تنبت صحارينا

رحى الأيام تسحقنا ومن نمنا بها راضي
وكأس الحب تجمعنا فهيّا دون إعراضِ
سنطوي صفحة الأمس ولن نأسى على الماضي
ونسخر من شهود الزو ر والجلاد والقاضي

*-الصور الشعرية :
وهي الهدف الذي يسعى وراءه الناقد المتمكن , بعد القراءات العديدة للنصوص, وإدراك العلاقات التبادلية بين الألفاظ والبيئة الاجتماعية للشاعر, وهنا جاءت القصائد بالمعظم واقعية مطعّمة ببعض الصور الجمالية, التي يمكن الوقوف على بعضها, ,وإن لم تكن درجة الانزياح نحو الخيال فيها كبيرة, كون الشاعر يتوجه بكتاباته بشكل رسالي للبسطاء,نلمح في قصيدة ( بعد فوات الأوان ) بعضاً من هذه الصور البسيطة والتي كانت فيها تجربة الشاعر الشعورية واضحة, مال فيها الشاعر إلى العاطفة والخيال, حيث غدا الشاعر رساماً يلون لوحته بالكلمات, وموسيقيا يتلاعب بالألفاظ يكتب بها ألحانه, ويمتزج الواقع بالخيال, نتأرجح معه, ونشعر بصدمة وقوعه على صلابة أرض الضياع , يكتب اسم حبيبته فوق الرمال, لتمحوه الرياح , هنا صورة حركية تضم بين طياتها الكثير, إذ كيف للحب أن تحفظه رمال متحركة مهزوزة بفعل الريح ؟ ضعُف العاشق عن نحت اسم حبيبته على صلب الصخور ..! يصوّر لنا لقاء العاشقين التائهَين تصويراً مؤثراً جداً, إن من يتكئ على الرمال ليحفظ حبه , مؤكد سيكون مصير حبه الموت على الشفاه, أو السجن داخل الأضلاع …
وتجذبني الأرض في قسوة
فأهبط بين سفوح الجبال
وأسقط بين دروب الهوى
وأكتب اسمك فوق الرمال
وعند التلاقي تتوه العيون
وفوق الشفاه يموت السؤال
ويحيا هوانا حبيس الضلوع
وسرّاً بأعماقنا لا يقال

في قصيدة( البدر ثالثنا ) صورة حركية جميلة في وصف شعر الحبيبة , نشير إليها :

شلّال ليلٍ على الكتفين منسدلُ
يفيض عند الدجى سحراً وتحنانا
لا يستقرُّ إذا مرَّ النسيم على
خصلاته ومضى يختال فرحانا

ب- البيئة الشعرية في القصائد:
وهي بكل بساطة المحيط الإنساني الذي يؤثر على ذهن الشاعر وعواطفه, فيجعله ينظم القصيدة , بمعنى أنه المحفّز الذي يثير عنده الملكة الشعرية, وبمعرفتها يمكننا الإحاطة بالحالة النفسية للشاعر, فهي الرحم الذي تتشكل فيه إرهاصات الشاعر, وهنا أستطيع أن أميز بيئتين, وكلتاهما تنتميان إلى ذات الحيّز المكاني, وهو المحيط المجتمعي المصري بكل محدّداته ( بيت, شارع , جامعة, حدائق , حارات,….) وكل ما هو بيئة مجتمعية خاصة بالشعب المصري وتحديداً فئة الشباب , حيث كان الحب عصرياً , يلبس ألبسة غربية, على سحنة شرقية, لم ترُق للشاعر كما لم ترُق للكثيرين غيره, وكان المنظر مثيراً للسخرية , فتهكّم عليه الشاعر, واستهزأ به, البيئة الثانية هي البيئة الدينية التي كان الشاعر يستنجد بها كلّما أتعبه الواقع المتفلّت, فكان الاستغفار والتوبة, والدعوة إلى تزكية النفس والإعراض عن المعصية, والدعوة إلى التعفّف ونبذ العلاقات العابثة المستهترة …( السيدة زينب – الحرم المكي والمدني)

ج- الموضوع أو الثيمة ومقاييس الدقة في الإبداع الشعري
Theme and poetic creativity :
وهي الرسالة الإنسانية التي يضمّنها الشاعر في قصائده, نستشفها من الحروف والكلمات , ومن ترابط الأفكار الجزئية التي تشكل الفكرة الكلية , والشعر الذي يخلو من الرسالة أو فكرة هو شعر ضئيل وتافه, يراه النقاد غير مستحق للنقد, ولا تقتصر قيمة المعنى على تزويدنا بمعرفة من المعارف, بل تتعداها إلى قوة تأثيرها في النفس الإنسانية , وتلك هي غاية الأدب الأولى: أن يكون الأدب مؤثراً بفكرته ومعناه, وكما قلنا سابقاً, ساق لنا الشاعر معانيه الشعرية بقالب سردي, مقترباً بشدة من الجنس القصة القصيرة, بكل مفاصلها, سيناريو كامل حتى انه لم يغفل فيها لا الشخصيات ولا الحوار, وما أشبهه بشيكسبير بذلك الأمر, شيكسبير بمسرحياته الشعرية, أو بقصائده الممسرحة …
من أبرز مقاييس نقد المعنى ما يلي:
-1مقياس الصحة والخطأ:
التزام الشاعر بالحقائق, سواء أكانت تاريخية أو لغوية أو علمية, لأن خطأ الشاعر في الحقائق يفسد شعره, ويخرجه من نطاق المقبولية والثقة عند الناس, ولم أجد عند الشاعر أي خطأ من هذا النوع, فهو يتحدّث عن واقع موجود ونعرفه جميعاً.
-2مقياس الجدة والابتكار:
لا يشترط أن تكون المعاني التي يقدمها الشاعر في قصائدة جديدة , فذلك شبه مستحيل, لأن كل المواضيع والمعاني قد تم تناولها سابقاً, لكن المطلوب –حتى يكون للمعاني مكانة نقدية متميزة- أن تتصف باطرافة والابتكار, بمعنى أن يتناول الشاعر معنىً مفيداً من المعاني, يقدّمه بقالب يبدو فيه جديداً أو كالجديد, إن الأسلوب الذي قدّم لنا فيه الشاعر معانيه الشعرية بذلك القالب التهكمي , وبمزج عجيب بين الشعر القريض الفصحى وبين مباشرة وسهولة الشعر الشعبي, نضيف إليه اعتماده السيناريو كقالب يحوي هذه المعاني ,هذا هو الابتكار والجدة عند هذا الشاعر الذكي …
-3مقياس العمق والسطحية :
والعمق هنا هو المعنى الذي يذهب بالمتلقي بعيداً, بدلالات رمزية ومعنوية عالية التأثير, تكون الأبيات عميقة إذا اعتمدت على الحكمة التي تختزل الكثير من التجربة الإنسانية, وتقدمها في عبارة موجزة بليغة, وعكس ما تقدم تكون السطحية …
في قصيدة ( توبي) وغيرها من قصائد المناجاة والإنابة نجد ذلك العمق والحكمة :
توبي فإن الله مطّلع على ما في القلوب
إن الرحيل أوانه في علم علّام الغيوب
حتى إذا حان القضاء فلا سبيل إلى الهروب

مقاييس نقد العاطفة :
العاطفة هي الحالة الوجدانية التي تدفع الإنسان إلى الميل إلى شيء أو الإعراض عنه, وما يتبع ذلك من حب وكره, وسرور وحزن, ورضى وغضب, ومن أبرز مقاييس نقد العاطفة ما يلي :
-1مقياس الصدق والكذب :
الدافع الذي دفع الشاعر لنظم قصيدته, إن كان دافعاً حقيقياً وليس زائفاً, فمؤكد أن العاطفة ستكون صادقة, وعكس ذلك صحيح, وفي كلا الحالتين يتوقف الدافع على مدى عمق التجربة الشعرية عند الشاعر, هي بالتحديد الموقف الذي عاشه الشاعر أثناء نظم القصيدة, وعندما تقصيت عند شاعرنا ماهية هذا الدافع وجدته صادقاً, فهو معروف بتهكمه على كل مواقف السطحية والابتذال في حياة الشباب, كما أنه معروف بدعواته المتكررة للتوبة والإنابة والعودة إلى جادة الرشد والاستقامة …
-2مقياس القوة والضعف :
يقصد به مدى تأثير القصيدة في نفس القارئ, إن هزّت وجدانه كانت عاطفتها قوية, وإن لم تترك أثراً في نفسه كانت عاطفتها ضعيفة, هذا المقياس يتبع لأمزجة الناس وطباعهم, ومدى تأثرهم بمواضيع القصائد, منهم من يتأثر بالغزل, ومنهم من يتأثر بالرثاء ….. وهكذا ….

د- المدخل السلوكي Behaviorism Trend:
لعا الأدب هو أكثر الفنون التي تعكس السلوك والتساؤلات الفكرية والإنسانية, وتلك التساؤلات عي التي تستفز الناقد وتستنفره للبحث والاستقصاء, فيحاول الإجابة على هذه التساؤلات في إطار البيئة الاجتماعية أو الأدبية أو الفلسفية ألتي أثيرت فيها هذه التساؤلات, وهي عبارة عن صراع أيديولوجي, وربما تصادم حضارات, فعل ورد فعل بين الشاعر والمظاهر الإنسانية السائدة في مجتمع الشاعر, تساؤلات عديدة طرحها الشاعر في إطار تهكمي استنكاري, في قصيدة ( أنا وليلى) تساءل عن إمكانية أن يشتري بيتاً وهومحدود الدخل لا يمكّنه دخله إلا من ركوب الأتوبيس
وأركب ( أتوبيساً )
وأركب ( توك توكاً)
ودخليَ محدودٌ
وكيف سأشتري ؟
في قصيدة ( هل من مزيد ) كانت التساؤلات وعظية :
أين القناعة والرضا
يا أيها القلب الوفي؟
ومتى تتوب عن الوى
حتى أحدد موقفي؟
ومتى تتوب وتتقي ؟
ومتى تصبح قانعاً
يا أيها القلب الشقي ؟
وفي قصيدة ( أنت المجيب ): يطرح أسئلة مناجاة واسترحام لرب العالمين :
إني وقفت أمام بابك راجياً
من لي سواك سيفتح الأبوابا
وبسطت كفي واتجهت بناظري
نحو السماء فهل أنال جوابا؟
في قصيدة ( البدر ثالثنا) أسئلة حيرة وجوى :
يا ليل مذا قد فعلت بنا؟
وهل سيطفئ ناراً في جوانحنا
إلا مزيدٌ من النيران تغشانا ؟
حيران يا نيل هل أرشدت حيرانا؟
في قصيدة ( ربي تقبّل دعوتي) تساؤلات تذلّل وتقرّب واستجداء للتوبة من الله تعالى:
ربي أتقبل مذنباً
ضلّ الطريق وعربدا
ثم انتهى عن غيّه
وضلاله حين اهتدى
وفي قصيدة( مناجاة )نفس التساؤلات :
إلهي هل ستغفر لي ؟
وهل ستجيب مسألتي؟
في قصيدة ( ملهمة) تساؤلات استنكارية تملؤها الخيبة والحسرة, تسألها ملهمة الشاعر :
أتهجرني إذا انتهت القصيدة
وتسعى نحو ملهمة جديدة ؟
أتخذلني وأني لست أنسى
وأحلم بالنهايات السعيدة ؟
ولا أهوى سواك وكيف أنسى
هواك وكيف تتركني شريدة ؟
ألم ترَ كيف جئتك أسعى
على درب الهوى بخطى وئيدة
وكيف اليوم تتركني وتمضي
وتهجرني إذا انتهت القصيدة؟
أتقطف زهرة من كل روض
وتنعم بالعلاقات العديدة ؟
متى ستكون لي وحدي أجبني؟
متى سأكون ملهمة وحيدة ؟
في قصيدة ( حروف العطف ) أسئلة عن الصراع مع الظروف الإنسانية السائدة في مجتمع الشاعر, صراع بين الأجيال :
لماذا لا تحيّيني بلا عُقَدٍ …بلا خوفٍ
لماذا أنتِ صامتة ٌ؟ أجيبيني ولا تُخفي
لماذا يعتريك الحز ن بين الحين والحين؟
طرحت عليكِ أسئلتي لماذا لا تُجيبيني؟
لماذا عقدة الماضي تطاردنا وتشقينا؟
لماذا نترك الأزها رَ تذبلُ بين أيدينا

هً- المدخل اللساني Linguistic Trend:
لقد استخدم الشاعر في قصائده ألفاظاً لغوية تشرح نفسها, ولا تحتاج إلى وسائل مساعدة من قواميس لغوية وهوامش جانبية, أخرج دواخله بيسر وسهولة, وأطلعنا على اتجاهه الفكري أيضاً بوضوح, لكنه ترك لعميقي الفكر أن يغوصوا بعيداً خلف مفرداته السهلة, حيث الحرف يحكي مئات المعاني, ويقص علينا مئات القصص المخفية تحت جلباب من (جاءت لتأخذ جلبابها ), إن قصائد الشاعر سمير القاضي تنضوي تحت نظرية الفن للمجتمع , فهي بالمجمل اعتمد فيها الشاعر التنصيص القائم على السرد الشعري الواقعي التهكمي, التكنيك اللغوي عنده رغم أنه مباشر وسهل إلا أنه استخدمه استخداماً ذكياً جداً ليسوق معانيه, وهي معانٍ بالمجمل وجدانية اجتماعية, تتناوب بين اللهو وانفلات النفس, وبين الوعظ والحكمةوالدعوة إلى الاستقامة, وقد أتت بالتناوب , استخدم المحسنات البديعية والصور البلاغية …
*-البناء الجمالي والبلاغي :
الطباق : الكلمة وضدها
أحب # يكره
البر# الأعماق
أغرقنا # أحيانا
ضلالة # هدى
اتبعت # خالفت
الفجر # الظلام
أشرق نوره # الظلام تبدّد
عبد# سيد
سري# علانيتي
يسأل # إجابة
أسئلتي # لا تجيبيني
حاضرنا # ماضينا
القلب # الفكر
صدفة # عمدا
يموت # يحيا
الجزر # المدّا

الترادف: اتفاق بالمعنى واختلاف في اللفظ
مهر – مؤخر
منزل – بيت
داخلنا – أعماقنا
غيّه – ضلاله
تتركني – تهجرني
الأمس – الماضي
يهمس – يناجي

الثوب – الفستان
يفتنني – يثيرني

الجناس: اتفاق في اللفظ واختلاف في المعنى
سهرنا – سكرنا
صديق- صديقة
راضٍ – إعراض
الغروب- الهروب
الحنين – الأنين
شعرا – شكرا
الإطناب: زيادة باللفظ بأكثر من عبارة
يرفضني- ويكره سيرتي ويغضب
يا ليل يا ليل
يا نيل يا نيل
بلا رهبة أو حذر
بلا عُقَد بلا خوف
أجيبيني ولا تخفي
قد انفعلت وقد غضبت
البرق والرعد
طال اليل وامتدا
نعم الجدود ونعم الأب

الاقتباس:تضمين أبيات الشعر شيئاً من القرآن أو السنة
من التراب خلقنا
نعود إلى التراب ترابا
خلقتنا وهديتنا
تركت فينا سنة وكتابا
بسطت كفي
بسطت يدي
الليل عسعس
أحوم حول الحمى
بعت الضلالة بالهدى
لقد أسرفت في ذنبي
وأخشى سوء عاقبتي
ولا تأخذ بناصيتي
اتبعت هواك
إن الله مطلع على ما في القلوب
في علم علام الغيوب
يقدّ ملابسي
أتيناك من كل فج عميق
وننوي زيارة بيت عتيق
جئناك نسعى لعلك ترضى
نطوف ببيتك
نطوف ونسعى
اتيناك نحمل أوزارنا
نشد الرحال
تؤدي مناسكها

*- التكوين البلاغي والتنضيد الشعري:
من خلال معرفة القافية والجرس الموسيقي في القصيدة, واستخدام الشاعرللمحسنات البديعية والصور البيانية, واستخدام التشبيهات والاستعارات:
التشبيه :
تفجّر الشوق في الأعماق بركانا
ألقي بقلبي في النيران قربانا
وسالت مدامع توبتي وكأنها قطر الندى
أتقطف زهرة من كل روض

الاستعارة :
الليل أيقظ رغبتنا وأغرانا
حتى ذاب قلبانا
شلال ليل على الكتفين منسدل
يفيض عند الدجى سحراً وتحنانا
ومضى يختال فرحانا
يا ليل أشعلت في جذوة الشواق نيرانا
جحيم الشوق عذبنا
النيل يصغي إلى أسرار نجوانا
إني أناديك والتيار يجرفني
نعانق أشواقنا
سكرنا من الحب في لحظة
لعل الشوق من عينيك يهمس لي يناجيني
ويلهمني فاكتب …دواويني
رحى الأيام تسحقنا
كأس الحب تجمعنا
سنطوي صفحة الأمس
عند التلاقي تتوه العيون
وفوق الشفاه يموت السؤال
ويحيا هوانا حبيس الضلوع

كناية:
من سواك سيقطف الوردا
أريد أن تزلزلني
أريد البرق والرعدا
وصدرك خنجر شرس
شمسك في الأفق لا تغرب

و- المدخل العقلاني Mentalism Trend:
نقصد به تجربة الأديب المكتسبة من الاتجاهات الأدبية الفكرية من قراءاته وثقافاته السابقة المتوازية , والتي أثرت على إنتاجه الأدبي بالتوازي أو بالتناص مع أدباء آخرين, مضافاً إليها إرهاصاته الإنسانية الحاضرة, ذكرت أنه اقتبس من القرآن والحديث النبوي, وبذلك يكون قد تناصّ من مصدرين من المصادرالعقلانية, لكن أجده شاعراً متهكماً, يتناص في شعره الساخر مع العديد من الشعراء المعاصرين منهم صلاح جاهين, ابراهيم عبد القادر المازني, أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي, وحافظ ابراهيم …

ي -المدخل الاستنباطي( التقمصي ) Inference and Empathy Trend :
وهو نقدياً مجموعة العبر والحكم والمواعظ والدلالات الإنسانية التي نستشفها من جوانب القصيدة وأركانها التعبيرية أو السردية, ونقف طويلاً على تلك العبر, لتحدد مقدرة الشاعر الفكرية والتعبيرية والعقلانية, أي أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشرة , ويربط سلوكه رمزياً الإنساني معنى يصب بمفهوم الذات, يتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم المادي, وعلى أساس تفسيراته السابقة لسلوكه, يخرج باستنتاج عن حالة الآخرين السيكولوجية, بمعنى آخر, إذا كان سلوكه يعكس الشبه من المشاعرو فهو أيضاً يعكس نفس المشاعر التي شعر بها حينما قام بهذا العمل, هذا الرأي في التقمص الوجداني يفترض أن الإنسان لديه معلومات من الدرجة الأولى عن نفسه, ومن الدرجة الثانية عن الناس الآخرين . ويقول أن الإنسان لديهالمقدرة على فهم نفسه, عن طريق تحليل سلوكه الذاتي, ومن هذا التحليل يستطيع الإنسان أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين تقوم على هذا الأساس, بمعنى أن حضور الأدب في نفسية الإنسان يخرجه من عمومية الناس, ويدخله في خصوصية التقمص النفسي, ومن هنا لاحقت الحكمة والموعظة والعبر والإرهاصات الإنسانية في شاعرية الدكتور سمير القاضي :
أورد بعض العبر والوعظ :
في قصيدة (توبي):يعظ نفسه ويأمرها بالتوبة والإنابة
توبي لعل الله يغفرُ ما اقترفتِ من الذنوبِ
استغفري رب العباد وسارعي هيّا وتوبي
إن الرحيلَ أوانه في علم علّام الغيوب
حتى إذا حان القضاء فلا سبيل إلى الهروب

في قصيدة( جاءت لتأخذ جلبابها) يعفّ عن الآستجابة لإغواء جارته :
فقلت القيد يمنعني
فقالت حطّم القيدا
فقلت القيد يعصمني
ولن أتجاوز الحدا
وقيدي لو أحطّمه
سأحيا في الهوى عبدأ

رابعاً- الخلفية الأخلاقية أو الثيمة : Moral background

وتمتاز كل النصوص و الأعمال الأدبية الرصينة برمتها على موضوع خاص يبنى عليه النص بشكل كامل، كأن يكون سياسي أو اجتماعي أو إنساني، يلاحق السلبيات ويثبت القوائم الأخلاقية في المجتمع، وذلك هو واجب الأدب والأديب الحقيقي الرصين، ويشترط أن يلتزم الأديب بقوائم الأخلاق والمثل الإنسانية العليا، ولا يحق له التعرض لمنظومة الأخلاق العامة، والأديان والأعراف والقوانين بشكل هدام، حيث يشترط أن ينضوي الأديب الرصين تحت خيمة الالتزام الأخلاقي الأدبي، ويخضع لمقومات مذهب التعويض الأدبي (doctrine of compensation)، وهذا المبدأ يفرض على الأديب الالتزام بالقواعد الأخلاقية المنظمة في المنظومة الأخلاقية العالمية، ولا يسمح -على سبيل المثال- أن يشيع في نهاية عمله الأدبي نفاذاً للمجرم من العقاب، أو ينزلق من طائلة القانون مهما كانت شدة ذكائه، أو يؤيد مصطلح الجريمة الكاملة، بذلك يساهم الأدب بإشاعة الفوضى والإرهاب في المجتمعات، وهذا منافي تماماً لأهداف الأدب الإنسانية السامية، بل يبحث عن ثغرة ليجعل الرجحان دائماً لكفة العدالة، ولا يجوز أن يتعرض نص من النصوص لكاتب في أقصى الشرق لعرف أو قانون يحكم، ولو مجموعة صغيرة من الناس تسكن في أقصى الغرب من المعمورة، لذلك يجب أن يكون النقد هو الحارس الأمين لتلك التجاوزات الأدبية الهدامة، التي تخترق بنية الأعراف والقوانين والأخلاق لعالمنا بكل طوائفه وأجناسه، ولا يعد أديباً من يخترق منظومة الأخلاق والأجناس والطائفية، وينشر العداء والفرقة بين الناس…
لم يخالف الشاعر هذه الخلفية الأخلاقية أبداً, بل أنه تناوب بين التهكم والوعظ في دعوته إلى الالتزام الأخلاقي المجتمعي, في محاولة منه لرأب الصدع الذي أخلّ بأخلاق الأمة…
خامساً- التحليل الرقمي الذرائعي الساند supporting digital analysis:

بعد أن انتهيت من تحليل الديوان عبر مباحث ثلاث، أسند تحليلي إلى جدار نقدي علمي قوي، أولاً أختبر هذا التحليل بجمع جميع الدلالات الحسية والأعمدة الرمزية وتحليلها (test)، ثم أحسبها رقمياً، لأثبت رجاحة الدلالات ومفاهيمها السيمانتيكية والبراغماتية، وأقوم بموازنتها مع بعضها البعض بميل حسابي، ثم أحدد درجة الميل لكل واحدة منها …
بذلك أكون قد أسندت آرائي النقدية رقمياً و حسابياً، بأحكام رقمية بحتة لا تقبل الشك، بل تزرع اليقين لدى كل متلق وناقد، ومن خلالها نحدد هوية الكاتب وهوية النصوص ( تجنيس النصوص)، أي فعالية استنباط هوية الشاعر والقصائد أدبياً وإنسانياً وجمالياً ودراسة عمقه الأدبي ودرجة انزياحه ورمزيته، الآلية تقوم على استخراج جميع الأعمدة اللسانية والدلالات الحسية وحسابها ودرجة تكرارها في النص، أو ما ينوب عنها من مرادفات ومعاكسات، وتحويلها إلى أرقام بطريقة حسابية .. وكانت النتيجة ما يلي :
الدلالات الواقعية والاجتماعية:
حب:21
شوق:20
كره :8
غضب:5
حزن:12
فرح :7
عربدة :28
عفّة :21
غيرة:8
أمل :5
أحلام:4
مدح :6
ذم:4
أماكن :10
المجموع :151

دلالات رومانسية :
17

دلالات التهكم والسخرية :
76

دلالات دينية ( وعظ وحكمة وتوبة ):
80

سادساً – الميل الدلالي :Final Critic Rubric
إن التحليلات الرقمية السابقة, تقودني إلى نتيجة للتقييم الإبداعي التالي :
أ‌- الشاعر واقعي اجتماعي بدرجة 151 وبنسبة واقعية %76
ب‌- الشاعر متديّن بدرجة 80 وملتزم أخلاقياً واجتماعياً بنسبة %80
ج- الشاعر ساخر من الواقع بدرجة 76 تهكمي بنسبة %76
د- الشاعر رومانسي بدرجة 17 وبنسبة رومانسية قليلة تعادل %17
إن الشاعر الدكتور / سمير القاضي / في ديوانه ( جاءت لتأخذ جلبابها ) هو شاعر واقعي متشائم من الأوضاع الاجتماعية السائدة في أوساط الشباب في مجتمعه, الفراغ والفقر, وسيادة أفكار الجيل الماضي التي تقيس القيمة الإنسانية بالمال, ينقل لنا الصراع النفسي بين الغريزة و الشهوة المثارة بالإغراءات المجتمعية الكثيرة, وبين الوازع الأخلاقي المتأصّل بالتربية والفطرة في قلب وفكر الشاب المصري بشكل عام, هو شاعر يميل إلى التديّن والعفّة, ويدعو إليهما, إنساني يحترم الإنسان بكل حالاته, ساخر ويعتمد السخرية كوسيلة للدعوة إلى جادة الصواب, يميل إلى الحكمة والوعظ , يعتمد المباشرة لإيصال نصائحه وتوجيهاته إلى كل مستويات الشعب.
سابعاً – الخاتمة :
وهنا محطتنا الأخيرة , وعندما أصلها في كل مرة أشعر بتقصيري, لكنني اجتهدت بقدر, أسال الله لمن يتناول الديوان من بعدي كل التوفيق والنجاح, إن النظرية الذرائعية التي أعمل عليها تعتني بالشكل الجمالي للنص كما تعتني بالمضمون, وهذا ما جعلها تختلف عن سائر النظريات النقدية الأخرى, وأخص بالذكر نظريات ما بعد الحداثة, والتي تعاملت مع القشرة الجمالية للنص بإهمال حيناً, بقسوة حيناً آخر, فالنص العربي يختلف اختلافاً جمالياً واضحاً عن النص الغربي الذي تتشابه فيه كل الأجناس الأدبية, أما النص العربي, فلكل جنس من الأجناس الأدبية فيه شكله الجمالي الذي يميزه , سواء بالمنظور البصري أو بالمنظور اللساني, للنص القرآني شكله الجمالي, وطريقة تلاوته , وللنص الشعري شكله العمودي وموسيقاه المميزة …..إلخ فكيف نهمل كل هذا ؟ أم كيف نقسو عليه بتكسيره لننفذ إلى المضمون كما فعل داريدا ؟ … وهنا أغتنم الفرصة لأشكر أستاذي صاحب النظرية المنظّر العراقي الكبير عبد الرزاق عوده الغالبي … مع الدعاء له أن يكون مؤلفه صفحة مضيئة في صحيفة أعماله …
كما أشكر الشاعر الدكتور سمير القاضي الذي أتاح لي التجوّل في أركان ديوانه لأرصد رؤيته , ولأغوص في أعماق أفكاره ومعانيه ومقاصدة المخبوءة …

والشكر الجزيل لمؤسسة الكرمة برئيس إدارتها الدوكتر الشاعر الفذ محمود حسن , ولصديقتي الرائعة الشاعرة عبير العطار, وكل أعضاء المؤسسة , لترشيحي لهذه الجلسة الموقّرة ..
شكرا لكل من شاركني المنصة , وشكراً لكل أعضاء اتحاد الكتاب , شكراً لكل الحضور.
أتمنى أن تحوز دراستي هذه عند الأفاضل من المتلقين القبول …
تحياتي ….
الناقدة البراغماتيكية
عبير خالد يحيي