18 ديسمبر، 2024 8:54 م

دراسة في شعر عبد الكريم كاصد – 5 / منظور إزاحة الدال بين علاقة السابق و اللاحق الشعري

دراسة في شعر عبد الكريم كاصد – 5 / منظور إزاحة الدال بين علاقة السابق و اللاحق الشعري

مدخل :

ربما إن عملية محاور التحديد العلائقية في رؤية و منظور

(فضاء قصيدة الفقدان ) لدى تجربة الشاعر الكاصدالشعرية ،و تحديدا ما يتعلق الأمربه في محور فضاءاتمجموعته الشعرية ( حذام ) موضع بحث دراستنا ، و نصوص أخرى من منجز تجربة الشاعر ، ما يعنينا بقراءة خطية احتدام التواتر الأسلوبي ضمن مساحة و دلالة الأبعاد النموذجية المتشكلة ماضويا في خاصية القول الأحوالي و بين حسية طبيعة الحال المصور حاضرا بمعطيات الاستجابة التحديثية في نمو اللاحق عن خيوط الأشكال و الأطر الدلالية الناتجة عن متواليات صيغة الحال المتغير و المنظور فيه ومن خلاله على نحو توافقية و تضادية ثنائيات الاتصال و الانفصال الزماني و المكاني و الأحوالي و الظرفي عن واقع حال ملفوظات الأنا الشعرية في القصيدة . و على هذا الأمر تواجهنا قصدية( ضحكة / على هامش مملكة الأنهار ) امتدادا لاحقا و تدويرا أضافيا في دوائر و شواهد و مشاهد الفعل التوصيفي الراجح في اتجاهات ترجيحية و محسوبية الفعل التشكيلي الصادر عن جملة موضعية رثاء زهد المقولة الشعرية في منجز شعرية هذه المقاطع من النص :

لضحكتك الهواء

يرن

يهبط نورس ٌ

و يطير

تلتمع المرايا

و البيوت تغادر الأبواب . / ص 30

نتبين من خلال جملة ( لضكتك الهواء ) ثمة طابعيةعلائقية خاصة كحال الخيط الموصول و الرابط بين موقع زمن حال ظرف سابق و بين فعلية استجابة دال ( يرن ) ثم إلى تشكيل حالات مواقع ( يهبط / يطير = نورس = { التقابل } = غياب / حضور { الاتصال } = الانفصال ) وصولا الى تقارب و تباعد زمني و مكاني ، عبر كوامنشعورية و غير شعورية أخذت تفرضها حال علاقة تصاعد و نزول نحو مسارية قيمة تشكيلية خاصة في رسم حالات التماثل و التمثيل في محمولات بؤرة النص . و تبعا لهذا أخذت تواجهنا مقروئية مستويات ظرفيات ( السابق / اللاحق ) كمصدرية زمكانية توصيفية تتجلى من خلالها منحنيات المحفوظ الحسي و الترميزي و الاستعاري ، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار زاوية العلاقة في مجلىمعطيات تواردات دلالات السابق من زمن إزاء مواجيدقراءة  القصدي ، كحال قول الشاعر في جملة ( تلتمعالمرايا ) وجملة ( و البيوت تغادر الأبواب ) إذ هنا نعاين تحويل الحال من مساحة السابق الزمني إلى كينونة أستشرافية من شأنها جمع أفق الحادث الماضوي بمقترح المعطى اللاحق و الناتج عن واقع بيئة معايشة و مشاهدة  بؤرة ( المصور / المتخيل ) ارتباطا بحالة و ترسيمة دلالة : ( تلتمع المرايا = الصورة = الحادثة =  { تفاعلية متداخلة } بين السابق الزمني و بين فضاء الصفة الاستيعابية التي تزيد من قيمة تحاور خطاب الاظهار و الاضمار في محور معطى الأزمنة . و على هذا النحو تكشف لنا جملة ( البيوت تغادر الأبواب) عن حجم أفق مأساوية الرؤية الفقدانية لدى حال الشاعر ، في حال فقده المتجسد برحيل ذلك الآخر عن مقامات أفقه التواجدي المكنون في عين شهود الواقع ، لذا فلا ضرورة من جدوى فاعلية محطات الأبواب المتمثلة بعدم قابلية مجيء ذلك الفقيد واقعا . و على النحو الذي راح منه الشاعر يصور لنا كيفية تصوير أدق مفاصل حلقات غياب صلة اللاحق من على عين استجابة دليل و بديل الصورة المتشكلة عبر أفق مكنون المعنى الأحتمالي :

ضحكتك الحديقة ُ أقبلتْ

بطيورها

و تفرّقتْ

بطيورها

و توقّفتْ

طيراً

يرفّ

يرفّ . / ص31

ها هنا نعاين الصورة المتخيلة في الشطر المنتصف من مساحة النص ، حيث يبلغ مبلغا خاصا في إثارة إشكالية واقع الفقدان ، حيث يوغل المعطى الوصفي في جملة ( ضحكتك الحديقة أقبلت ) تحويلا استعاريا مجملا نحو إلتقاط ما تنطوي عليه فاعلية المسار التوافقي حسيا عن وجه الشبه و المشبه به ( المرأة / ضحكتها = حديقة ) ولا شك إن هذه الصورة المتخيلة أخذت تؤلف بذاتها كيانا أحواليا راح يضم مساحة إضافية من ثنائية الاتصال و الانفصال ( بطيورها / و تفرقت / و توقفت ) و على النحو الذي راح يجعل من حالة الانفتاح الدلالي نزولا نحو علائقية ما أخذت تتجسد انغلاقا من خلالها قابلية خاصة من طاقة الجمع و التفرقة : ( و توقفت / طيرا / يرف يرف ) الخطاب هنا غدا متوقفا و على النحو الذي أخذت تتمكن فيه و منه استجابة التوحد و الانفصال من دال ( الحديقة ) بأكملها الى مجرد حلمية و تصور ( طيرا يرف .. يرف = انفصال = اتصال = حضور غياب ) و بهذا التركيز واجهتنا المقاطع الختامية من النص و كأنها تصور لنا دلالة المعالجة الاندراجية في حركية مفاصل انقضاء السابق باللاحق الزمني و العيني بالوهمي المتخيل توصيفا مركزا :

ضحكتك السماء

نجومُها اشتعلتْ

و ضحكتك انطفاء . / ص31

يتداخل هنا النموذج الأول المتجسد مجازا ( ضحكتك السماء .. نجومها اشتعلت ) فيما يحيلنا المقطع الأخير نحو ذلك الكائن الذي غاب بعيدا ضمن مساحة التوقف الزمني و المكاني الفاصل بين المسار الوجودي للمعطى الكائن و بين شاعرية و حيوية تصوير ذلك الكائن و حالاته في عدسة كاميرا منظومة إزاحة الدال بين علاقة السابق الماضوي الفاعل و بين رؤية انقطاعاته اللاحقة الدوالية المتشكلة في ايقونة غيابات حتمية المعنى القصدي الراهن في النص .

ــ الفاعل الدوالي بين التحول و التدليل الدلالي .

أن حالة التمييز التحولاتية في معطيات الصيغة الدوالية ، يمكننا أن نعاينها ضمن مكتسبات الإداء القصديالمصاحب لجملة أفعال منفذة في مساحة مختلفة و مغايرة من اتصالية الاعتبار الفقداني الكامن في محمول موضوعة النص . و هذا الأمر ما جعلنا نهيم في قراءة معطيات الدور التحولي في أتون العلاقة القصديةالمكرسة في محكيات حالات و وضعية المنفذ الدال المضاف في علاقة و وصلة الاداء الاستدلالي المطروح في حيز فضاء الدلالة الشعرية الأخرى من فاعلية الترابط الخاص الى العام في مجليات الخطاب النصي . نقرأ هنا ما جاء في قصيدة ( أغنية البيكاجي ) من حالات توصيلية خاصة تسعى بدورها الى تأسيس و استيعاب ملفوظات فاعلية ( فضاء قصيدة الفقدان ) من جهات عاملية متعددة و مغايرة :

أنا البيكاجي

لا أدري أأنا حجرٌ أم حوتٌ أم إنسانٌ؟

لي عشراتُ الأبواب

ولكنْ لي بابٌ لا يعرفُهُ غيري . / ص72

إن اليقين المحوري بثبوت المحمول لفكرة و دال جملة (زهرة البيكاجي ) قد تقودنا نحو تلك الاجماليةالافتراضية لحصول عملية التغاير ما بين وصلات ( الأنا / التحول / الاستقراء / المقدمات المحتملة ) ومن جهة أخرى بحصول موقفية الاعتراض الاستفهامي النافر عن مستوى تلازمية الواصف بعلة المستعار التوصيفي المخبوء بمؤثرات حسية السؤال و المساءلة . فالشاعر هنا و عبر جملة ( أنا البيكاجي) يقودنا نحو جدلية التسمية اللاستقرائية في محتوى نسبية المحمول للتسمية ذاتها ، وصولا منها الى جملة اللاتوكيد ( لا أدري ) و حتى مرورنا بحقيقة النتيجة التي أخذ يبررها الشاعر لذاته عن طريقة تداخل الفرضيات المتخيلة في تحول طابعية نموذج التسمية و التجنيس في مطروحات النوع الحاصل في صياغة الهوية الايجابية المصاغة تنكرا عن محتوى الأنا : ( أأنا حجر / أم حوت / أم أنسان ) كما أن حالة الكشف الأخير في لفظة الكينونة الأنوية (أنسان ) أخذت تدلنا عن حيزية خاصة من سببية التلازم بين ثلاثية (الأنا / التحول / الأحتمال ) وصولا منهما الى جدلية عدم الاستقراء الحاصلة بين المحدد المجمل في تركيبة العلة و بين مبررات دوال المحتمل في هوية الحجر و الحوت ، و حتى ثبوت محمول اللاتوكيد الافتراضي الأخير كـ ( أنسان ) بات لنا هذا الأمر من التحديد الأخير الحاسم و باستيعاب مضاف الصفة الناجزة في فاعل علاقة المحتمل الايجابي بأنفصال تناقضية المحمولات المقدماتية كدال ( الحجر أو ألحوت ) بحقيقة ضرورة العلاقة الواصلة دلاليا . و من جهة أخرى تقودنا ملفوظات الحالة الوصلية اللاحقة بعين الشهود التعرفي المتعدد ، و الذي راح يوافق قيمة الأنا المتحولة في أفق صياغة مثالات حالة التوصيف لدى الشاعر ، كقوله مثالا : ( لي عشرات الأبواب / ولكن لي باب لا يعرفه غيري ) أن ملفوظ الحالة المتكلمة هنا جاء كمحاولة واصلة بمحتوى تعريف ( كينونة الفاعل المنفذ + تحويل مرسل + فاعل الكفاءة = علاقة محمول = تعدد الأنا = نقطة المركز = { لي باب لا يعرفه غيري } ) و عبر عملية تتابع شهودي تعدد ( لي عشرا الأبواب ) نلاحظ بأن الوحدة المركبة في موضوعة ملفوظات دليل إجمالية ( الأبواب ) تنحسر و تضيق وصولا الى مرحلية الاستقراء الأنوي في مكنون المتحول المفيد و بالتركيز على علاقة فاعل ( لي باب ) اشتمالا على كينونة الذات المحمولة بالتعدد و التفريد و التي تتلخص بجملة ( لا يعرفه غيري ) .

1ــ شيفرة الزمن الشواهدي في التعاطي الآنوي .

تتبين لنا من خلال معطيات المقاطع و الصور الشعرية اللاحقة من قصيدة ( أغنية البيكاجي ) وجود ثمة علامات و مؤشرات ثيماتية خاصة من شأنها خلق العديد من مرآيا الإجرائية الشعرية المكرسة في أفق أقنعة زمنية صفاتية أخذت تلاعب معنى الفقدان عبر مساحات ضمائرية من شأنها تمرير رؤى و أساليب خاصة من مخصوصية حساسية التحول و الثبات بظاهرية شعرية ناضجة و قابلة لتعدد القراءة المنتجة . كما الحال في هذه المقاطع من النص :

أنا شاهدة الأحياء

يمرُّونَ ولا يرونني

أنا الوردة الحجريَّة

من يصدِّقني ؟

و نافورة الشمسِ في الظهيره

في عرسي أدعو الغربان

أتزَّينُ بالأغصان

و أصدحُ كالبلبل في الشرفة .. / ص72

في كل مراحل النص آنفة الذكر ، نعاين مواجهة ( الذات الفقدانية ) وهي تتفرد بلبوساتها الجانبية و الإضافية المرتبطة بمعنى ضغوط الحساسية الفقدانية ، أي بمعنى ما ، هنالك وثيقة غيابية أخذت تتحدث عبر لسان و طقوس سياقات المستعار و التشبيه و المجاز و الرمز المكنون على حال المعنى الفقداني الدال بلا حدود . و بذلك نشاهد شهودية كينونية الذات الشعرية بمعناها اللامباشر تجسد صوت استدعاءاتها الضمنية ضمن خاطرة وردة البيكاجي ، لتتجاوز أقنعة وضوحها و إحالات وجودها المركون بصورة و دلالة الواصلة الترميزية المبطنة بروح المعادل الموضوعي : (يمرون ولا يرونني ) و لكن الشاعر يسعى في الآن نفسه الى طرح رؤى التساؤل حول اشكالية كينونة ذاته الاضافية الواصلة بقناع ( أنا الوردة الحجرية ) حيث يتضح هنا ان الطابع الاستيعاري هنا في مكونات الوردة الحجرية ، أضحى لنا دورا غرائبياإزاء عناصر العالم الخارجي ، فضلا عن هذا فإن شكل الإشكالية و طبيعتها غدا أمرا نفسانيا و سلوكيا كبيرا ، حيث لا يمكن لنا فصلها عن طقوس و حالات فنتازيةخاصة انطلقت منها الذات الشعرية في وحدات دلالاتها التكوينية و التقمصية المؤثرة .

2ــ مقاربات الأنا في عاملية تقاطبات الدال .

أمتازت قصيدة ( أغنية البيكاجي ) لعبد الكريم كاصدبخاصية تركيبية رصينة ، وذلك نظرا الى معمارية شكلها التوالدي و الذواتي المحفوف بإمكانية الطابع الفقدانيالذي راح يتوالد عنه مجموعة ثنائيات كـ ( الأنا / التحول : التقاطبات و التغايرات / المقاربة القياسية و المقايسة الاستقرائية / نسبية الدلالة و شمولية الدلالة / الذات المرجعية و مرجعية الذات ) و هكذا صرنا نعاين مجال اختراق لزوميات الأشكال الأحوالية عبر ملفوظاتمصاحبة من الاستدلالات الظاهرة و الباطنة في دليل مساحة النص . و على هذا الأساس نقرأ مثل هذه المقاطع من النص : ( في عرسي أدعو الغربان / أتزين بالأغصان / و أصدح كالبلبل في الشرفة ) إن هذه المقاطع من النص تقدم أصوات الإحالات فيما يخص بمرجعية الذات الشعرية بعينها ، و لدرجة وصولها الىتقديم المعنى القصدي في النص ككل و بذلك تصبح موجودات ( منفى الشاعر ) كمساحة مضافة الى سلسلة غياباته المعنوية و المادية إجمالا . فالشاعر الذي ضاع منه شريك حياته و وطنه ، راح يتنقل من حقيبة منفى الىمنفى : ( في عرسي = علاقة فعل = كينونة موضوع أدعو الغربان = فاعل الحالة = أتزين بالأغصان = تتابع الحالات و الأختلافات : و أصدح كالبلبل في الشرفة .. كالبلبل .. كالبلبل .. أنا البيكاجي = ملفوظ الفعل = تحويل وصلي = فاعل ذواتي منفذ ) أن مقاطع النص المتحولة بروح التنوع أخذت تشكل خروجا بسوادها الفقداني و بسمك مدلولها الأحتوائي المتصاعد نحو وحدة عضوية دلالية تقترب من فنتازيا كافكا المسخوية المؤطرةبمخططات الذات المنظورية المزاحة في دالها العلائقيالمؤطر بين غرائبية الموصوف و شعرية مأزومية الذات الواصفة .

                  ــ تعليق القراءة ــ

و للبيكاجي مآتمهُ

أمسِ صار البيكاجي شارعاً مرَّت فيه مواكب ..

و عرباتٌ بلا زهر ، و صبايا يرتدين الحداد ، ولا مارَّةَ

لا مارَّةَ على الرصيف

فجأةً انفتحَ بابٌ ودخل موكب

فجأةً غادرَ الموكب

وعاد البيكاجي ، ثانيةً ، غرفاً تتقابل كالعربات ، و شرفةً

تطلُّ على القارات الأربع ..

و البيوتِ المعلَّقةِ كالغسيل وهي تضيء في الظلمةِ من بعيد . / ص73

من هنا نفهم الكيفية الإجرائية لدى الشاعر في بعث الدليل القصدي ، خاصة و أن مصير الذات الشعرية بات تركيزا و تكثيفا نحو عتبات ( شعرية فضاء الفقدان ) و نحو شعرية منفى الذات المنكوبة بحسية اغترابية شاقة ، أراد الشاعر من وراءها ، صنع درجة عالية المقام عبر البوح بعمق الغربة و الاغتراب داخل الذات الشعرية أولا ، و إزاء الغير المضاد ثانيا : ( و للبيكاجي مآتمه ) نلاحظ ختاما أن حركة التوصيف و التصور و التصوير تتصاعد قدما من الداخل الى الخارج ، و من الخاص الى العام ، و من الوهم الى الإمكان و من اللازمن الى محنة زوال فضاء الأمكنة المألوفة ( و البيوت المعلقة كالغسيل و هي تضيء في الظلمة من بعيد ) هنا لعلنا ندرك أن الكتابة الشعرية في القصيدة لدى الشاعر الكاصد ، لم تعد شعرية جمالية عابرة يفيض من خلالها التخييل بأنساق الصور اليومية الرخيصة ، بل أنها امتدادا زمكانيا و مرجعيا يستجلب الشاعر من خلالها المخزون الذواتيالفردي و الجماعي عبر أفق محصلة الذاكراتية و الحلميةمن القول الشعري الذي راح يستنفر منه سطوح حالات الأوصاف الباردة من القول الشعري ، ليستخرج من قول القصيدة لنا معالم قرائية مغايرة و مختلفة ، أخذت تتناول الأشياء من خلال طبيعة مخيلة بارعة في توصيف و تشخيص حسية الوصف بوصف أفعال الذات الشعرية و بطرائق تشكيلية ثمينة .