23 ديسمبر، 2024 8:19 ص

دراسة في رواية (سيدات زحل) للطفية الدليمي تداعيات استعادة الذاكرة ومواقع تداخل الذاكرة الروائية – المبحث(2)

دراسة في رواية (سيدات زحل) للطفية الدليمي تداعيات استعادة الذاكرة ومواقع تداخل الذاكرة الروائية – المبحث(2)

مدخل:

توافينا مسار أحداث رواية(سيدات زحل)بذلك التماس المحوري في دليل العنصر الشخوصي المشارك،بموجب أقطاب المتشكل كذاكرة متداعية في بنية المواقع الذاكراتيةفي النص،إذ إنها تقدم لنا مجموعة الأحداث في زمن متعدد ومتوحد في الآن نفسه،إي من خلال جعل مشاهد المسرود الروائي،وكأنها حالة ترجيع لصور وحركة الذات والذوات الأخرى في مجال من تقنية تيار الوعي المبثوث في جملة محفزات ذلك الخيال المغرق بين ادائية الفاعل الذاتي السارد،وحوارية الأنا الشخوصية،إلى جانب جملة الإشارات والإحالات في أصوات وتداعيات الذاكرة المكانية والزمانية المتتالية توظيفا في محمول مواقع تداخل المحور الشخوصي الآنوي في نسيج حلمية السرد.

ـ موقع السارد المشارك في لبوسية الإستعادة الذاكراتية .

يبدو لنا إن السارد المشارك في رواية(سيدات زحل)المتمثل في محور الشخصية ـ حياة البابلي ـ موقعا استعاديا من إطار مفهوم واقع علاقات الذاكرة المبذولة في حيزية المكان والزمان الروائي،إذ إننا نعاين وجود حياة البابلي،في جملة مكوناتها الأولية في الرواية،حيث يربطها بالمكان والزمان المكاني(السرداب ـ أرجاء المنزل ـ أضطراب الذات ـ الحديقة ـ التواريخ و التقاويم ـ سقوط بغداد ـ تكتكة زمن الساعات) علاقة منحازة إلى صوت الخاصية الذاكراتية،في وجه خاص من خصوصية عامليات(موقع:السارد=الشخصية)صعودا إلى الهوية الإيديولوجية في صراع المدينة على مدى أحقاب التأريخ،وتبعا لهذا تترابط علاقة حياة البابلي بطابع أصوات المكان وبمحكومية موقعها كساردة مشاركة بالموقع ذاته من دلالة الرؤية وكشف صراع الذاكرة مع حاضرية أهوال المدينة: (كان أهلنا يحرمون علينا قطع شجرة السدر مخافة أن يحل شؤمها علينا فيموت أب أو ولد في مصيبة مفاجئة لم يحتسب لها أحد..لكنهم ماتوا جميعا دون أن نقطع أشجار السدر..مات شقيقاي وأبي وأمي وأبن خالتي وشقيق حامد أبو الطيور وماتت زينة وانتحرت لمى..مات رجال ونساء كثر في حروبنا المجنونة..وبقيت أشجار السدر ترسل أنينها في حدائقنا الحزينة ./ص13الرواية)يبقى مفهوم الشخصية المشارك في السرد،يروي من موقع واحد مهيمن،وعلى النحو الذي نصادفه فيه شاهدا،يقيم الحوارية الخاصة مع ذاته أستعادا لمواطن أنفتاح رؤيته حول تفاصيل الزمن الأولي من نمو فعل وأفعال الحكي،فعلى سبيل المثال،تواجهنا موقعية ذلك العم قيدار،لتبقى كرمزية مؤشرة على نقاء وصفاء وخصوصية ذاكرة المدينة وشخوصها الموغلون في خطوط تمايزها الأهم في مؤولات الرواية،كذلك الحال مع شخصية ذلك الطيف العاشق لحياة البابلي،الذي تربطها به أواصر ذاكراتية مزحومة بمكانة تحررية الذات من أصفاد واقعها الظرفي في مدينة الحروب: (خدر الحب تمدد في أطرافي وغصصت برحيق حلو فأضطربت روحي وتناثرت في الهواء..صرت هواء في الهواء..رقصت ودرت حول نفسي حتى أنبهرتأنفاسي/فتحت عيني ببطء..الأجفان ثقيلة والدوار يطوق رأسي..كأنني بعثت من موت مديد..نبرت الرجل عادت تلفني كدوامات الريح..في نشوتي تحت حنو صوته وشذا البرتقال./ص12 الرواية)إن المقاطع السردية من مجال علاقة الشخصية المشاركة،إزاء باقي شخوص الرواية،تتم ضمن بنى ترابطية من ذاكرة التداعيات الاستعادية وتعالقاتهاوامتداداتها نحو محاور الانعتاق من الذات المشاركة في ذاتها،ولوجا إلى الهوية الزمنية التي هي بمثابة أسطرة نقطة الفصل والوصل مع حاضر من محسوسية الواقع الراهن للشخصية الروائية،كذلك الحال يبدو مطابقا مع موجهات شخصية الشيخ قيدار من الواقع نفسه من تقنية موقع الاستعادة وتماثل المستعاد: (قيدار البابلي: أضاء الأسمرأسي..تيقنت إلى حد ما من كوني حياة البابلي بعد تأكيدات صوت الرجل..فقيدار عمي ومن إسمه أنكشف عالم شاسع كان محجوبا عن وأنا في وحدتي بين عتمات السرداب وكوابيس رعبي./ص14 الرواية).

اللاموقع في غياهب المواقع الشخوصية :

لابد من الاشارة هنا،إلى أن الوعي لدى حياة البابلي،هو عقدة مكانية ونفسانية خاصة،تتكفلها محفوظية هوية زمن الانتماء أو اللاأنتماء الوجود أو اللاوجود الوطن أو اللاوطن أنا أو اللاأنا،لذا فأن مرجعية الذاكرة تتوجه نحو منطقة اللاذاكرة غالبا نحو استدعاء شواهد الأسماء وعلامات الشخوص المحفورة على جدران السرداب ومرآياالسرداب وحتى عبر اللازمن في تكتكات الساعات العتيقة في باطن السرداب،وهذه الموجهات بدورها تأتي كموقعية فاعلة في ضم المواقع الأخرى الغائبة من الأصوات إلى أحياز رؤية الشخصية الكاشفة لمعنى وعيها المكاني والزماني والذاتي والانتمائي،إلى موقع حضورها الراهن كحلقة للترابط السردي،كما أننا قد لا نتخلى عن مفهوم الشخصية ذاتها في صراعها الواقعي مع المكان والزمن و الذاكرة،وهي في هذا الكل،أخذت تنمو نحو غاية لها،قد تنتهي أو لا تنتهي،لكنها تبقى تطرح أسئلتها ورؤى مذكرات حكاياتها مع اللاموقع غالبا.فالروائية الدليمي جعلت من شخصية حياة البابلي،موقعا واحدا،من شأنه أستجلاب فعل وخطاب وهيئة(اللاموقع)إيذانا منها إلى الخوض في فضاء المشترك المحيل بدلالاته على مواقع يراها المحور الشخوصي ذاته وبذاته،فيما القارىء يتعرف عليها من خلال صوت مرئيات الحكي الواصل على لسان حال الشخصية حياة البابلي: (كنت أسمع حفيف الموت حولي مع كل نفس من أنفاسي..صوت الرجل يرش على جوارحي ترياق النجاة..يرقيني بتعويذات الهوى..فينسحب الموت مؤقتا من نبرة النهار وفيء النخيل.زيفرمن رائحة الحب التي تفوح من رعشتي..أسمعه يتقهقر مع دبابات الأمريكان وهرولة المسلحين الملثمين في شارعنا المستباح./ص10 الرواية)وبهذا المنظور،تتصل صيغة الأنا الرواية في إطار علاقة اللاموقع،تجاوزا بالمعنى نحو التفاعل النصي الممتد بين موقع الحضور،تعريفا مرادفا لما شاع تحت مجهر اللاموقع،وبالصيغة المسرودة المضافة عن تداعيات الذاكرة ولواحقها التي تدور حول تجاور بنيات نصية في غياهب المراد من المعنى والإيحاء به.

2ـ شعرية علاقة التحقق وتحويل معنى العلاقة :

تحت عنونة هذا الفرع من المبحث المركزي العام،نتعرف على المقيد من صعيد ذاكرة الشخصية حياة البابلي،وليس الاستشهاد هنا بالمحاور الأخرى الشخوصية،سوى لأجل مجموعة من مثبطات التوكيد ومراجعة التمسك بهوية الأنا الشخصانية لدى حياة البابلي.تطلعنا العتبات المتنية الأولى من الرواية،على شكل فقدان الشخصية حياة في التعرف على ذاتها واسمها،كما نرى كيفية مهمة التعرف على الذات في حدود سياقية خاصة من نسق الاستدعاء و التحكم في مرآة الذات المنتجة في مختزلات شواهد الحكيفي مسافة فضاء أصوات الذاكرة الشخوصية في الرواية: (سمعت صوت رجل كأنه أبي..كأنه يوصيني : ـ لا تيأسي أبحثي عن عمك قيدار..أبحثي عنه في الجهات والكتب والأسماء والرؤى..قولي له رحل عدنان في غصة فقدكم جميعا..أنهمرت العبارات من صوتي أسرع من ذي قبل ولم أستطع التوقف عن الهذيان..أهي مادة حكاياتي تتدفق من رأسي؟؟ سمعت صوتي وأنا في دوامة من الزمن والتوله الجارف للرجل البعيد./ص15الرواية)ففي كل فقرات الرواية الأولى،نعاين حجم اللوعة النابعة من أعماق حياة البابلي،وكيفية معاودة حافز الاسترجاع ومولد التداعي لديها بمواكب صور و أصداء تزامن الذاكرة مع أستعصاء الأنصياع لمحاكاة واقع حال رحلة الذات في مواجهة حرقة ثبات الواقع في تفاصيله المشوشة،إذ إن محاولات حياة البابلي لتطويع فاعلية التذكر وتوظيفه شاهدا،كان بمثابة السعي إلى أستبعاد شبح الموت عنها ومصارعته وقدريتهالساعية إلى حتفها في مواطن ذاتها المغتربة مكانيا وزمانيا عن مسار ذاتها وهوية انتماءها الملفوظي: (لمن أتحدث؟من يفك ألتباس حالي بحالي؟من غير صوت الرجل يغمرني بعسل الكلمات وينقض كيمياء الموت ؟؟./ص15الرواية)ولعل صورة هذا التداعي الذي أخذ يمركز مواقع وأصداء الذاكرة في مجال بؤرة الإيحاءات النفسية والعاطفية وفي تشظيات مناجاة الذات الشخصانية لأفق ترجيعات مكونات وأحوال الماضي في مسار من الأبعاد الرمزية الحسية المتكاتفة في وصف آلية الأمكنة ومجالات تعاقب صعود الزمن نحو تراكيب الذاكرة ومواقع تداخل المحور السردي في مجملها.

ـ تقاطب المحور الآخر في رؤية مساحة الذات.

الوظيفة الذاكراتية في محاور تجربة رواية(سيدات زحل)ماهي إلا تقنية عالية تقدم فيها مخيلة لطفية الدليمي،جملة مشاهد تابعة للذاكرة الشخوصية تحديدا لدى المحور حياة البابلي،وفي مستوى جعل من المكون الشخوصي،كمرآة ترجيعية لصور وأحداث الزمنية والمكانية الغائبة عن عين الحاضر،مما أخذت تشكل بذاتها كوحدة عاملية من وسيلة التكثيف و الإزاحة في موضوعة استدعاءات الشخصية،ولكن جملة الأحوال المستدعاة،ليست واقعة في سبيل المصادفة من زمن المتخيل،بل أنها وحدات توكيدية من شأنها ربط مبررات الحكي في محاور استجابية خاصة من فاعلية نمو الشريط الروائي من مادة وقائع النص.فعلى سبيل المثال،نتنبه إلى وجود ذلك الرجل الحلمي في ذاكرة موجودات الشخصية حياة البابلي،فيما يلعب هذا المحور الأخير في أحداث النص كمرجعية ضمنية في محكي الغياب، إذن كانت أحداث النص تؤشر لذاتها في محورية الرجل المعشوق زمنا في الماقبل النصي أولا،ثم ليتم الحكي عنه في صيغة المشار إليه غيابا،وخلال هذه العلاقة المموهة استذكارا،نفتقد مبررات حضور الواقعة للشخصية المعشوقة في شكلها الفعلي في النص،أي بمعنى أكثر تحديدا،نقول أن وحدة وظيفة هذه الشخصية المحبوبة من قبل حياة البابلي،لا ترتكز عليها مواطن الأفعال السردية إلا في الشكل النسبي جدا،حيث لا نعثر إلا على شواهد بسيطة عنها في صلب التذكر والاستدعاء من ثقب الذاكرة المتشبثة بيوميات حكايا الوصل مع المكان و الزمن الأولي من فصل الرواية الأول: (خلعت قميص نومي ونثرت ضفيرتي وتعريت من ثيابي وزمني وخشيتي..أشعلت شموعا في عتمة المساء..فأضاءة زاوية من الحمام وانعكس النور على جسمي..دعكت صدري وعنقي وجسدي كله..بالزهور الطرية حتى توهج جلدي وتيقظت الحواس..صرت شجرة برتقال تفوح وسط الظلمة الخفيفة..قال لي أنه يحبني برائحة العشب والزهور البرية..قال أنني أذكره بطوفان الأنهار وضحكات اليمام..قال لي أنت شجرة المباهج وآية بقائي بين العالميين./ص15الرواية) تبقى تصورات الشخصية حياة البابلي للرجل الحلمي بمثابة الواقعة الاعتبارية في زمنية واقعها الذاتي،بل أنها لا تخبرنا عن مرحلة معينة ومحددة في علاقتها بذلك الرجل،سوى أننا نعاين وجود دلالات ظليةهامسة تطلقها ذاكرة حياة البابلي المكانية،أي أننا لم نتنبه إلى أواصر حدوثية وتمثيلية فاعلة وجادة في مؤشرات علاقة حياة الشخصية بذلك الرجل،إلا من زاوية ضيقة من نوازع همس ووحشة الروحية المتكونة للشخصية حياة في ظل واقع ذاكرتها للأشياء: (أغمضت عيني..رضخت لغواية صوت الرجل..بدأت هيئته تتشكل وتكتمل أمامي/أستحضرت ملامحه متأنية كأني أرسمه على سفوح مخيلتي/أيسمعني الساعة والمدن الغارقة في السبات؟أتبلغه عبر آلاف الأميال لثغة الشوق التي تتعثر على شفتي الراعشتين؟؟أينصت لتراتيل جسدي المهجور في ليل المذابح؟؟دارت بي دوامة من الشك بنفسي حين تلاشي وجه المحبوب و أنسحب الطيف عائدا إلى مداره في القارة الأخرى بعيدا عن نذالة الحرب./ص9ص16 الرواية).

ـ تعليق القراءة :

الساردة الشخصية حياة البابلي،تلتصق بها شواغل الذاكرة وعلاقة الأمكنة والأزمنة الأليفة والدموية،بل أن المحاور الأخرى لم تكن على علاقة زمنية شاغرة في أشكال مسرودهاالذاتي.لطفية الدليمي ربما أرادت لشخصية حياة البابلي في هذا الفصل المعنون بـ(الأسماء /بغداد نيسان2008)خلق مستوى من خاصية تراكم الذاكرة الذروية المستعادة والموظفة دليلا داخل عناصر وبنيات من حيز المكان المنعزل في الذات والجسد والسرداب وفي التأويل والعرض والمقاصد وتشغيل الشحنات المرجعية لمساحة مدلولية الأسماء والعلامات والذوات تأسيسا على أيقونة خطابية منكفئة في دهاليز طقوس ورياضة حوار الروح مع موجودات تواريخ الحقب الزمنية وملفوظات بقايا خرائب الأوطان المنداحة في تداعياتها المتداخلة بين محورية المستعيد وذكرى وظيفة ذاكرة المستعاد لأفق عتبات مروياتهالطويلة.