23 ديسمبر، 2024 4:20 ص

دراسة في تفكيك سرقات عبد الرزاق عبد الواحد من شعر الجواهري

دراسة في تفكيك سرقات عبد الرزاق عبد الواحد من شعر الجواهري

الجو العام
تتعدد ضروب الأدب العربي بتعدد أغراضه فقد وصل لنا من العصر الجاهلي عدة أنواع من الأدب العربي شعرا و نثرا و منها: المنافرات و المعارضات و السجع و الشعر أما ما يخص مفهوم
المعارضات فتعرف بنظم شعرٍ موافق لشعرٍ آخر في موضوع معين، حيث يلتزم نظم الشعر الآخر في قافيته، وبحره، وموضوعه التزاماً تامّاً يحرص فيه الشاعر على مضاهاة الشاعر المعَارَض في شعره إن لم يتفوق عليه، وقد يلجأ الشاعر إلى هذا النوع من الشعر عندما يرى في شعر غيره من الشعراء ما يمتاز به من فصاحة، وروعة صياغة، أو صور معبرة، وغيرها من أمور تثير في نفسه العجب
و أروع ما وصل لنا من الأدب الجاهلي من معارضات هي معارضة الزير سالم أبو ليلى المهلهل الى قصيدة الحارث بن عباد تقريبا ل 10 قبل عام الفيل حيث أرتبطت بقصة مؤلمه جدا في حرب البسوس عندما أرسل ابن عباد و هو رجل فارس و حكيم من بني بكر بن وائل أبنه بجير بوفد صلح في محاولة لأنهاء الحرب بين بكر و تغلب لكن الزير سالم قتله فقط لأنّه من بكر بن وائل بل تمادى و تشفى بقتله عندما قال له بوء بشسع نعل كليب !! فثارت ثائرة أبوه و كل بكر من ورائه من سابقة قتل رسول فقال أبوه يرثيه بقصيدة زيّنت صدر الأدب العربي منذ ذلك الزمان اسمها النعامة نسبة الى فرسه الكريمة :
قل لأمّ الأغرّ تبكي بجيرا – – ما أتى الماء من روؤس الجبال
قرّبا مربط النعامة مني — – لبجير فداه عمي و خالي
قرّبا مربط النعامة مني – – لا نبيع الرجال بيع النعال
فردّ عليه الزير سالم بمعارضة أسمها المشّهر نسبة الى حصانه فقال:
قرّبا مربط المشهر مني – – قرّباه و قربا سربالي
قربا مربط المشهر مني – – لكليب الذي أشاب قذالي
قرّبا مربط المشهر مني – – أنّ قولي مطابق لفعالي
اما في العصر الحديث فالمعارضات كثيرة جدا منها معارضة الجواهري لقصيدة المتنبي و التي قالها في مصر لهجاء ملكها كافر الأخشيدي
عيد بأية حال عدت يا عيدُ – – بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ
فقال الجواهري في مصر أيضا و ذات الموضوع في هجاء جمال عبد الناصر
ما زلت يا مصر و الأيام ترديدُ – – يسومك الخسف كافر و أخشيدُ
و معارضات أحمد شوقي معروفة و كثيرة و أهمها معارضته لقصيدة
يا ليل الصب متى غده – – أ قيام الساعة موعده
للحصري
عارضها شوقي ب مضناك جفاه مرقده – – و بكاه ورحّم عوده
السرقات الشعرية لا تعتبر معارضات لأنها لم تستوف شروط المعارضة التي تصاغ على ذات الوزن والقافية و الموضوع بل أهمّ من كل ذلك ان يعلن الشاعر رسميا بأنّ قصيدته هي معارضة لقصيدة شاعر آخر و لا يكتم الأمر و يقوم بسرقة صوره و طريقة صياغته و موضوعته و لا يصل الأمر الى توظيف تقنيات شعره و تتبع كل اساليبه في القصيدة الأصل لأنّ هذا يعتبر سرقة واضحة و ليست معارضة
فعلى سبيل المثال لا تعتبر قصيدة نزار قباني البائيّة في دمشق معارضة لقصيدة الجواهري البائيّة في رثاء أبي العلاء المعري حتى و ان كان كلاهما من ذات البحر البسيط و ذات القافية البائيّة مع ألف الأطلاق و السبب لأن التيمة لا تتطابق في القصيدتين و حتى و ان كان مكان ألقائهما واحد و هو دمشق لكن التيمة مختلفة تماما فقصيدة الجواهري كانت في موضوعة أبي العلاء المعري أما تيمة نزار قباني فكانت في دمشق و أنتمائها و حبه لها و بالتالي لا يمكن أسقاط مفهوم المعارضة على القصيدتين بأيّ شكل من الأشكال
يقول الجواهري :
قفْ بالمعرّةِ و أمسحْ خدَّها الترَبا و أستوحي مَنْ طبّبْ الدنيا بما وَهبا
أمّا نزار فيقول :
فرشْتُ فوق ثراكِ الطاهرِ الهُدُبا فيا دمشُقّ لماذا نبدأ العتبا

دلالة العنوان للقصيدتين
انّ موضوع هذه الدراسة هو سرقات عبد الرزاق عبد الواحد من شعر الجواهري من قصيدة الجواهري آمنت بالحسين و التي صاغ عبد الرزاق قصيدته في رحاب الحسين على منوالها
كلا القصيدتين من ذات البحر و هو المتقارب و بذات الموضوع التيمة و هو الأمام الحسين غير أنّ قصيدة الجواهري ذات قافية عينّية و قصيدة عبد الرزاق ميمية
و ما أظّها صدفة بل محاولة من عبد الرزاق للمراوغة و الأيهام و أبعاد مفهوم السرقة عنه حيث عمد السارق الى توظيف قصيدة الجواهري الأخرى في رثاء أخيه و التي كانت أيضا على ذات النسج و ذات التيمة الرثاء و ذات البحر المتقارب و ذات القافية الميمية غير أنّه نظمها في رثاء أخيه الشهيد جعفر و هي التي وظّفها عبد الرزاق في قصيدته حيث عمد الى أستغلال ثلاث قصائد دفعة واحدة للجواهري فقد أخذ القافية و البحر من قصيدة أخي جعفر و أخذ البحر و التيمة، الأمام الحسين، و الصور من قصيدته آمنت بالحسين و أخذ الديباجة الأستهلالية في المقاطع من قصيدة المقصورة و التي كانت أيضا على ذات البحر المتقارب و قام بتوظيفها كلها دفعة واحدة عبر عنصريّ الأيهام و المراوغة لتضليل القارئ و الناقد معا
لكن بمجرد تتبع دقيق لأبيات القصائد الأربع سوف نجد تلك السرقات التي عمد أليها عبد الرزاق حيث أستخدم السارق ثلاث قصائد للجواهري وظفها مرة واحدة في قصيدته و كل هذه القصائد من بحر واحد هو المتقارب و هي:
أستخدم الجواهري لفظة سلامٌ في قصيدته المقصورة 5 مرات
بينما أستخدم عبد الرزاق لفظة سلامٌ في قصيدته في رحاب الحسين 11 مرة

المقطع الأول
يقول الجواهري في مطلع قصيدته آمنت بالحسين مبتداً بجملة أبتدائية اسميّة محذوفة المسند اليه (فداء لمثواك)
ليحوّرها عبد الرزاق الى جملة أبتدائية أسمية محذوفة المسند ايضا
( سلام لمثواك )
في عجز البيت الثاني لتفادي التطابق في المطلع فقد حوّر فداءٌ على وزن فعولن الى سلامٌ مأخوذة من قصيدة المقصورة و وظفها في قصيدته في رحاب الحسين فقد جمع ديباجتين للجواهري و هما قصيدته المقصورة و التي كرر بها اللفظ سلامٌ خمس مرّات ليوظفها عبد الرزاق مع قافية قصيدة الجواهري في أخي جعفر الميمية المضمومة بينما أبتعد عبد الرزاق في قافيته قليلا ليجعلها ميمية مكسورة و كما أسلفت يستخدم عنصريّ الأيهام و التضليل بتوظيفه لثلاث قصائد جواهرية تعتمد على وزن واحد هو المتقارب ليوظفها في قصيدته الميمية في رثاء الأمام الحسين من باب الخداع السيميائي و هذا يدلّ على أن الرجل لا يستطيع نظم شئ الا على قوالب جواهريّة جاهزة بتغير الخلطة اللفظية و الديباجة لكل قصيدة تم توظيها وكأنّ قصيدته بدت خليط من عصارة شعرية الجواهري لكن جاءت بدرجة أقل بكثير لأنّ ديباجات شعر الجواهري و ألفاظه أقوى و أكثر عمق و بلاغة و صياغته لجملته محكمة البناء بينما بدت صياغة عبد الرزاق مثل هاوي مقلد حيث الركاكة و ضعف الصياغة و الصور المنقولة والأفكار المسروقة فلا تحسب له أيّة نقطة لأنّ قصيدته جاءت من حيث الألفاظ و الصور و التراكيب و الفكرة و التيمة و أقتفاء التقليد لدرجة التطابق في صور و ابيات كثيرة بدت كل هذه كمن يحاول ان يسرق لوحة مشهورة فيعمد الى أستخدام ألوان مختلفة لذات الفكرة و الموضوع و الوجوه التي بدت في اللوحة الأصل بأستخدام مفهوم الذكاء الأصطناعي و لكن جاء عبر عاملي اللغة و الخيال

المقطع الثاني
ينتقل الجواهري في المقطع الثاني من قصيدته الى مخاطبة الحسين بأستخدام حرف النداء ياء مرتين اذ يقول :
فيا ايُّها الوِتْرُ في الخالِدينَ
فذّاً، إلى الآنَ لم يُشْفَع
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ
للاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع
تعاليتَ مِن مُفْزِعِ للحتُوفِ
وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع
تلوذُ الدُّهورُ فمِنْ سُجَّد
على جانبيه. ومِنْ رُكَّع
و هذا المقطع يخاطب الجواهري الحسين بصفاته الراقية مثل الوتر، فذا، عظة، مفزع، و هي محاولة لأظهار خصال المرثيّ التي تظهر مكانته في قومه و في أتباعه و كيف صار عضة للطامحين و تحوّل قبره الى مزار للمؤمنين اذ يعمد الجواهري الى وصف المرثي بقوله مستخدما حرف النداء الياء و يا عضة الطامحين العظام
و هكذا يتنقل عبد الرزاق الى ذات المعطى فيقول في هذا المقطع فيما يخص نسب الحسين المقطع الثاني ليستخدم
ويا سيّدي يا أعَزَّ الرجال
يا مُشرَعاً قَطُّ لم يُعجَمِ
ويا بنَ الذي سيفُهُ ما يَزال
إذا قيلَ يا ذا الفَقارِ احسِمِ
تُحِسُّ مروءَ ةَ مليونِ سيفٍٍ
سَرَتْ بين كَفِّكَ والمَحْزَمِ !
لاحظ كيف عمد عبد الرزاق الى أستخدام حرف النداء الياء و كيف قام بأقتفاء أثر الجواهري في وصف الحسين ب أعزّ، و مشرعا، و يا ابن الذي، و هذا أقتفاء لفظي بل سيميائي لمقاطع قصيدة الجواهري و كأنّ الرجل لا يستيطع أن يصوغ قصيدته بلا تتبع أثر الجواهري لفظيا او صياغة او فكرة،

المقطع الثالث
لاحظ قول الجواهري في هذه المقطع :
وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ بِأَعْظَـمَ منهـا ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون لَحْمُكَ وَقْفَاً علي المِبْضَـعِ
وأنْ تَتَّقِي – دونَ ما تَرْتَئـِي ضميرَكَ بالأُسَّـلِ الشُّـرَّعِ
و لاحظ كيف تتبع عبد الرزاق أبيات الجواهري و قام بأعادة صياغتها مع أستبدال بعض الألفاظ مستخدما مفهوم الخداع اللفظي حيث يقول :
وإنَّكَ مُعْتَصَمُ الخائفين
يا مَن مِن الذَّبح ِ لم يُعصَمِ
وخُضْتَ وقد ضُفِرَ الموتُ ضَفْراً
فَما فيهِ للرّوحِ مِن مَخْرَمِ
وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ
على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ
أ لَستَ الذي قالَ للباترات
خُذيني..وللنَّفسِ لا تُهزَمي؟
وطافَ بأولادِهِ والسيوف
عليهم سوارٌ على مِعصَمِ
فَضَجَّتْ بأضْلُعِهِ الكبرياء
وصاحَ على موتِهِ : أقدِمِ !
مرّة أخرى يستخدم الجواهري الأختصار البلاغي في وصف صورة الأمام ومقتله و كيف وظّف الجواهري مفردتي ،ضميرك، و,الأسل، أي انّ الحسين سرعان ما أختار الموت دون ان يبيع ضميره و هذه الرماح تنهال عليه دون ان يتزحح من موقفه و ظل صامدا و لم يبع ضميره
لكننا نرى الصورة التي قلبها عبد الرزاق مستخدما ذات الفكرة من الجواهري في وصف تصدي الأمام الحسين الى موته المحقق فعمد الى أستبدال الأسل و هي الرماح الى الباترات و هي السيوف و مرة أخرى يلتجأ الى عاملي الأيهام و المراوغة للتغطية على سرقة فكرة الصورة التي رسمها الجواهري حول الكيفية التي تصدى بها الأمام الحسين للموت فحوّل صورة الجواهري في
لَحْمُكَ وَقْفَاً علي المِبْضَـعِ
الى :
وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ
على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ
و هكذا و كأنّ عبد الرزاق لا يستيطع ان يصوغ قصيدتة دون تتبع الى كل أبيات و صور الجواهري و أعادة صياغتها و أستبدال ألفاظ و أعادة رسم الصورة بألفاظ أخرى مثل على سبيل المثال كيف بدل الأسل ب الباترات و هكذا

المقطع الرابع
سَلامٌ عليكَ حَبيبَ النَّبيِّ
وَبُرْعُمَهُ..طِبْتَ من بُرعُمِ
حَمَلتَ أعَزَّ صفاتِ النَّبيِّ
وفُزْتَ بمعيارِهِ الأقوَمِ
وهكذا قد صاغ هذا المقطع على منوال قول الجواهري الذي يتطرق به الى نسب الحسين و كيف كانت أمّه فاطمة الزهراء البتول ويكفي ذكر أسمها ليعرف الآخر من تكون أنّه بضعة من نبي الله محمد ص أما أبوه فهو الأمام علي و الذي وصف الشاعر ب البطين
يابنَ البتـولِ وحَسْبِي بِهَا ضَمَاناً علي كُلِّ ما أَدَّعِـي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها كمِثْلِكِ حَمْـلاً ولم تُرْضِـعِ
ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ ويابنَ الفتي الحاسـرِ الأنْـزَعِ
ويا غُصْنَ “هاشِـمَ” لم يَنْفَتِحْ بأزْهَـرَ منـكَ ولم يُفْـرِعِ
كل ما فعل هو انه لم ينسبه الى البتول او البطين أبيه الأمام علي او جده هاشم من باب التضليل بل أستخدم الرسول حيث قال حبيب الرسول و برعمه في محاولة للأبتعاد عن صورة الجواهري في نسب الأمام الحسين
المقطع الخامس
في مقطع آخر من القصيدة يقول به عبد الرزاق في قصيدته في رحاب الحسين:
سلامٌ على آلِكَ الحوَّمِ
حَوالَيكَ في ذلك المَضرَمِ
وَهُم يَدفعونَ بِعُري الصدور
عن صدرِكَ الطاهرِ الأرحَمِ
ويَحتضنونَ بكِبْرِ النَّبِّيين
ما غاصَ فيهم من الأسهُمِ
و هذا المقطع تتبع الى مقطع الجواهري الذي يتحدث عن آل بيت الحسين بقوله
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ مِنَ “الأَكْهَلِيـنَ” إلي الرُّضَّـعِ
وخيرَ بني “الأمِّ” مِن هاشِمٍ وخيرَ بني ” الأب ” مِنْ تُبَّـعِ
ثم ينتقل عبد الرزاق الى مقطع آخر يصف به كيف يصدّ أصحاب الحسين السهام بصورهم العارية و هو أيضا مأخوذ من صورة للجواهري بذات المعنى فيقول:
وَهُم يَدفعونَ بِعُري الصدور
عن صدرِكَ الطاهرِ الأرحَمِ
و هذه الصور مأخوذة من صورة الجواهري التي يصف بها كيف تصدى أصحاب الحسين للسهام بصدورهم ليكونوا وقاءا للأمام بصدورهم و أذرعهم
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ- – كَانُـوا وِقَـاءَكُ ، والأذْرَعِ
و في مقطع أخرى يصف أبا الأمام الحسين الأمام علي فيقول :
ويا بنَ الذي سيفُهُ ما يَزال
إذا قيلَ يا ذا الفَقارِ احسِمِ
عليُّ..عليَّ الهُدى والجهاد
عَظُمتَ لدى اللهِ من مُسلمِ
و هذا أيضا قد صيغ على منوال قول الجواهري في أبي الأمام الحسين الأمام علي و أستخدم ذات حرف النداء الياء في بيت الجواهري بقوله الملاحظ كيف أستخدم حرف النداء مرّتين تماما كما فعل الجواهري
ويابنَ البَطِيـنِ بلا بِطْنَـةٍ – – ويابنَ الفتى الحاسـرِ الأنْـزَعِ
حيث يستفيض عبد الرزاق في تفكيك صدر هذا البيت في وصف حالة الفقر التي كان عليها الأمام علي و التي أختصرها الجواهري بصدر بيت فقط حيث عملت البلاغة الى أيصال الصورة كاملة دون أستفاضة مثلما فعل عبد الرزاق أذ يقول:
وَيا أكرَمَ الناسِ بَعدَ النَّبيّ
وَجهاً..وأغنى امريءٍ مُعدَمِ !
مَلَكتَ الحياتَين دُنيا وأ ُخرى
وليسَ بِبَيتِكَ من درهمِ !
فِدىً لِخشوعِكَ من ناطقٍ
فِداءٌ لِجوعِكَ من أبْكَمِ !
حيث كان بيت الجواهري أكثر بلاغة و أروع من حيث الصياغة سواءا من حيث جزالة اللفظ و دلالة المعنى بينما أحتاج عبد الرزاق الى كل هذه الأبيات ليلحق بصدر بيت واحد للجواهري و هنا يكمن الفرق في الشعرية و قوة الشاعرية بين الأصل و التقليد
الأختلاف الوحيد في القصيدتين
في نهاية قصيدة عبد الرزاق و التي كتبها و ألقيت ١٩٩٥ ليوظف موضوع الحصار بهدف التقرب الى السلطة التي كان لسان حالها و شاعر الطاغية الأول حيث وظف مغزى الشكوى وإن كانت موجهة من السلطة ليشرح فيها خذلان العرب للعراق و هكذا لا يتورع شاعر السلطة من أستخدام موضوع الحسين المقدس الى خدمة مولاه و سيّده الصنم المقبور لكي ينال المزيد من عطاياه و مكرماته حيث يقول :
لَئِن ضَجَّ من حولكَ الظالمون
فإنّا وُكِلنا إلى الأظلَمِ
وإن خانَكَ الصَّحبُ والأصفياء
فقد خانَنا مَن لهُ نَنتَمي!
بَنو عَمِّنا..أهلُنا الأقرَبون
واحِدُهُم صارَ كالأرْقَمِ !
تَدورُ علينا عيونُ الذِّئاب
فَنَحتارُ من أيِّها نَحتَمي!
لهذا وَقفنا عُراةَ الجراح
كباراً على لؤمِها الألأمِ
و في هذا المقطع فقط وجدت الأختلاف بين القصيدتين حيث لجأ اليه عبد الرزاق للمراغة عن سرقاته و لأظهار ان قصيدته من بنات أفكاره من جهة و أخرى للتقرب و التودد الى سيّدة الصنم ليستزيد من عطاياه على حساب جثث الشعب العراقي الصابر المبتلى

عوالم القصيدة

أثتبنا في هذا التحليل ان عبد الرزاق قد حشد ثلاث قصائد دفعة واحدة من قصائد الجواهري و وظفها معا في قصيدته في رحاب الحسين و هذه القصائدة هي :
1 آمنت بالحسين أخذ منها البحر المتقارب و التيمة الحسين
2 أخي جعفر أخذ منها البحر المتقارب و القافية الميمة و الموضوع الرثاء
3 المقصورة و أخذ منها البحر المتقارب و الديباجة و تكرار مفردة سلامٌ
أن أهم ما يستقف القارئ هي الظواهر السيميائية اللغوية في القصيدتين لما لها من دور يمكن أستخدامها كعلامات سيميائية لأساليب لغوية متنوعة تم توظفيها بشكل فني لتخدم الغرض العام للفكرة والقصيدة و هي الثبوت والدوام- والإيمان بالحسين و موقف اصحاب الحسين و تصوير المأساة في الطف
ويشكل التكرار ظاهرة واضحة برزت من خلال التراكم الكمي الذي عمل على ايجاد التماسك بين مفاصل النص وأصبح الظاهرة المهيمنة وجعل القصيدتين ترتفعان بالإيقاع الداخلي وقد ورد التكرار في القصيدة بأشكال أخرى مثل تكرار حرف الجر (من) في قصيدة الجواهري والمقاطع الصوتية و كذلك لقصيدة عبد الرزاق حيث كرر اللفظ سلامٌ أحدى عشر مرة و بدا كمن يريد ان يلقي التحية او الوداع الأخير

رسول عدنان
شاعر و ناقد عراقي