المقدمة
هناك حقائق علينا الاعتراف بها مهما تصورنا بشاعتها وجروح علينا نكأها مهما كانت اليمة لذا سأسمح لنفسي بالانطلاق لتحليل المأساة العراقية بكل صراحة ومكاشفة اليمة ومفرحة ايضا ً لانها تزيل العصابة عن عين كل من ابتلي بالعمى او لكونه لا يجرؤ على رفعها عن عينيه .
بداية ً فأن مصطلح ( التدهور الأمني ) ما هو الا كناية او تعمية نستخدمها لإخفاء حقيقة ما يحصل ونرفض الاعتراف به وهو العنف الطائفي واختيار المصطلح ضروري فهو بمثابة التعريف بالأزمة وتصنيفها ضمن نطاقها الصحيح وهو خطوة أساسية لحلها لذا فما يحصل هو صراع طائفي[[تدهور امني]] بين مزدوجين.
ان مأساة العنف في العراق ما هي الا صراع بين شخصيتين يمثلان توجهين احدهما مُصر على الادراك والاخر مُصر على التجاهل
العرض
مقاربة # 1 / لو نظرنا الى عالم الحيوان الذي هو دوننا من ناحية الادراك وفوقنا بشدة تجلي الغرائز نلحظ ان هذه الحيوانات لا تتورع عن افتراس ابناء جنسها او الاستعداد لإيذائها بمناسبات واحداث معينة .وبإسقاط تقسيم الأجناس على الأنسان سنجد ان تصنيف بلدان العالم مماثل لتصنيف الأجناس لدى الحيوان وبذا سنصل لحقيقة مفادها ان الشعوب التي تقتل بعضها بعضا ً هي شعوب اقرب للغريزة الحيوانية منها للإدراك الأنساني وان الشعوب التي لا تظهر العنف لأبناء جنسها هي ارقى بسلم الحضارة من الشعوب التي تقتل أبناءها.وما دمنا في العراق نقتل بعضنا فإلى اي طرفي الخط نحن ُ اقرب !
وحتى الامم المتقدمة لم تلجأ للعنف ضد شعوبها الا وهي في حالة تراجع أنساني مثل عنف النازية ضد شعبها وعنف الإمبراطورية اليابانية ضد اليابانيين .
مقاربة #2 / ان الدول تتقاتل فيما بينها عند مرحلة النشوء لانها تمثل مرحلة صراع وهو ما حصل في امريكا عند الحرب الأهلية [1861-1865 ] وتم الانتصار لطرف على اخر فتم الاعتراف له بذلك وكذلك تم له الحسم الاعتباري بأنه على حق –ولايات الشمال ضد ولايات الجنوب – واتفق التاريخ الامريكي على ذلك . لكن صراعنا في العراق يثبت ان امتنا لا زالت في حالة نشوء واستمرار هذا الصراع لقرون دلالة على ان صراع الوضع النهائي في العراق لم ينتهي لوجود طرف يعتبر انه لم ينته بالنسبة له وللأسف فأن هذا الصراع لم يتم الانتباه له ولا ادراكه فهناك دائما ً طرف يشعر انه مُضطهد وان الطرف الاخر مضطهِد له اذن فالحرب الطائفية في العراق هي حرب تشكيل الوضع النهائي .
مقاربة # 3 / ان الانسان عندما يلجأ الى القتل فهو اما ان يقتل بالطريقة السهلة –السائدة_او انه يلجأ الى القتل العنيف المبالغ فيه وبأساليب مبتكرة والقتل بهذه الطريقة دليل على وجود غضب وكره مكبوت ضد الضحية .فطريقة القتل غير المعتادة والعنيفة وعموميتها بالاستهداف -وهو حال العنف في العراق-تشير الى انها تنتمي للصنف الثاني من القتل وتذكرنا بالهوتو والتوتسي وبالعنف المفجع في سوريا .وهكذا قتل لا يحصل الا بين مجاميع او مجموعة تعتبر انها مختلفة كل الاختلاف عن المجاميع الأخرى وتريد الهيمنة عليها وهكذا عنف لا يصنف الا انه عنف طائفي او قبلي.
مقاربة # 4 / مما زاد من شدة العنف الطائفي في العراق ان اصطبغت هذه الطائفية بصبغة الروح البدوية التي تغذيه فاصبح قذيفة عنف طائفي تم طليها بيورانيوم العناد والفخر البدوي وكانت النتيجة ما نراه منذ 2003 وقبلها وما قاله الرئيس الأسبق وموثق تلفزيونيا ً من ان أعمامه في مضايفهم كانوا يقصون عليه :” ان اهل العمارة والناصرية كانوا يعملون بالاهوار بزراعة الشلب –لأنهم ﻓﮔﺮ- ومن شدة تعبهم ينامون فتشد رائحة أقدامهم النتنة الكلاب التي تبدأ بشد اقدامهم دون ان يشعروا بها لشدة تعبهم ” وهذا مثال واضح لروافد الروح القبلية والبدوية التي تغذي هذا العنف.
وواجبنا ان نوجه هذه الحقائق نحو الجهة التي تقتل ونقولها لها بكل محبة ان بقية الشعب مستعدة لان تمد لكم ايديهم لترتقوا فترتاحوا من عبأ الحقد والطائفية وتنظروا للحياة بنظرات سعيدة تجعلكم اخف وزنا ً واكثر سعادة مما انتم فيه الان فيوفروا على الناس عناء تحمل اذاهم.
مقاربة # 5 / الطائفة المظلومة لا زالت تتمسك بلعب دور ” الصبي المسكين ” الذي يعاني من تعديات ” الصبي الشقي ” ربما لاعتقادهم ان هذا سينجح او لكسلهم ببساطة وضعف أرادتهم فبخضوعه يرسل رسالة للصبي الشقي في انه اما يرغب بذلك ولا بأس به فهو متأقلم او انه ضعيف وغير قادر على الرد مما يغذي شعورا ً بالارتياح لدى المعتدي في انه ناجح بما قام به وفي ان العواقب كانت رسائل ضعف أعطته نشوة الشعور بالتفوق وبالتالي يكون الطرفان قد خسرا وان بنسب متباينة.
ان الأكراد مثلا ً استمروا ولمدة قرن من الزمان يصدحون بأنهم أكراد وليسوا عرب خسرنا خلالها أذاننا حتى اعترفنا باختلافهم بينما خسروا هم قتل وإبادة وتهجير لكن استمع لهم الظالم اخيرا ً واعترف انه قد ظلمهم وبالتالي كان لهم دور ايجابي بتصحيح سلوك المعتدي والغاء العنف.
اما الشيعة الفئة المظلومة كانوا خير عون لمن ظلمهم فهم يتجاوزون مظلوميتهم اعتقادا ً منهم ان ذلك سيخفف من وطأتها ويكون كالماء البارد الذي يصب على الحديد الساخن لكن اثبت فشله وعشر سنوات من العنف وعشرات آلاف الضحايا تشهد لكن لماذا ؟ لم اتخذ الشيعة هذا الموقف ؟ ان قرون طويلة من الاستبداد والاضطهاد -الذي لا نملك الا ان نقف أمامه مستغربين عند تصفحنا لكتب التاريخ- هكذا ظلم أقنعهم بأن يستمروا بلعب دور المستضعف دائما ً فهذا دورهم وليس لهم أي دور اخر وتناقلوا جينة الاستضعاف حتى رسخت وأصبحت من سماتهم وهو ما يعبر عن نفسه جليا ً بطقوس عاشوراء فهي طقوس ندب وبكاء وهو تصرف مرتبط بالضعيف المسكين ولطم وهو تصرف العاجز الجازع وضرب النفس وهو تصرف المنهزم الذي عجز ان يهزم سوى نفسه فحولوا الحسين صاحب اعظم موقف إباء وشجاعة -يستحق الاحتفاء به -الى انسان جار عليه زمانه وطحنته بلاياه وكتبرير عقلي لهذا العجز وحتى يتجنبوا الاعتراف والوقوف امام الذات اقنعوا انفسهم بأنهم انما مستضعفين بانتظار المنقذ المنتظر ونسوا انه منقذ لمنهج الله لا لجماعة او فئة وانهم عليهم الرقي والسير نحوه .
مقاربة # 6 / ان العنف في العراق هو عنف طائفي بالأساس وليس مجتمعي ولذا الكلام عن العنف المجتمعي لا يجدي كثيرا ً وان كان يجدي في تقليل العنف وسط كل طرف وستكون مجدية على مستوى الوطن في حال حُلت قضية العنف الطائفي ولكن لا بأس من مناقشتها من خلال مشاهدتان :
شاهدت أطفال جيراننا وهم بأعمار ثلاث وأربع سنوات وكانوا نظيفين ومرتبين ينتمون لعائلة ذات مستوى اقتصادي فوق المتوسط قريب من الجيد استغربت ان هؤلاء الأطفال الأنيقين وبمجرد خروجهم للشارع حملوا حجارة ورموها على قطط امام منزلهم وكانت ايديهم الصغيرة النحيلة وخطواتهم القصيرة المتسرعة من أرجل مرتجفة متعثرة كانت تفيد بمثابرتهم على هذا الامر واعتقد ان العنف الأسري من خلال اساليب التربية العنيفة والعقوبة الجسدية هي سبب رئيسي بجعل الفرد يحمل غضبا ًمكبوتا ً سيعبر عن نفسه مستقبلا ً من خلال فوقية المسؤول والقوى الأمنية ولا ننسى العنف المستتر من خلال صعوبة التعامل بيننا كمجتمع واستهلاكها لقدر كبير من طاقتنا.
مشاهدة ثانية رأيتها بمعظم المدارس وهي ان إدارات هذه المدارس تركز عند اساءة طالب ما على العقوبة الجسدية في حين ان هناك عقوبات أدراية فعالة تبدأ بإبعاد الطالب لثلاثة ايام ,اسبوع ,نقل من المدرسة ,فصل للعام الدراسي في حين ان الطالب يكون متخوفا ً حتى من ابسط العقوبات وهي الفصل المؤقت ثلاثة ايام.
العائلة تمارس العنف لأن الوالدين لا يعرفان وسيلة وطرق اخرى للتربية حيث تنقصهم التقنيات والحيل التربوية; اما المدرسة فاستغرب انها تصر على العنف وتبتعد عن تطبيق العقوبات الادراية رغم وفرتها ونجاعتها مما يحرم الطلاب من فرصة حقيقية لتغيير انطباعاتهم وتغيير نظرتهم الى المدرسة –كمؤسسة- من حيث كونها مهابة وجديرة بالاحترام وبالتالي ينقلوا احترامهم هذا لبقية المؤسسات عندما يصبحوا بالغين في حين ان العقاب الجسدي يعزز في عقولهم سلطة الفرد وانه يكون قويا ً بعيدا ً عن ظل المؤسسة التي يجب ان تكون تابعة له.
مقاربة # 7 / ان تراثنا الاسلامي (تاريخنا القديم) لا يفيد اننا امة واحدة وليس أعجب من القول اننا نستفيد منه انه يثبت ذلك !!. صحيح اننا امة واحدة لكن نظريا ً لا تطبيقيا ً أي نظرية واحدة لكن تنفيذان /
لا الله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله حسب التطبيق الشيعي للنظرية الاسلامية ولا اله الا الله محمد رسول الله ابو بكر وعمر خلفاء الله حسب التطبيق السني ; وبالتالي يصبح لدينا نظريتان مختلفتان وان تشابهتا بأطرهما العامة وإن رفضنا ذلك فعلينا ان نقبل ادعاء نظام ٍ ما انه شيوعي لان نظريته اشتراكية لكن تطبيقه رأسمالي نعم يستطيع مغالطة نفسه كما يشاء لكنها تبقى مغالطة .كذلك الحال مع نظرية الاسلام والأمة الاسلامية وتطبيقاها السنة والشيعة وأمثلة الخلاف بالمئات وليس العشرات سأكتفي بذكر بعضها مما يحمل في طياته مغزى ودلالة على وسع الفجوة وعمق الهوة بين التنفيذين:
الخلاف الشهير بين ابو بكر وفاطمة بنت الرسول على ارث فدك .فالشيعة يؤمنون ان فاطمة تمثل الامتداد المادي لأبيها فحضورها المقدس هو امتداد لقداسة جسد الرسول ناهيك عن انها تمثل امتداده الروحي لذا هي قطعا ً على حق ولا يمكن ان تكون الا على حق كائنا ً من كان الذي خالفها وبالنسبة للسنة فأبو بكر على حق ليس فقط لانهم يوردون الادلة على ذلك بل لأنهم سيكونون في وضع حرج ان لم يعترفوا انه على حق فلو سمحوا بتخطئته بموضوع الارث فهذا سيجر الى مسألة اخطر وهي انه ربما لا يكون على حق كذلك يوم السقيفة!.
هذا يوضح مدى عمق الخلاف وحدته لدرجة انه انسحب لكل الخلافات والتفاصيل الاخرى حتى اصبح خسارة خلاف ٍ ما في مجال اخر ليزيد الطرف الاخر قوة ويزيد الطرف الخاسر ضعفا ً فكل شيء مرتبط بمسألة الخلاف العميقة (الخلافة) وعدم أمكانية الهدنة عليها انسحبت الى عدم إمكانيتها بكل الخلافات الفرعية الاخرى مهما كانت بسيطة ورمزية ومنها مسألة (توحيد يوم العيد) فالتقريب بين المذاهب وكوننا ابناء امة واحدة وعقود من هذا الخطاب -الذي لم يكن عفويا ً وتلقائيا ً بقدر ما كان سياسي موجه -لم يفلح حتى ان يجمع السنة والشيعة ويدفعهم الى توحيد اعلان العيد من خلال اجتماع لعلية رجال الدين بالطرفين ليناقشوا بعقلية محايدة الأدلة الواضحة بمسألة بسيطة ورمزية لكن رمزيتها تعطي الدفع للوحدة الاسلامية لكن هيهات الاتفاق والاستعداد غير موجود والضغائن وركام زمن التطبيقين يمنعهما .اذن خطاب الوحدة الاسلامية رغم جماليته المثالية لكنه يبقى خطاب غير عملي واستهلاكي دعائي للبعض اما البعض الاخر من حامليه الذين يؤمنون به فهو يؤشر قصر نظرهم وسطحيته.
مقاربة # 8 / تاريخنا السياسي الحديث ; ان الخلاف على مستوى السياسة والسيطرة وإدارة شؤون الحياة لا يقل ضراوة وشقاق عن الخلاف على المستوى العقائدي فالصراع والعزل السياسي الطائفي موجود منذ ايام الحكم العثماني ثم عند انشاء الدولة العراقية أقيمت على ذات الأسس حتى انه عند تشكيل اول حكومة استغرق الامر المندوب السامي برسي كوكس شهرين لكي يقنع النقيب بتعيين وزير شيعي في التشكيلة الحكومية [ “تمكن كوكس اخيرا ً من أقناع النقيب والوزراء المتنفذين بالموافقة على إسناد وزارة ذات حقيبة الى رجل من الشيعة / تقول المس بيل :المظنون ان الوزارة سوف يعاد توزيع المناصب فيها من اجل إدخال رجل شيعي فيها ” .(المصدر:لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث / الجزء السادس القسم الاول / ص( 31) /دار الراشد بيروت] مما يلقي الضوء على النَفَس الذي كان سائدا ً ثم لحقتها ارقام تتعلق بالمشاريع المائية وإنشاء البحيرات ومشاريع البزل وتمركزها في المناطق ذات الأغلبية السنية ثم ارقام –والأرقام حقائق – تتعلق بعدد رؤساء الأركان وضباط المراتب العليا ورؤساء الجامعات من طائفة وإبعاد الطائفة الاخرى وتبني فكرة الطائفة الشيعية الجاهلة من قبل كامل الجادرجي ( المصدر :الطائفية في العهد الملكي / عبد الخالق حسين ) وقيام الطائفة المسيطرة بركوب موجة الاحزاب السياسية كلما أثارتها الأغلبية صادقة ثم الاستيلاء على الحكم فيتصرفوا بطائفية بينما طائفة الأغلبية تؤمن بحق بالأفكار التي تعتنقها ومن الامثلة على ذلك قيام عبد السلام عارف عند مطاردته للبعثية بإعدام البعثيين الشيعة وكان يسميهم بالروافض كما انه في حركة تشرين الثاني 1963 -التي قام بها للتخلص من أغلبيتهم القيادية لحزب البعث- قد استخدم في خطابه السياسي مفردة الشعوبية ليكون اول من يستخدمها ويدخلها كمفردة جديدة بقاموس الصراع السياسي الموجود اصلا ً ( كتاب الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق / فصل 13 –الطائفية في العهد الجمهوري القاسمي والعارفي / عبد الخالق حسين ) في حين استبقى على حياة البعثيين السنة لأنهم سنة وهو ينتمي لعشيرة سنية (جميلي ) فالانتماء الطائفي والعشائري اقوى لدى ابناء المنطقة الغربية والسنة من الاعتقاد السياسي وايضا ً قيام صدام بتصفية آلاف الشيوعيين من ابناء الوسط والجنوب والثورة وبغداد الجديدة فارتقوا المشانق ولم يدخر حتى النساء فالحزب الشيوعي يمتلك في ارشيفه اسماء لآنسات وسيدات من ابناء هذه المناطق مناضلات شيوعيات شيعيات تم شنقهن نسين انتمائهن الطائفي لكن قاتليهن ّ لم ينسوه ,وان الألم ليعتصر القلب حينما يقرأ هذه الاسماء ويتصفح الوجوه اللواتي أطاح بها الكره وخدشت رقة وصفاء حياتهن أيادي خشنة عملاقة اغتالت سلام أيامهن.
وخلال حكم صدام تكررت آلاف الحالات من اعدام الشيعي وسجن اهله والتضييق عليهم للدرجة السادسة في حين يتم الحكم بالاعدام على القائد العسكري السني ثم تخفيض الحكم للسجن ثم أخلاء السبيل وحادثة ظهور احد قادة صنوف الجيش العراقي على قناة الشرقية يحرض ضد الحكومة وهو مخمور لم تبرح ذاكرتنا فقد ذكر انه حكم بالاعدام لكنه مع ذلك بقي حيا ً حتى سقوط النظام ليبدأ التحريض على النظام الجديد.
ثم الاختلاف على صدام هل هو شهيد او طاغية تبعا ً للتباين الطائفي وليس المنطقي العقلاني وتصريح نائب رئيس الوزراء صالح المطلك عند زيارته لمناطق سنية في أطراف بغداد ان جهاز مكافحة الارهاب قد تحول الى جهاز ارهاب ونحن بحاجة لقوات أمنية تقاتل الارهاب لا ارهابية تقاتل المواطنين وهو قلب خطير للمفاهيم والمصطلحات او مطالبة السنة باطلاق سراح المعتقلين ومطالبة الشيعة بحقوق ضحايا الارهاب.
اذن علينا التكاشف والتصارح على هذه الحقائق لنرى استعداد كل طرف للأعتراف بها حتى اذا تم الاعتراف ننتقل بعدها الى المرحلة الثانية وهي ان نتخذ القرار اما ان نبقى أخوة رغمها متجاوزين عنها فيحصل خلق وايجاد للثقة بالعمل المشترك- ومن الخطأ ان نعتقد ان القضاء على المشكلة الطائفية يتم من خلال تبني النهج الوطني والتوجه المدني إذ انهما بلا عملية مكاشفة سابقة سيعني ان تتم الإطاحة بهما كما أطاحت الامثلة السابقة صدام وعبد السلام وصالح المطلك بمبادئ الوطن امام الطائفية وعندها نعود الى ما كنا عليه وتذهب المدنية أدراج الرياح- او ان نقرر فظ الاشتباك والانفصال وله عدة طرق وأشكال ومنها الايهام بالانفصال فهو يوجه رسالة لأدمغتنا بحصول الانفصال او وشاكته لكنه غير حاصل ويكون ذلك بتتفتيت المركزية لانه سيعني تجنب الاحتكاك قدر الامكان وعدم وجود شيء يتم التنافس والتقاتل عليه ثم ان اللامركزية الادارية والغاء الوزارات سيعني انشغال كل طرف بادراة شؤونه فيخلق منافسة كما انه يوصل رسالة قوية الى عقولنا بأن هناك بداية انفصال أي فراق وبذا يفعل هذا الإيهام بالانفصال فعله فيؤدي الى انهاء العنف لانه سيكون معلوما ً لدى عقل المجموع للطرفين ان عدم التوافق سيعني الغاء اللعبة من أساسها وليس ان تكون لصالح طرف ضد طرف فقط .وأهمية المكاشفة تكمن انه حتى لو رفض الطرف الاخر مضمونها والاعتراف بها فالطرف الذي يتشكى سيجبر الاخر على الاستماع لشكواه واحترامها ووضعها بالحسبان حتى وان لم يعترف بها لفظيا ً.
مقاربة # 9 / ويتعلق بالموقف السياسي حيث كان موقف الحكومة بالنسبة للخلاف الطائفي في غاية الانتهازية والنفاق وتحميل الكتل السياسية خطيئة الطائفية محق في انها تبنته لكنها على اية حال لم توجده .فهذه الكتل على صعيد الخطاب توجه خطاب وطني لكن على صعيد التطبيق وبالنسبة لهم أقاموا الدولة على اساس ثلاثة أركان سنة ,شيعة,أكراد حاصصوا الحكومة ليضمنوا بقاءهم .
مقاربة # 10 / أخطاء المسؤولين التنفيذيين ;هذه المقاربة تتعلق بالمعالجات من قبل الحكومة ولذا يجب تغيير الاصطلاح هنا فهو بالنسبة لها تدهور امني وليس عنف طائفي لان اختصاصها الحل وليس بحث الاسباب وقد برز هنا خطأ اساسي وهو سوء اختيار القادة.
ظهر هادي العامري على قناة العراقية وصرح بان الجيش العراقي -حماية سجن ابو غريب- لا يمتلكون دافع حب الوطن والا لكان شخص واحد بدوشكة على برج يكفي لحصاد الهاربين .وهذا كلام غير دقيق تعمد التضليل ,هناك حادثة مشهورة في احد حروب التحرير في جنوب شرق اسيا عن جندي القى بنفسه تحت المدفع اثناء سحبه للأعلى على سفح جبل فقال القائد بهكذا روحية من جندينا لن نخسر الحرب وهو جندي واحد ,فكم هو عدد منتسبي الداخلية والدفاع الذين عانقوا رُسل الموت منذ 2003 للآن !! لا ابالغ ان قلت انهم بالعشرات .
فبفضل الفساد السياسي (محاباة واظهار فروض طاعة) وفساد مالي (رشاوى وشراء مناصب امنية ) قام هؤلاء القادة السياسيين بتعيين قادة غير كفوئين وبالتالي انهار الملف الامني والا كيف نفسر الروحية الفدائية للقوات المسلحة مقابل انفلات امني ; انه سوء اختيار القادة وله دور غاية في الخطورة والتساهل به تساهل بتحسين الواقع الامني لأن المقاتل في ساحة القتال وعند مواجهته الموت سيضعف عنده لدرجة الانعدام مفهوم الوطن ويصبح بالنسبة اليه -لحظة المواجهة والاشتباك- ليس الا (و ط ن) شيء مبهم ومجرد لذا انتشر القول نقلا ً عن بعض الجنود ايام حربنا مع ايران وكذلك بقية الحروب العالمية ان الجندي عند لحظة الهجوم يتم التوقف عن توجيهه بالجهد التعبوي الدعائي –توجيه سياسي- فلا يعود يسمع شعارات الدفاع عن الشرف والوطن والارض والعرض ولا يخاطب بسوى حقيقة محسوسة وحيدة ” دافع عن نفسك حتى لا تقتل !! “.
لكن اختيار القائد الجدير سَيُحول هذا الوجود المجرد للوطن الى شيء محسوس له أبعاد متمثل بقائد شجاع شهم قوي الشخصية بارد الأعصاب عند المواقف الصعبة أنيق جسده يوحي بالسيطرة بطل بمعنى الكلمة وحينها عندما تسقط كل المفاهيم التي تدفع الجندي للأستبسال والموت لن يجد سوى دافع اكثر من كاف وهو الخجل والخشية من ان يفقد احترامه فيسقط من نظر قائده فيقاتل بشجاعة حتى الرمق الاخير-كتب الله لشجعاننا السلامة-.
وهو ذات المفهوم الذي عبرت عنه القصة الشعبية حول مواجهة حصلت بين قطط قائدها اسد وبين اسود يقودها قط قام الاسد قائد القطط بضرب القط قائد الاسود فقذفه بعيداً في الهواء فاذا بأتباعه القطط بعد ان رأوا شجاعة قائدهم قد تشجعوا فقفز كل منهم على وجه اسد من الاسود وكان ذلك هو مصير الاسود التي أسلمت قيادها لقط .
خطوات المعالجة :
1 / المكاشفة حول كل ما يتعلق بالتراكمات الطائفية فيما يتعلق منها بتاريخنا الحديث ( السياسي ) تحديدا ً وهذه المكاشفة تكون هدف بحد ذاتها.
2 / التوجه نحو اللا مركزية قدر الإمكان وإعادة ترسيم حدود المحافظات الى ما كانت عليه قبل تغييرها اواخر الستينات.
3 / ايلاء اهمية قصوى لاختيار القادة الأمنيين والميدانيين فحسن الاختيار يؤدي الى خلق قوات نوعية فيصبح جندي يعدل عدة افراد من العدو مما يساهم بغلق الفجوة حتى وأن افترضنا تواضع التسليح.