23 ديسمبر، 2024 8:17 ص

دراسة عن الشعبوية بين التشويه والحقيقة

دراسة عن الشعبوية بين التشويه والحقيقة

الشعبوية السياسية هذا المصطلح نشأته في روسيا القيصرية والولايات المتحدة وتجذرت ثم انتشرت في أوروبا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والذي يدعو إلى إيلاء الشعب الدور الأساسي و الريادي في العملية السياسية وبدأ الاهتمام بهذه الظاهرة بعد صعود نجم التيارات والأحزاب في اوروبا التي تصنف بأنها قومية ويمينية ، ومنها انتقلت الى البلاد العربية في القرن العشرين حيث احتلت مواقع مهمة في العديد من الدول، ، واستغلته الانظمة العربية السلطوية واعتمدت على خلق عدو وهمي للتذرع به، في قمع الشعوب وكبت حرياتها وسلب حقوقها، في التاريخ الحديث، مثلت الدكتاتوريات تلك هذا العدو بجهات عدة، وفي الحقيقة هذا الأمر غير موجود بل هو نوع من الوهم والخيال فقط، ويشبه الكاتب بيتر بايكر، في تحليله الذي نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، الشعبوية بأفلام الرعب في كثيرٍ من الأحيان؛ وكأنَّها بكتيريا تسلَّلت بطريقةٍ ما عبر دفاعات الديمقراطية، بمساعدة السياسي الإعلامي ستيف بانون على الأرجح أو غيره ممن يتلاعبون بالجموع، لتُسمِّم الحياة السياسية وتخلق فئاتٍ جديدةٍ من الناخبين الشعبويين. بينما نشرعالمٌ سياسي هولندي شابٌ يُدعى كاس مود رسالةً في عام 2004 قال فيها ان الشعبوية مفهومٌ مُفيدٌ وله معنًى أكثر تحديدًا من الديمقراطية، لكنَّه يُمارس بطريقةٍ كريهةٍ من وجهة نظر الكاتب. وكأن مُهتمًا وفقاً لبايكر بتحدِّي فكرتين بديهتين شائعتين عن الشعبوية: إحداهما أنَّها تتميَّز بخطابٍ «يعتمد بالأساس على العاطفة والبساطة»، والأخرى هي أنَّها تتألَّف بشكلٍ أساسيٍ من «سياساتٍ انتهازيةٍ» تهدف إلى «شراء» دعم الناخبين

.ويرى الكاتب رضوان زيادة شكل وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، ونجاح النصف البريطاني المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ذروة نجاح السياسة الشعبوية في كسب ثقة الناخبين والوصول إلى سدة الحكم.ويضيف في جهة اخرى “بأن جزءاً من نجاح ترامب على الأقل جاء نتيجة اتباعه سياسة استثارة هوية الانتماء للعرق الأبيض التي كانت ما تزال كامنةً على شكلٍ خفيٍ حينها”.

ومن هنا قد استبسلت البعض من الأنظمة العربية السلطوية في صنع بطولاتها المزعومة وفق هذا المفهوم ، من خلال دغدغة المشاعر والعواطف واللعب على المخاوف، من أجل الوصول إلى الناس وكسب تأييدهم، وبذلك كرست فلسفة الديماغوجية لترويض الجماهير العربية والتحكم فيها واستعبادها ،علمًا أن الشعبوية لا تقتصر على اليمين فحسب بل تتعداه إلى اليسار، والأمثلة كثيرة جدًا. ووصف الشعبوية يحيل على النزعة في التفكير السياسي تجنح لتقديس الشعب وهي الفكرة التي يراها المفكر عبد الإله بلقزيز أنها مناط الخلاص النهائي لشرور العالم ،كون أصحاب هذه النظرة يقدسون الشعب و أن كل مايقوله الشعب في أصحاب هذه النظرة هو قول الحق الذي ما بعده قول موثوق. وهي النزعة التي يراها عبد الإله بلقزيز( كاتب ومفكرمغربي معاصر حاصل على شهادة دكتوراة الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباطو متخصص في الفكر السياسي والعربي) تضع نفسها مقابل النخبوية التي تحتقر الشعب والجماهير ،لأن الشعبويون يحتقرون الفكر و يقدسون الممارسة.

والمعلوم ان اكثر التحليلات اقتصرت على خطابين لا ينتميان إلى نفس الايديولوجيا،والتي تمثلت في ظاهرة اليمين المتطرف،و في ظاهرة اليسار الراديكالي،الأول بنى خطابه على المسألة الهوياتية، التي تتسجد في حماية أبناء الوطن من “الأخر” الذي يعتبره خطرا على مصلحة الدولة القومية. بينما خطاب اليسار الراديكالي يجد صداه عند الشعب كون النخبة المحتكرة للقرار السياسي سبب في خلق الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية وحيث يعمل هذا الخطاب على إبراز مثالب وعيوب الطبقة الحاكمة .

ان الخطاب الشعبوي المعروف عنه هو خطابٌ مُبْهَمٌ وعاطفي، لا يعتمد الأفكار والرؤى، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى تماماً أو يتطابق مع المزاج السائد أو يختاره صُنّاع الخطاب ليبدو على أنه سائد، من دون أن يفيد، من ناحيةٍ أخرى، في التعامل الجدّي والمسؤول مع المشاكل الواقعية. ويُكْثِرُ الخطاب الشعبوي من التركيز على وردية الحلم وتبسيط الأمور في شكلٍ مسرحيٍّ كرنفاليٍّ، مع الإحالة إلى التاريخ الذي يتم استحضاره واستخدامه كوسيلةٍ إيديولوجيةٍ ذات عمقٍ انفعالي.ويرى الباحث الفرنسي بيير أندريه تاغييف أنه من الخطأ مساواة الشعبوية مع الديماغوجية. فالديماغوجي يهدف إلى تضليل الآخرين بينما الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه. ويقول الباحث بأن للشعبوية عددا من الخصائص الأولية. أولها أنها تمثل ثورة ضد النخبة. وهي تزعم أن السياسة هي شيء سهل ويمكن إدراكها بالنسبة للجميع وأن اعتبارها معقدة يعود إلى مكيدة وضعها النخبويون لإبقاء المواطنين العاديين خارج عملية صنع القرار. ويرى تاغييف أن معظم جمهور الخطاب الشعبوي من الأميين والفقراء خصوصا في المناطق الحضرية، وهي الشريحة التي وصفها كارل ماركس بنبرته النخبوية المترفعة بـ «البروليتاريا الرثة» أو بقاع المجتمع.

اما المقصود بالشعوبية اصطلاحاً او(populism) تعني تيار سياسي يقوم على “تقديس” الطبقات الشعبية في بلد ما، ويتبنى خطابًا سياسيًا قائمًا على معاداة مؤسسات نظامه السياسي ونخبه المجتمعية. تكاثرت أحزابه وحركاته في البلدان الغربية خاصة؛ ما أجج المخاوف على استقرار النظم الحاكمة فيها. وفي نفس الوقت يستخدم السياسيون والأحزاب مفهوم الشعبوية لجذب الجماهير وكسب تأييدها، وخلق شعبية لها تمكنها من الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها. وبالنتيجة فهم يتلاعبون بالشعارات لغايات سياسية، ويثيرون مواضيع تتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية ليركزوا انتباه المواطنين والرأي العالمي حولها كقضايا جوهرية وأساسية، بالرغم من أنهم لا يقدمون الأدلة الدامغة والوقائع التي تثبت صحة أفكارهم، كما أنهم يطرحون شعارات وينسونها ولا يطبقونها، لأن أملهم بالنسبة إليهم كسب معركة انتخابية مثلًا أو تجاوز أزمة سياسية واجتماعية تمر بها البلاد، ولذلك تقترن الشعبوية بالفوضى في الطرح والغوغائية، وتبرز بشكل خاص أثناء الأزمات والاضطرابات السياسية والكوارث التي تعصف بالمجتمعات ويركز الشعبويون عادة على عواطف الناس وغرائزهم في كسب الشعبية، وكانت بدايات الشعبوية مرتبطة بالتوجه السياسي الاشتراكي والمطالبة بحقوق الفلاحين، ثم تطورت إلى حركات اجتماعية سياسية ذات توجهات قومية ويمينية، وهي الأخطر على مؤسسات الدولة وقوانينها وسياساتها الداخلية والخارجية المعتدلة وغير العنصرية أو المعادية للآخر على أساس الدين أو العرق أو الانتماء الجغرافي .