27 ديسمبر، 2024 8:55 م

دراسة علم الصيدلة في العراق جريمة لا تغتفر

دراسة علم الصيدلة في العراق جريمة لا تغتفر

إن ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع المحزن جدا هو معرفتي مؤخرا ببرنامج تدريس علم الصيدلة في كلية الصيدلة – جامعة بغداد، والتي كانت يوما ما من أرقى الكليات ليس في العراق فحسب بل في العالم العربي بأجمعه، حيث علمت أن برنامج التدريس في هذه الكلية هو أسوأ من أي برنامج لأي كلية صيدلة، ليس في العالم المتحضر فحسب، بل حتى في كليات الصيدلة في أكثر الدول فقرا من دول العالم الثالث.
وحيث لا مجال هناك للمقارنة بين برنامج تدريس علم الصيدلة في جامعة بغداد وبين تدريسه في أي جامعة بريطانية، لكني إخترت أن أعرض على القارئ الكريم أوجه الفروقات بين دراسة الصيدلة في كلا البلدين، لكي نعلم إلى أي مستوى إنحدر إليه التعليم العالي في العراق، وخصوصا الدراسات الطبية والصحية.

منهاج التدريس لكلية الصيدلة في جامعة بغداد يتم خلال خمس سنوات، أدرج لكم أدناه مفردات المنهج التي عندما شاهدتها أصبت بالغثيان، كوني كنت أستاذا لعلم وظائف الأعضاء والعقاقير حيث درستهما في جامعات بريطانية وأمريكية وكندية، وتعرفت في تلك البلدان على أروع برامج تدريس العلوم الطبية والصحية وحيث نلت معرفة كبيرة فيها مارستها في تدريسي لتلك المادتين.

فلنبدأ بما يدرسه الطالب في السنة الأولى
فهو يدرس مبادئ حسابات صيدلانية (لا أدري ما هو وما هي الفائدة منه) والكيمياء التحليلية واللغة العربية (لماذا تدرس هذه بحق السماء؟)، والحاسوب (وهنا الطامة الكبرى حيث تدرسه سيدة تجبر الطلاب على استخدام برنامج حاسوب ايراني المنشأ ولا تسمح للطالب أن يستعمل غيره بالرغم من أن مايكروسوفت فيها برنامج رائع جدا لذلك، وبهذا نرى أن ايران أدخلت عنوة في تدريس مادة لطلاب الصيدلة)، واللغة الإنكليزية التي لا حاجة لطالب الصيدلة بها فطلاب وشباب اليوم لديهم معرفة جيدة بكيفية استعمال الحاسوب وكذلك اللغة الإنكليزية من خلال تعلمها باستمرار دراسة مقررات المنهج التي جميعها باللغة الإنكليزية، والرياضيات والإحصاء وهذه درسها الطالب في مرحلة الدراسة الإعدادية وليس بحاجة لها في دراسته للصيدلة، وأخيرا موضوع المفردات، أي تعاريف للمفردات التي تستعمل في علم الصيدلة.

سنة كاملة لا فائدة منها على الإطلاق …

أما مفردات منهج السنوات الأربعة الأخرى، فحدثوا ولا حرج … يتخرج بعدها الطالب على أنه “دكتور صيدلي”، ولا يقبل بلقب “صيدلي” فقط بل يعتبرها إهانة ان لم تقل له “دكتور”، وكأن الإسم او اللقب سيمنحه علم المهنة التي لا يستحق أخلاقيا أن يمارسها بسبب سوء برامج التدريس التي حصل عليها في كلية الصيدلة والتى لا ترقى دراستها في أي كلية صيدلة أخرى في أي دولة من دول العالم.
مع معرفتي بأنني سأتعرض للإنتقاد والتجريح لما كتبته في مقالي هذا، لأن من سيفعلون ذلك هم من خريجي كليات الصيدلة في العراق .. فلا بأس بذلك، ولكن قبل أن يفعلوا أطلب منهم ومن القارئ الكريم أن يطلع على مفردات ونظام التدريس في واحدة من كليات الصيدلة في بريطانيا، ألا وهي كلية الصيدلة في جامعة بيرمنغهام، وكما يلي:

السنة الأولى
يركز تدريس علم الصيدلة في السنة الأولى في جامعة برمنغهام البريطانية، والتي اتخذناها كمثال جيد لدراسة الصيدلة في بريطانيا، على أساسيات العلوم الصيدلانية، بما في ذلك بايولوجيا الخلية cell biology وعلم وظائف الأعضاء physiology وعلم العقاقير pharmacology. ويتعلم الطالب أيضًا المبادئ الأساسية للكيمياء الصيدلانية، والتي تدعم صياغة الأدوية وتركيبها. كما يكتشف الطالب المزيد عن مهنة الصيدلة نفسها، والتي تغطي مجالات مثل بيع الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية، وقانون الصيدلة، وتحضير وصرف الأدوية، ودور الصيدلي في المجتمع وأنظمة الرعاية الصحية. كما يتعلم الطالب استكشاف الجوانب الرئيسية لإتقان المعلومات والطب المسند إلى الأدلة في هذه السنة الدراسية. هذا وتتم معظم عمليات التعلم في سياق موجه نحو المريض مدعومًا بسيناريوهات محاكاة. كما تتاح للطالب أيضًا فرصة مثيرة لتجربة المهنة بشكل مباشر في مواقع كالمستشفيات والرعاية الصحية الأولية.

مع أكثر من 70 منفذًا في مقاطعة ميدلاندز Midlands (حيث تقع مدينة برمنغهام) لكلية الصيدلة في جامعة برمنغهام علاقات حصرية مع صيدليتين مجتمعيتين اللتين توفران فرص تدريب حيوية للطلبة وتوفر خبرة عمل أساسية للمساعدة في الحصول على إجازة ممارسة مهنة الصيدلة.
ويستفيد الطالب أيضًا من الدراسة جنبًا إلى جنب مع طلاب طب الأسنان والطب والتمريض والعلوم الطبية الحيوية، والتي تعد الطالب للعمل في فرق الرعاية الصحية متعددة التخصصات.

السنة الثانية
يستمر بناء الطالب على الأساسيات العلمية، في وقت يبدأ في التحرك نحو التطبيقات العملية، مثل عملية تطوير صناعة الأدوية. كما تركز وحدات علم وظائف الأعضاء والعلاجات ذات الطابع الخاص بأجهزة الجسم على الجمع بين فهم الطالب لعلم وظائف الأعضاء الأساسي وعلم العقاقير والصيدلة السريرية. وسوف يستكشف الطالب أيضًا المبادئ الأساسية لعلم المناعة والمفاهيم المرتبطة بالاستخدام الآمن للأدوية، بالإضافة إلى تطوير مهارات الطب القائمة على الأدلة. وعلى مدار العام، ستتم العديد من دراسات الطالب في المواضع السريرية وفي بيئات التعلم بين التخصصات مع طلاب التمريض والطب والرعاية الصحية الآخرين.

السنة الثالثة
خلال السنة الثالثة من دراسة الصيدلة لمدة 4 سنوات، سيكمل الطالب دراسته الشاملة التي تركز على أجهزة الجسم، وسيكون هناك تركيز كبير على الحرائك الدوائية السريرية، وعلم السموم ومهارات التشخيص. كما يتم تعريف الطالب بالموضوعات المتقدمة، مثل علم الوراثة الدوائية، حيث يكون هناك تركيز مستمر على العلوم الصيدلانية، بما في ذلك التكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا الصيدلانية. ويتعرف الطالب على أنظمة المعلومات الصحية واقتصاديات الأدوية والسياسة الدوائية، والتي تمكنه من التعلم بفعالية في بيئة الرعاية الصحية. وكما هو الحال مع السنوات السابقة، يكون هناك تعليم كبير في مجال التوظيف في مجموعة متنوعة من البيئات متعددة التخصصات.

السنة الرابعة
تركز السنة الأخيرة من دورة شهادة علم الصيدلة على رعاية المرضى الشخصية وخدمات الصيدلة المتقدمة ومبادئ وصف الأدوية. يعتمد تدريس العلاجات على دراسات الطالب السابقة للمفاهيم العلمية والسريرية، بهدف دعمه للتعامل بثقة مع حالات المرضى المعقدة التي تنطوي على استخدام الأدوية المركبة، وحيث يكون الطالب قادرًا على ممارسة مهارات حل المشكلات من خلال لعب الأدوار وسيناريوهات المحاكاة.
وفي هذا السنة، يتعرف الطالب أيضًا على منهجية البحث في الرعاية الصحية حيث يجري مشروعًا بحثيًا فرديًا جوهريًا، والذي قد يكون له موضوع علمي مختبري، أو تركيز مهني أو سريري في بيئة الرعاية الصحية. وهنا يمكن للطالب تحقيق أهداف التعلم الشخصية الخاصة به عن طريق تحديد مجال نشاط الصيدلة المتخصصة الذي يرغب في التركيز عليه. وبالإضافة إلى إكمال شهادة الصيدلة هذه، ولكي يصبح الخريج صيدلانيًا مسجلاً في المملكة المتحدة، يحتاج إلى إكمال عام التسجيل المسبق المهني بنجاح في بيئة ممارسة معتمدة من قبل المجلس الصيدلاني العام GPhC واجتياز اختبار الكفاءة المهنية للمجلس قبل أن يحق له ممارسة مهنة الصيدلة.

* بروفيسور متخصص بعلم وظائف الأعضاء والعقاقير الطبية