18 نوفمبر، 2024 3:48 ص
Search
Close this search box.

دراسة الشخصية ” سيكولوجية التخلف وبناء  منظومة الشخصية المقهورة  في المجتمع العربي “

دراسة الشخصية ” سيكولوجية التخلف وبناء  منظومة الشخصية المقهورة  في المجتمع العربي “

البنية النفسية للنمط  المتخلف من السلوك القهري في البلدان النامية
“الحب ,الكذب ,الرياء,صناعة الطغاة,التخريب ,الانحراف,الخرافة,رمزية الرفض للاخر”
المقدمة
إن تجاهل كون المتخلّف على المستوى الإنساني، كنمط وجود مميز، له ديناميته النفسية والعقلية والعلائقية النوعية – أوقع دارسي التخلف وعلماء التنمية ومِن ورائهم القادة السياسيين الذين يقررون عمليات التغيير الاجتماعي في مآزق أدت إلى هدر كثير من الوقت والجهد والإمكانات المادية.
ونستعرض في أدناه ظواهر نفسية سلوكية للشخصية المقهورة  :
ظاهرة أحداث السلب والنهب لعام 2003 بالعراق
أن ظاهرة تخريب الممتلكات العامة هي عدوانية صريحة ضد المتسلط،تلاحظ هذه الظاهرة في ظروف فوران المجتمع، يقبل المواطنون خصوصا الشباب منهم على تخريب و إتلاف التجهيزات العامة في الطرق( كسر إشارات الضوء، اقتلاع شجيرات الزينة، اقتلاع الحواجز على الأرصفة…) مع أن الفائدة المباشرة تعود عليهم قبل غيره.
أنهم في عملهم هذا يهاجمون رموز التسلط لإحساسهم بأن ما هو عام ليس ملكهم، و الواقع أن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يشعر بالغربة في بلده،يحس بأنه لايملك شيئا،حتى المرافق العامة فهي ملك للسلطة و ليست مسألة تسهيلات حياتية له هو. ذلك أن الهوة كبيرة جدا بينه و بينها و أن ما يستحقه من خدمات و تقديمات تقدم له -إن قدمت- كمنة أو فضل لا كواجب مستحق. عندما يخرب المرافق العامة فهو قبل كل شيء يعير عن عدوانيته تجاه المتسلط..
ظاهرة انتشار السلاح خارج سلطة الدولة
أن المسلح غير المؤطر بمسمى قانوني أو جهة حكومية  بشكل كاف لا يجد أمامه نموذجا سلوكيا سوى نموذج المتسلط و تجاوزاته العديدة، و عوضا عن حل مأزقه الوجودي و استعادة اعتباره من خلال روح الاخاء مع المواطنين نجده يكرر علاقة التبعية ذاتها و التزلف تجاه الرؤساء و روح التعالي و الشطط و العنف من جانبه انطلاقا من حاجته للخلاص الفجائي من خلال القوة و ممارستها عوضا عن الضعف و شعوره المزمن بالدونية.
أن شيوع التماهي بالمتسلط سلوكيا و نفسيا عند المقاتلين و المسلحين يحمل اشد الأخطار على عملية التغيير و التحرير لأنه يعرض الممارسة المسلحة للتزييف و التحوير و الوقوع فيما قامت أصلا لتغييره…
ظاهرة النظرة الدونية للمرأة:
المرأة المنتمية إلى الطبقة المتوسطة في المجتمع المتخلف ترى في الرجل نموذجا للتحرر الانطلاق فتحاول أن تقلده و أن تصبح نسخة عنه و هي في ذلك تستلب ذاتها لا محالة حيث تخسر أنوثتها دون أن تربح الرجولة
المرأة النابغة في المجتمع المتخلف تسحب منها صفة الأنوثة لان التفوق و النبوغ في نظر المجتمع من صفات الرجل فحسب فإذا ما أثبتت امرأة ما نبوغها بما لا يدع مجالا للشك اعترف المجتمع بنبوغها و سحب منها شخصيتها كامرأة و ضمها إلى جنس الرجال
نظرة المجتمع العشائري المتخلف للمرأة تتلخص في كونها جسدا و أداة للمصاهرة و الإنجاب يندثر عقلها طي النسيان و قيمتها و شرفها كله يتركز في عفافها الجنسي المتمثل سطحيا بغشاء البكارة شرفها يتلخص في صفة تشريحية قد يولد بها الإنسان أو لا يولد،أن ربط الفتاة بالبكارة و ربط شرف الرجل بالأمر نفسه يشير إلى مدى الركاكة التي تميز اعتباره الذاتي و مكانته بين الآخرين و مدى عظمة الأخطار التي تتهدد هذه المكانة.
إن جناية الشرف هي ببساطة فعل استرداد و ردع للمرأة التي حاولت أن تكون لذاتها أو التي غرر بها،فعل إعادة لوضعيتها كأداة تملكها العشيرة و تنتقل ملكيتها لقاء مصلحة أو لقاء مقدار من النقود من الأب و الأخ و العم و الخال إلى الزوج،جناية الشرف بقدر مأساويتها و بقدر كشفها للقهر الذي تتعرض له المرأة تشير اي ما يعتمل في بنية العشيرة من اختلال و أزمات نابعة عن وصول القهر المفروض على الجميع إلى أقصى حدوده.
بنية الشخصية المتخلفة:
شخصية الإنسان المتخلف هي نتاج المجتمع المتخلف كل خصائصها هي انعكاس بنية ذلك المجتمع فى حركته التاريخية
ذهنية الإنسان المتخلف تتصف بالجمود والقطعية والحسية وتفتقر إلى التجريد والجدلية والمرونة وإذا كانت انفعالية مفرطة يعوزها العقلانية والضبط المنطقي فما ذلك إلا نتيجة استفحال العلاقة ذات الاتجاه الواحد وهى علاقة التسلط والرضوخ هذا التسلط وما يرافقه من اعتباط طبيعي يستحكم بالذهن ويفقده مرونته ودافعا إياه إلى حيز الانفعال والخرافة والسيطرة السحرية على ظواهر الحياة.
كلما زادت الضغوط الخارجية برزت الحلول الاستسلامية والانكفاء على الذات واللجوء إلى سيطرة خرافية
على المصير وكذلك الذوبان في المتسلط حين تتأكد قوى الدفاع فان ما يبرز هو الحلول العنيفة التي تتخذ إشكالا متعددة فتتوجه إلى الأقران أو المتشابهين او إلى الجماعات الغريبة أو نحو التمرد المباشر والتصدي للمتسلط.
العلاقة الاجتماعية(الأسرة ) للشخصية المقهورة :
العلاقة بين الرجل والمرأة تلعب دورا هاما من الناحية الدفاعية يتهرب الرجل من مأزقه بصبه على المرأة من خلال تحميلها كل مظاهر النقص والمهانة التي يشكو منها أنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والايجابية على حد السواء
ويفرض عليها أكثر الوضعيات غبنا في المجتمع وهى تدفع نتيجة ذلك إلى أقصى حالات التخلف ولكنها في هوة تخلفها وقهرها ترسخ تخلف البنية الاجتماعية من خلال ما تغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وانفعالية ورضوخ
المرأة المستلبة اقتصاديا وجنسيا في البلدان النامية تعانى من استلاب اخطر وهو الاستلاب العقائدي وهو إن تتبنى المرأة قيم سلوكية ونظرة للوجود تتمشى مع القهر الذي فرض عليها تبرره وتجعله جزءا من طبيعة المرأة وبذلك تقاوم تحررها وترسخ البنى التسلطية التي فرضت عليها وأكثر من هذا تعممها وتنقلها إلى أولادها وتفرض على البنات منهم الرضوخ للرجل الأب والأخ والزوج وعلى الصبيان من خلال غرس النظرة الرضوخية للسلطة.
الحب والأطفال  لدى الشخصية المقهورة :
 الحب يعاش في البلاد النامية ” تتميز بنمط هذه الشخصية “تحت شعار التسلط والرضوخ تسلط المحبوب ورضوخ الحبيب حتى حب الأم لأبنائها بكل ما يتميز منه حرارة عاطفية يغلب عليه الطابع التملكى اى في النهاية التسلط من خلال اسر الحب فهكذا يتحرك إنسان العالم الثالث في العمل كما في المدرسة في البيت كما في الشارع يجابه باستمرار بإشكال متنوعة من التسلط والقهر تفقده الشعور الاساسى للأمن والسيطرة على مصيره تفرض المرأة على أطفالها هيمنتها العاطفية كوسيلة تعويضية عما لحق بها من غبن باسم الأمومة المتفانية تغرس في نفسهم التبعية من خلال الحب وتشل عندهم كل رغبات الاستقلال فيجب أن يظلوا ملكيتها الخاصة وتحيطهم بعالم من الخرافات والغيبيات(الجن,السعالى,الموتى المنسوخين,السحر,الشعوذة) والمخاوف فينشا الطفل بالتالي انفعاليا خرفيا عاجزا عن التصدي للواقع من خلال الحس النقدي والتفكير العقلاني .
الأطفال يحتلون قيمة نرجسية كبيرة في حياة المرأة يحتلون هذه القيمة التعويضية((الطفل الذكر هو قضيب ألأم )) ويرجع ذلك إلى انعدام قيمة الأنوثة إلا كتابع لامتياز الرجل وتسلطه ويرجع التعلق النرجسي والتملكى بالأبناء عند المرأة إلى اختزال كيانها إلى أم رحم ينجب والى سد جميع سبل تحقيق ذاتها خارج هذا الإطار ولكن إذا خرجت المرأة إلى المجتمع واحتلت مكانتها أسوة بالرجل وبنت ذاتا مستقلا إذا وجدت إن لها دورا فعليا في عملية البناء الاجتماعي ستتغير نظرتها إلى طفلها كأداة تعويضية
أساليب السيطرة بين الرجل والمرأة “نمط الشخصية القهري” :
صناعة الطعام نموذج….
الطعام وسيلة ممتازة لتدعيم العلاقات التملكية للأسرة فالأم تمتلك الزوج والأبناء من خلال السيطرة على قنواتهم الهضمية فالطعام تقديمه وتناوله هو على قدر المحبة ولذلك نجد إن إلام في العالم الثالث تتخذ من الطعام وسيلة فضلى لتوكيد ذاتها وبسط سيطرتها العاطفية انه لا يكاد يكون لها دور آخر في مثل أهمية دور حشو الأفواه لذا فرفض ما أعدته من طعام هو رفض لمظاهر كرمها مظهر إحباط بالنسبة لها فهو رفض للقيمة المطلقة للحب وليس أدل على ذلك من ثورة الأمهات على النظام الغذائي الرجيم تلك البدعة التي يقتبسها الأبناء من الأجانب

نقد الذات وازدرائها “نمط الشخصية المقهورة”
يزدرى إنسان العالم المتخلف ذاته ويخجل منها ويود لو يهرب من مواجهتها كما ينتقم منها في الوقت نفسه ويكيل النعوت السيئة لنفسه متهما إياها بالتقصير والتخاذل والجبن ,يميل إلى إنزال العقاب بنفسه حتى يرى انه أحيانا عقابا مستحقا له على تخاذله واستكانته .
بمقدار ما ينهار اعتباره لذاته يتضخم تقديره للمتسلط ويرى فيه نوعا من الإنسان الفائق الذي له حق شبه الهي في السيادة والتمتع بكل المميزات يصيب المرأة من عملية التحقير النصيب الأكبر تصب عليها مشاعر العار والضعف والعجز والرضوخ وتتحول إلى أداة للمصاهرة أو الإنجاب إلى خادمة معبرة عن الماساه إلى الإنسان القاصر الغبي الجاهل الذي يحتاج إلى وصى.
الانسحاب   من خلال الكذب:
يحاول الإنسان المقهور الانتقام بأساليب خفية كالكسل التخريب أو النكات والتشنيع رضوخ ظاهري وعدوانية خفية,و الكذب والخداع والتضليل هي قوام اللغة التي يخاطب بها المتسلط الجماهير المقهورة وهكذا يصبح الكذب جزء اساسى من نسيج الوجود المتخلف على مختلف الصعد وفى مختلف الظروف” كذب في الحب والزواج كذب في الصداقة كذب في ادعاء القيم السامية في ادعاء الرجولة في ادعاء الدين وادعاء المعرفة يكذب التاجر على المشترى والحرفي على الزبون والموظف على صاحب الحاجة والشرطي حين يدعى الحفاظ على النظام “الانكفاء على الذات وهى أولوية دفاعية تسير في اتجاه التقوقع والانسحاب بدل من مجابهة التحديات الراهنة الفشل في منافسة الأخ الاكبرالفشل في الحصول على مكانة مرموقة في المجتمع الفشل في انتزاع إعجاب الوالدين أو المعلم الفشل في العلاقات العاطفية أو المشاريع المهنية .
قمع الرغبة:
في كل هذه الحالات يديرالانسان ظهره للعالم يتعلم أن يقمع رغبته حتى لا يشعر بالآم الإحباط العاشق الذي فشل في حبه يقمع جذوة الحب في نفسه ويبخس المحبوب الذي يشكل مرآة فشله كي يصل إلى تبخيس قيمة الحب نفسه ,فالفاشل في الحصول على الجاه أو الثروة يتبنى فلسفة في الوجود عدمية أو زاهدة أو يتعلم أن يحد طموحه بان يضع أهداف قريبة المنال
يضاف الى ذلك من اساليب الدفاع الدعوة للذوبان فى الجماعة المرجعية لدرجة تزول معها الفردية بشكل كامل ويجد الإنسان المقهور في هذا الذوبان حماية له وتأمينا ضد أخطار الطبيعة “الاحتماء بأمجاد الماضي أو السلفية كدفاع وجودي” إذا كانت تخدم غرض الاحتفاظ ببعض التوازن النفسي الضروري لاستمرار الحياة تتعارض في النهاية ومع مصالح الإنسان المقهور على المدى الطويل بمقدار حؤولها دون التغيير تماما كما تتعارض الدفاعات النفسية في المرض النفسي مع مصالح الشخصية لأنها تحول دون نموها وانطلاقها من خلال ما تفرضه عليها من جمود وتصلب.

الذكورية والتسلط “نمط الشخصية المقهورة” :
خطط تحديد النسل تجابه بمقاومة صريحة وضمنية شديدة تبطل مفعولها إلى حد كبير فالوظائف النفس اجتماعية لكثرة الصبيان تتحول إلى قيمة وجودية فاعلة بحد ذاتها وتصبح غاية حياتية ومظهرا من مظاهر الشعور بالاعتزاز ثم ان كثرة الولد تحتل على المستوى اللاواعي دلالة القوة القضيبية عند الرجل وقوة الخلق والامتلاء الداخلي عند النساء وهذه الدلالات من اكبر عوامل التعويض عن المهانة الوجودية التي برزخ تحتها الإنسان المقهور الاعتزاز بالقدرة على الإنجاب عوضا عن القدرة على الانجاز.

الرغبة بالتملك والعدوان الداخلي:
التفسير بالحسد يرضى المحسود فلابد أن يكون ذلك لتفوق أو فضل من جاه أو ولد لذلك تشعره وهميا بارتفاع مكانته بينما تسقط المهانة الذاتية على الحاسد ونكاد نقول أن المحسود بحاجة إلى حاسد حتى يشعر بالامتياز ويتهرب من عدوانيته الداخلية بصبها عليه “هو صاحب النيات العدوانية لا انا”  فيمارسها بعد أن أخذت شكلا مشروعا في الحسد , وان إسقاط للشر الذاتي والنوايا العدوانية على الحاسد وانه إسقاط لرغبة الإنسان المحروم في لعب دور المحظوظ والحسد هو إسقاط للرغبة الدفينة في سلب الأخر ما يمتلك من حظ ويسقط ميوله الدفينة على الحاسد الذي لم يحالفه الحظ ويقوم الحسد أساسا على عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر المهانة المرتبطة بها ومحاولات التنكر لها .

المصادر:
التخلف الاجتماع: مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور/مصطفى حجازي
سيكولوجية الاستبداد/المصطفى البرجاوي
علم النفس الاجتماعي /حامد زهران.
علم النفس الاكلينيكي/ لويس كامل مليكة.
علم النفس العام/ حامد زهران

أحدث المقالات