23 ديسمبر، 2024 4:48 ص

دراسات في الدين والدولة

دراسات في الدين والدولة

عن المركز العراقي للدراسات والبحوث المتخصصة في بغداد صدر كتاب بعنوان “دراسات في الدين والدولة” للباحث د. هاشم نعمة فياض. يقع الكتاب في 208 صفحة من القطع الكبير. يضم الكتاب مجموعة من الدراسات الاجتماعية-السياسية المتعلقة بالدين والدولة والتي كانت موضوعاتها في السنوات الأخيرة مثار اهتمام سواء على مستوى الرأي العام أو على مستوى البحث الأكاديمي في العالم العربي خصوصا. وهي تعالج الفكر الطائفي والدولة، التطرف الديني، الحركات الدينية والنهج البراغماتي، نقد العقل الديني، العلمانية، الدولة المدنية الديمقراطية، الفدرالية، الحركة الشيوعية في العراق، المؤسسات المالية وعلاقتها بالدولة في البلدان الرأسمالية، الليبرالية الجديدة والوظيفة الأيديولوجية للدولة، القوى الاجتماعية الفاعلة في الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية، آفاق ومحددات الإسلام السياسي في بلدان الانتفاضات الشعبية، والتفاعلات الدولية إزاء الانتفاضات الشعبية. هذه الدراسات كُتبت في أوقات مختلفة، وارتأينا جمعها في كتاب واحد لتكون في متناول الباحثين والدارسين والقراء عموما. وأدناه موجز لموضوعات الكتاب.
أثار موضوع ادلجة الدين وتسيسه وتوظيفه للدفاع عن مصالح طبقية وفئوية وشخصية الكثير من الحوار والنقاش على المستوى الفكري والسياسي والثقافي، وذلك بغية تحليل وفهم وتفسير هذه الظاهرة، ومدى انعكاساتها وتجلياتها وتأثيراتها في صيرورة تطور المجتمعات، وبناها السياسية في البلدان العربية والإسلامية. ولعله من المفيد هنا لفهم سياق تطور هذه الظاهرة وانعكاساتها، تحليل الخلفيات التاريخية والاجتماعية- السياسية والفكرية التي غذتها وما زالت تغذيها، وتأثيرات ذلك في بناء الدولة. وهذا ما حاولت دراسة “الفكر الطائفي والدولة” معالجته.
شغلت موضوعة التطرف الديني الكثير من اهتمامات الباحثين والمفكرين في العلوم الاجتماعية والإنسانية في السنوات الأخيرة، استنادا إلى مرجعيات ومنهجيات مختلفة، سواء على مستوى العالم أو على مستوى المنطقة العربية، نتيجة تصاعد موجة التطرف الإسلامي بشكل غير مسبوق. لذلك تبنت دراسة ” التطرف الديني … جذوره الفكرية وأبرز تجلياته” تحليل صيرورة الجذور الفكرية للتطرف الإسلامي وأبرز تجلياته المعاصرة، لعل هذا يساعدنا في فهم بعض أسباب تطور هذه الظاهرة وتفكيك خطابها.

نمت الحركات الدينية الإسلامية بشقيها السني والشيعي، بشكل ملحوظ، في العالم العربي والإسلامي، في العقود الأخيرة، نتيجة العديد من الأسباب، وعلى الرغم من تعدد هذه الحركات، إلا أن هناك ما هو مشترك في مرجعيتها الفكرية وفي خطابها السياسي، لكن ما يثير الملاحظة، هو تغير خطابها بحسب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا ما عالجته دراسة “الحركات الدينية بين الخطاب الأصولي والنهج البراغماتي”.

يشكل النقد مكونا مهما من مكونات الإنتاج الفكري والإبداعي، ودونه يصيب الركود والجمود المنظومات الفكرية والمعرفية ومنها الفكر الديني. وقد كرس مفكرون وباحثون جهودهم العلمية لنقد الفكر الديني ومنه الإسلامي لجعله متوافقا مع متطلبات وتطورات الحياة المعاصرة وما تشهده من تغيرات وتحولات سريعة في فترات قصيرة فما بالك عبر فترات طويلة الأمد. ومن هؤلاء المفكر محمد أركون الذي كرس حياته العلمية المديدة حتى وفاته عام 2010 لمشروع نقد العقل الإسلامي وتجديده مستخدما المناهج الحديثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. ومن كتب أركون المهمة “قضايا في نقد العقل الديني… كيف نفهم الإسلام اليوم؟”، والذي ارتأينا تقديم قراءة عنه؛ لأنه في نظرنا كتاب قيم جدير بالقراءة المتمعنة.

تجري عملية منظمة ومقصودة في أحيان غير قليلة لتشويه مفهوم العلمانية وإلحاق النعوت السلبية به بدوافع سياسية أو أيديولوجية أو دون قصد نتيجة قلة الإطلاع على تجليات العلمانية في تجاربها المطبقة في الكثير من البلدان. وهذا ما يجعل مفهومها يشوبه الكثير من الضبابية في نظر العموم. وفي محاولة لاستجلاء جوانب من صيرورة العلمانية وأبعادها الفكرية والاجتماعية والسياسية تأتي دراستنا “في صيرورة العلمانية… محاولة في الفهم” لعلها تسهم بما هو مفيد في هذا الجانب الهام.
تكتسب موضوعة بناء الدولة المدنية الديمقراطية في بعدها النظري والتجريبي أهمية استثنائية في واقع العراق الحاضر. حيث يدور الصراع على أشده سلماَ وعنفاَ بين القوى السياسية من أجل إعادة بناء الدولة العراقية، وفق مصالحها الطبقية والطائفية والقومية والإقليمية والدولية. ولذا حري بنا ونحن نتبنى المشروع الوطني الديمقراطي الذي يمهد الطريق لبناء أسس هذه الدولة، أن نتعمق ببحث هذه الموضوعة للتعرف على سيناريوهات التحول الديمقراطي ومقومات الدولة المدنية الديمقراطية ومعوقاتها. وهذا ما درسته موضوعة “الدولة المدنية الديمقراطية- مقوماتها ومعوقاتها”.
تهدف دراسة “الدولة المدنية الديمقراطية بديل الدولة الفاشلة” إلى تسليط الضوء على بعض المفاهيم النظرية المتعلقة بالدولة وعلاقتها بالمجتمع في البلدان النامية، ومعاينة الدولة الفاشلة من حيث المفهوم والمقررات، وتفحص بعض مقومات الدولة المدنية الديمقراطية لإنتاج نوع من المقارنة بين الدولتين، لتأكيد أن خيار الدولة المدنية هو الممكن والوحيد لإنقاذ الدولة العراقية من الانحدار أكثر في صنف الدولة الفاشلة التي تنطبق الكثير من مميزاتها عليها حاليا.
تحتل مسألة الفدرالية، حيزاً مهما، من اهتمامات القوى والأحزاب السياسية على شتى مشاربها، ومرجعياتها الفكرية، وكذلك الرأي العام العراقي. وقد برزت بقوة، بعد تغيير النظام، عام 2003، والسير في العملية السياسية، وأصبحت جزءاً من الصراع الدائر حول إعادة بناء الدولة العراقية، وتحقيق المكاسب لهذا الطرف أو ذاك في هذا البناء الجديد. ويبدو هناك تشوش وعدم وضوح على مستوى المفهوم والصلاحيات التي تتمتع بها الأقاليم الفيدرالية لا على صعيد الرأي العام فقط بل على صعيد القوى والأحزاب السياسية ونخبها. ومن هنا تأتي أهمية الحاجة للمزيد من البحث المعمق في محاولة لفهم مفهوم الفدرالية ومسيرة تطبيقها وتطورها سواء على مستوى تجربة الدول المتقدمة أو النامية أو العراق. وهذا ما تناولته بالبحث دراسة “الفدرالية: المفهوم والتطبيق”.
تكتسي أهمية خاصة قراءة كتاب “من أرشيف جمهورية العراق الأولى: الحركة الشيوعية في تقارير مديرية الأمن العامة 1958-1962 دراسة تاريخية سياسية” لأنه يؤرخ بالوثائق لفترة عاصفة من تاريخ العراق التي أعقبت ثورة 14 تموز 1958 والتي ارتبطت بتنامي دور الحزب الشيوعي الجماهيري ومحاولة سلطة عبد الكريم قاسم تحجيم هذا الدور والذي ساهم بدوره في نجاح انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 ووأد الجمهورية الأولى. إن هذه التداعيات السياسية وما تلاها ساهمت بدرجة كبير في رسم ملامح التطور السياسي المضطرب في العراق خلال العقود اللاحقة وإلى الوقت الحاضر.
تأتي أهمية كتاب “انهيار الرأسمالية… أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود”، في تقديرنا من أن مؤلفه يؤمن بالعدالة الاجتماعية في ظل النظام الرأسمالي. وبذلك فهو من الناحية الأيديولوجية لا يمكن وصفه خصماً أو متحاملاً على هذا النظام كما درجت العادة على وصف الكتاب والمفكرين الماركسيين في تصديهم لتحليل الأزمات البنيوية للرأسمالية. ومع ذلك يقر المؤلف أنه مهما اختلفت الأجوبة حول أسباب الانهيار الاقتصادي الذي حدث عام 2008 فإن ثمة حقيقة لا اختلاف عليها أبداً: وهي أن العصر الذهبي، الذي تمتعت به البلدان الصناعية الغربية منذ التسعينات، قد صار في ذمة التاريخ. وإن النظام الرأسمالي المحرر من القيود يقف الآن على عتبة الهاوية.
تكمن أهمية قراءة كتاب “الليبرالية الجديدة: جذورها الفكرية وأبعادها الاقتصادية” في المنهج العلمي الأكاديمي الذي اتبعه المؤلف في التحليل المعمق والاستنتاج. وقد جاءت الأزمة المالية والاقتصادية وتداعياتها العاصفة التي يمر بها العالم والتي بدأت من الولايات المتحدة وانتقلت إلى بقية الدول في نفس عام صدور الكتاب (2008) لتؤكد صحة الاستنتاجات التي خرج بها المؤلف بالرغم من أنه لم يعالجها. وبهذا يعد الكتاب مصدرا مهما للأكاديميين والباحثين والدارسين وعموم القراء المهتمين بهذا الموضوع.

طرح اندلاع الانتفاضات الشعبية في العديد من البلدان العربية الكثير من الأسئلة ذات الأبعاد النظرية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية عن أسباب اندلاعها وقواها الفاعلة وتزامنها في هذا الوقت بالتحديد. وبما أن الانتفاضات يقتضي دراستها بأبعادها المتعددة المركبة والمتبادلة التأثير التي خلقت حالة التراكم الذي أدى إلى اندلاعها وتسهيلا للبحث يمكن تناول بعض محاورها الهامة مثل المحور الذي تم اختياره عنوانا للدراسة “القوى الاجتماعية الفاعلة في الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية”.
أثار صعود قوى الإسلام السياسي، في الانتخابات التي أعقبت نجاح الانتفاضات في إسقاط بعض رؤوس الأنظمة في البلدان العربية أو صعودها في الانتخابات التي تلت إجراء بعض الإصلاحات الدستورية والسياسية؛ العديد من الأسئلة، والكثير من النقاشات حول أسباب ونتائج وآفاق تطور هذه الظاهرة، ولامست هذه النقاشات المرجعية الفكرية للإسلام السياسي فيما يتعلق بموقفه من الدولة وشكل بنائها. وهذا ما حاولت دراسة “آفاق ومحددات الإسلام السياسي في بلدان الانتفاضات الشعبية” مناقشته.
حظيت الانتفاضات التي اندلعت في عدد من البلدان العربية باهتمام وتفاعل وردود أفعال إقليمية ودولية واسعة ربما لم تحدث بهذا المستوى لأي من الانتفاضات والثورات التي سبقتها على المستوى العربي. لذلك ارتأينا في دراسة “التفاعلات الدولية إزاء الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية” تحليل هذا العامل الذي سيبقى مؤثرا بقوة على المدى القريب والمتوسط بالأخص على الرغم من أن العوامل الداخلية تبقى المحرك الأساس فيما حدث ويحدث.